حذر الدكتور نادر نور الدين - الخبير المائي - من خطورة إنفراد الدولة في إنشاء آية مشاريع جديدة في منطقة "الدلتا" لافتاً إلى أن هناك مخاطر كبيرة تهدد تلك المنطقة وينبغي النظر لها بعين الاعتبار . ولفت "نور الدين" في مقاله بصحيفة "الاخبار" إلى أن وكالة "ناسا" الامريكية نشرت صوراً بالقمر الصناعي لمنطقة الدلتا في مصر وقد كساها اللون الابيض وهو ما يعني أن نسبة "التمليح" زادت جداً فيها بسبب بعض العوامل وأهمها الحصة القليلة من المياة التي تصرفها الدولة للفدان وهو ما يجعل الفلاح يلجئ لبعض المياه المالحة لري أرضه محذراً من أن مصر قد تفقد الدلتا للأبد "بحسب تعبيره" . وإلى نص المقال: هذه هي النسخة الأصلية لمقالنا في الأخبار اليوم الخميس 17 ديسمبر لمن لم يتابع النسخة الورقية أو وجد صعوبة في قراءة صورة المقال.الدلتا بين خطري البحر وتطوير الري تابعت على مدار أسبوعين ماطرحة وزير الري المصري عن أفكاره لتطوير الري في أراضي الدلتا الطينية السمراء والتي تحاط بكل المخاطر سواء بمياه البحر المتوسط المالحة وإرتفاع منسوبة بسبب تغير المناخ وإحترار كوكب الأرض ثم موجات المد والجزر والرزاز الملحي أو بإختراق البحر للمياه الجوفية وتمليحها حتى مدينة طنطا، بالإضافة إلى إرتفاع ملوحة مياة الري في ترع الدلتا بسبب خلطها بمياه المصارف الزراعية مرتفعة الملوحة والتلوث، أو بسبب أستخدام العديد من المزارعين لمياه المصارف مباشرة في الري بسبب عجز المياه في الترع لأن وزارة الري تصرف للفدان خمسة آلاف م3 في السنة فقط كمقنن للري بينما الإستهلاك الفعلي ستة آلاف متر مكعب (2.5 شتاء و 3.5 صيفا) وبالتالي تتركة ليدبر الألف الناقص سواء بدق ماسورة إلى المياه السطحية المالحة أو بإستخدام مياه المصارف ومافيها من مياه المجاري ومياه الصرف الصناعي القاتلة. هذا الأمر حذا بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إلى نشر خريطة للدلتا المصرية في بداية هذا العام ألتقطها القمر الصناعي وقد أكتست أغلب أراضيها باللون الأبيض بسبب التمليح الذي أصابها من كل العوامل السابقة ومن نقص مياه الري التي من المفترض أن تصرف لثروة مصر الزراعية حيث تمثل الدلتا المصرية 4.5 مليون فدان وتنتج نحو 75% من الإنتاج الزراعي المصري وبالتالي هي ثروة قومية ينبغي الحفاظ عليها وحماية أراضيها من التدهور. وقبل أن تنفرد وزارة الري وحدها كمالعادة في المشروعات الزراعية مثلما حدث في مشروع توشكي والنتيجة واضحة، ثم مشروع الفرافرة قائظة الحرارة وجدت أن من واجبي تبصير المسئولين في الدولة بالعديد من الأمور المهمة قبل التورط في مشروعات تطوير الري في أراضي الدلتا كنز مصر الزراعي وقبل أن نفقدها إلى الأبد. فهل يعلم وزير الري ومعه الزملاء في وزارة الري بأن مياه نهر النيل تحتوي على تركيزات من الأملاح تبلغ نصف كيلوجرام لكل متر مكعب من المياه وبالتالي فإن الفدان الذي يروي بستة آلاف م3 سنويا يستقبل 3 طن من الأملاح سنويا من مياه نهر النيل فقط، وأن هذا الرقم يتضاعف ثلاث مرات عند الري بمياه المصارف الزراعية أو بمياه الآبار السطحية المنتشرة بدء من محافظة الجيزة وحتى نهاية الدلتا أي 9 طن سنويا من الأملاح الضارة وأن هذه الأملاح تحتاج إلى مياه لغسيلها وإلا تحولت الدلتا إلى ملاحة كبيرة بعد عشر سنوات بسبب تراكم من 30 إلى 90 طن أملاح ضارة في الفدان الواحد. الأمر الثاني والخطير هو إرتفاع مستوى المياه الجوفية السطحية وهو مايطلق عليه علميا أسم مستوى الماء الأرضي أو الماء المعلق Water Table وهو ماء مالح يحتوى على نواتج غسيل مياه الري لطبقات التربة بالإضافة إلى متبقيات الأسمدة والمبيدات التي تضاف للترب الزراعية. هذا الماء يتراوح عمقة في أغلب أراضي الدلتا بين متر وربع فقط وحتى نصف المتر وبالتالي فهو مصدر للنشع المستمر للماء المالح الصاعد من أسفل إلى أعلي ليملأ طبقات التربة بالأملاح الضارة التي تحتاج إلى غسيل مستمر وليس إلى تقنين مياه الري. ثم تأتي الطامة الكبرى من مياه البحر المتوسط وتغيرات المناخ وأحتمال غرق مساحات في الدلتا قبل عام 2050 تبلغ 1800 كم2 وتهجر 4 مليون مواطن لو أرتفع سطح البحر نصف متر فقط، بينما ترتفع هذه المساحات إلى 5700 كم2 وتهجر 8 مليون مصري، وبالتالي فالدلتا مهددة تماما بمياه البحر المالحة وتحتاج إلى كل مايدفع البحر إلى الوراء بالمياه العذبة وغسيل تراكمات أملاحة دوريا سواء بزراعات الأرز البديل الوحيد للفيضان حاليا أو بزيادة كميات مياه الري المخصصة للفدان. يقول وزير الري في مقالتيه بأن كفاءة الري بالغمر لا تزيد عن 55% فقط وبالتالي يتم هدر نصف المياه متناسيا أنه المياه التي تذهب إلى المصارف تعيدها الوزارة إلى الترع مرة أخري ويعاد أستخدامها في الري وبالتالي فهي ليست مياه مهدرة وهذا يرفع كفاءة الري إلى 74% طبقا لدراسات مشتركة بين كليات الهندسة والزراعة، وهي نفس كفاءة الري بالرش ونحن لا نريد أن نزيدها عن ذلك حتى نتمكن من غسيل التربة من الأملاح ومنع تدهور وتصحر أراضي الدلتا وحمايتها من زحف المياه المالحة للبحر أو صعود المياه المالحة من أسفلها. في أراضي الدلتا السمراء نقول دائما أن الوقاية خير من العلاج لأنها أراضي طينية ثقيلة صعية الإستصلاح ومحاطة بكل عوامل التملح وكل الأخطار ومنظمة الأممالمتحدة للمياه توصي بألا يقل نصيب الفدان عن 5 آلاف م3/سنة في أراضي المناطق الجافة والحارة وهو ما تصرفه وزارة الري فعليا للفدان وبالتالي كيف تريد أن توفر من المتوفر؟!. وأرجو من الوزير أن يراجع تجربة أراضي محافظة كفر الشيخ وكيف قام المزارعون عام 2010 بتدمير كافة منشاءات مشروع تطوير الري فيها بعد أن بارت أراضيهم وضاعت زراعاتهم. تطوير الري يتم في شبكات التوصيل التي تفقدنا 19 مليار متر مكعب سنويا وليس داخل الحقول والفلاح ليس حمل 12 ألف جنيه ثمن شبكة ري تجدد كل خمس سنوات.