ما زال تطوير الري الحقلي بين معارض ومؤيد، فالبعض يعتبره ذا مردود جيد على إنتاجية المحاصيل وموفرًا للمياه المهدرة، سواء بالرشح أو بالبخر، والبعض الآخر يراه مهلكًا للتربة لتراكم الأملاح بها، وغير مُجدٍ لأن مياه الصرف الزراعي يتم استخدامها في الزراعة مرة أخرى، مما ينفي أن تطوير الري الحقلي يوفر المياه. يقول الدكتور نادر نور الدين الخبير الزراعي إنه يخشى من عودة وزير الزراعة الحالى بفكره السابق فى تطوير الرى بأن يبدأ من داخل الحقول، ولا يستوعب ما قام به مزارعو محافظة كفر الشيخ من تدمير شبكة التطوير عام 2005 بعد أن تملحت أراضيهم وبارت زراعاتهم، لافتًا إلى حتمية البدء في تطوير الرى من خارج الحقول عبر شبكة الترع الطويلة والمتفرعة والتى تصل إلى 40 ألف كيلو متر نفقد خلالها نحو 19 مليار متر مكعب من المياه طبقًا لدراسات وزارة الري والتي توضح الفرق بين حجم المنصرف من السد العالى والاستهلاك الفعلى لزراعات العروات الثلاث «الشتوى والصيفى والنيلى»، هذا الأمر يتطلب أن يبدأ التطوير من الترع الأصغر للأكبر، أى من المسقى، ثم المروى بتحويلها إلى خطوط مواسير لتقليل البخر والفاقد الرشح العميق والجانبى ومنها إلى ترع التوزيع والترع الفرعية مع ترك الترع تحت الرئيسية والرئيسية حاليًّا. وأوضح نور الدين أن البدء فى تطبيق نظم شبكات الرى بالتنقيط والغمر داخل الحقول مغامرة كبيرة وغير محسوبة، ومطلوب من الفلاح أن يسدد 12 ألف جنيه ثمناً للشبكة ونحو ألفى جنيه سنويًّا للصيانة، وتغيير الشبكة كل خمس سنوات، وكأن الفلاح أصبح مليونيراً وزراعاته كاملة للتصدير، رغم أن الدولة تقاوم أى ارتفاع فى أسعار الغذاء دون أن تعوض المزارعين عن هذه السياسة، هذا بجانب أنه سيحد من حرية المزارعين فى زراعة الحاصلات الكثيفة "القمح والبرسيم والأرز"، أو الزراعات التى تزرع على مسافات مثل القطن والذرة والفول، وسيحرم المزارعين من الغسيل الدورى للأملاح التى تتراكم دوريًّا فى أرضهم الزراعية. ولفت نور الدين، إلى أنه لا توجد مياه عذبة خالية تماماً من الأملاح، فمياه نهر النيل العذبة يحتوى المتر المكعب منها على نصف كيلو جرام فقط من الأملاح، ولكن مع ضخامة الكميات المستخدمة فى رى الحقول والتى تتراوح فى مصر رسميًّا بين خمسة آلاف وستة آلاف متر مكعب للفدان يعنى: أن مياه نهر النيل تضيف سنويا بين 2.5 إلى 3 أطنان من الأملاح الضارة للفدان لا بد من غسيلها دورياً وإلا أصبحت بعد عشر سنوات 30 طناً أملاحاً وتبور الأراضى الزراعية سريعا بسبب التملح. وأشار الخبير الزراعي، إلى أن سياسة إعادة استخدام مياه المصارف الزراعية فى الرى مرة أخرى (10 مليارات متر مكعب سنوياً) من إجمالى 14 ملياراً هى كل مياه الصرف الزراعى فى مصر، وما دام الأمر يعنى أن ما يذهب من الزيادة فى مياه الرى بالغمر إلى المصارف يعاد استخدامه مرة أخرى فلا يوجد إذن إهدار فى المياه وهذا الأمر تسبب فى ارتفاع كفاءة الرى بالغمر فى الأراضى المصرية والتى كانت 50% فقط فأصبحت 75% وهى نفس كفاءة الرى بالرش، فلماذا التكاليف والأعباء على الفلاح خاصة أن باقى النسبة من المياه يحتاجها الفلاح بشدة لغسيل تراكمات الأملاح السنوية السابقة والناتجة سواء من مياه النيل أو الآبار، أو مياه المصارف الزراعية عالية الملوحة المستخدمة فعلياً فى الرى بسبب نقص المياه المتوافرة فى الترع ومعها المياه الجوفية السطحية التى يلجأ إليها الفلاح لنفس سبب شح مياه الترع، مضيفا ان زراعات الارز التي يتم مهاجمتها من قبل تالمسئولين في الوقت الراهن تروى بمياه الصرف الزراعى، لأن الأرز يتحمل الملوحة وبالتالى لا إهدار لمياه الرى، لأنها تستخدم فى رى الأرز مرة أخرى ويكون الأمر بخلاف ما يعتقد البعض أن تصدير الأرز أو توفيره محليًا هو لتصدير أو بيع للمياه، ولكنه فى حقيقة الأمر بيع وتصدير للأملاح التى تنهك التربة وتبورها بعد أن أصبح الأرز هو البديل الوحيد للفيضان حاليا لغسيل الأملاح والتلوث من تربة الفلاح. فيما أكد الدكتور صابر محمود، وكيل معهد بحوث الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية، أن مشروع التطوير الحقلي له مردود جيد على التربة والنتاجية المحاصيل ، ملفتا ان طرق الري التقليدية من خلال المساقى والمجاري المائية الداخلية تهدر كميات كبيرة من المياه عن طريق البخ هذا بجانب تأثيرها السلبي على الأراضي المجاورة لها التي ترتفع بها نسبة الرطوبة لوجود رشح من هذه المساقي مما يزيد من حالات تعفن الجذور الأمر الذي يعمل على انخفاض معدل إنتاج المحاصيل من هذه الأراضي . وأضاف محمود، أن طرق الري الحديثة المتبعة في ري المحاصيل سواء بالتنقيط او الرش لا تسبب ارتفاع الملوحة بالأراضي، بل ان الفترات بين الريات بهذه الطرق اقل وبالتالي لا تسمح بتراكم الأملاح، على عكس الري بالغمر. وأوضح وكيل معهد بحوث الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية، أنه قبل إجراء أى تعديل على طرق الري بأية محافظة بيتم دراسة نوعية التربة وعلى أساسها بيتم المفاضلة بين هذه الطرق واختيار أفضلها بالنسبة لدرجة ملوحة التربة وأنواع المحاصيل التي يتم زراعتها ، موضحا انه يمكن ري الأراضي بالغمر كل سنة او كل ستة أشهر طبقا لتوعية الأملاح حتى لو تم استخدام الطرق الحديثة في الري.