الثورة التى أطاحت بالظلم والطغيان والاستبداد هى ثورة سلمية نقية طاهرة ليس لها من غرض سوى تمكين دولة القانون من حكم البلاد والعباد .. دولة تقام على العدل والحرية ويتم فيها تنفيذ القانون على الجميع دون استثناء، بالإضافة لحماية المواطنين من الممارسة التعسفيّة واستبداد مراكز القوى أياً كانت ..دولة يتمتع المواطنون فى ظلها بالحريات المدنية .. ولم تقم الثورة من أجل نشر الفوضى وترسيخ منطق القوة أو تفعيل ثقافة المواءمات التى يسعى البعض لتطبيقها من أجل إطالة الفترة الانتقاليّة لنسخ نظام مبارك المخلوع مرة أخرى .. لأن ذلك يعنى ببساطة أن ثورة الخامس والعشرين لم تؤت ثمارها لينطبق عليها المثل الشعبى القائل "كأنك يابو زيد ما غزيت ولا رحت ولا جيت". لذلك أثار تصريح وزير الداخلية منذ أيام حفيظة الكثيرين، حينما أعلن على رؤوس الأشهاد أنه قرر منح مكافأة لكل ضابط يقوم بإطلاق الأعيرة النارية على البلطجية والعصابات التى تبادر بالهجوم على الشرطة وإطلاق النيران عليها، وأكَّد وزير الداخلية، فى تصريحاته أثناء زيارته لقسم شرطة الفيوم، أنه يجب أن يكون هناك رادع قوى لكل من تسول له نفسه من البلطجية إطلاق النيران على ضباط الشرطة .. يا سيدى الوزير لا نريد – ولا تريد ثورتنا- أن يتم إطلاق النار على أى إنسان دون محاكم أو قضاة .. نريد أن يسود القانون فيتم ضبط هؤلاء ثم يقدمون للعدالة، وأن تكون هناك حرفية أمنية ورقابة وتحريات وضبط وإحضار، وألا تنحصر العملية الأمنية وتُختزل فى إطلاق الرصاص وقتل البلطجية بالعشرات أو المئات .. بل نريد أمنا واستقرارًا يسود بالقانون والعدل وليس بفرض القوة .. وهيبة الدولة تكون بسيادة القانون .. ولانريد تخويل رجال الشرطة بإطلاق الرصاص بهذه الحرية المطلقة. ولا يعنى ذلك أن تكون الدولة رخوة وفى حالة انفلات أمنى تضيع خلاله هيبة السلطة .. بل نريدها هيبة بتنفيذ القانون على الصغير والكبير .. وأن يتعامل الشرطى بمهارة أمنيَّة وليس بمنطق البلطجى والردع والتنكيل وانتهاك حقوق الإنسان. لقد أصبح معروفاً لدى الشرطة المصرية قبل الثورة أن سياسة البطش والتنكيل هى سبيلها فى ضبط قضايا السرقة وجرائم المجتمع فيؤتى بالمشتبه به فيُعلق كالذبيحة، ويُضرب حتى يعترف، وربما يُهتك عرضه لإجباره على الاعتراف، فهذا لا نريده بالمرة، بل نريد عقلية أمنية تجمع الدلائل والقرائن والبراهين والمعلومات والتحريات ليواجَه بها المتهم، ثم تقدم القضية للنيابة ثم إلى المحكمة، والتى تأخذ بتلك البراهين والأدلة فى الحكم على المتهم. فلا بد أن نغير هذه المنظومة السائدة عن الأمن المصرى الذى أصبح فضيحة العالم بقمعه واستبداده، حتى أن أمريكا استعانت فى جوانتانامو بكبار الضباط المصريين لمهارتهم فى "فن التعذيب "، ولطخت سمعة مصر بانتهاكها لحقوق الإنسان. نحن سعداء بعودة رجال الشرطة لضبط الشارع المصرى والقضاء على الانفلات الأمنى، ولكن يكون ذلك بتغيير المنظومة الأمنيَّة القائمة على القمع والاستبداد إلى منظومة قائمة على القانون والحرفيَّة الأمنيَّة فى التعامل مع المجرمين وتأهيل ضباط وجنود الشرطة على احترام حقوق الإنسان والتضحية والفداء من أجل هذا الوطن. [email protected]