عطل السودان مباحثات سد النهضة، التي كانت مقررة اليوم السبت، بين مصر وإثيوبيا، وذلك بسبب تعذيب مواطنيه في أقسام الشرطة داخل مصر، حيث سلمت السفارة السودانية بالقاهرة، الأربعاء الماضي، مذكرة لوزارة الخارجية المصرية، احتجاجا على ما سمته "تجاوزات ضد مواطنيها بالقاهرة"، وطالبت بالتحقيق فيها، ووقف التجاوزات فورا، بعد احتجاز عدد من السودانيين بتهمة الاتجار بالعملة، وتقليد الدولارات. وكان من المقرر أن يُعقد الاجتماع العاشر لمباحثات سد النهضة، اليوم السبت، بالعاصمة السودانية الخرطوم، غير أنه وبشكل مفاجئ أعلن وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني معتز موسي، سفره إلي البرازيل، ما اعتبره خبراء ومتخصصون تحايلاً علي إتمام المباحثات نظراً للعلاقات السياسية المضطربة بين مصر والسودان.
وتقول السودان أن نحو 15 سودانيًا تعرضوا لمضايقات وحالات اعتداء من قبل المصريين، في أقسام وسط القاهرة في عابدين والأزبكية، تتعلق أغلبها بحمل السودانيين لدولارات. وتلعب السودان في مفاوضات سد النهضة علي بندين هامين، فهي من ناحية تستغل الضعف المصري التفاوضي في تحقيق مكاسب لها علي الأرض، لقرب السودان "السياسي" من أديس أبابا، ومن ناحية أخري، تضمن شرعية الكهرباء التي ستعود عليها من بناء السد الإثيوبي، حيث ستأخذ الخرطوم ما يكفيها من الكهرباء ب ¼ الثمن، المقرر أن تبيع به أديس أبابا الكهرباء للدول الأخرى. وظهر الموقف السوداني المنحاز لإثيوبيا علي حساب مصر بشكل واضح جداً، في مفاوضات أجريت بين الأطراف الثلاثة العام الماضي وافقت خلالها الخرطوم علي عدة مقترحات تقدمت بها أديس أبابا لتحصين "موقفها من السد"، وتجلت أبرز صور هذا الانحياز خلال الدعم السوداني الكبير المقدم إلي المكتب الفرنسي المختص بدراسة الأثار الجانبية لسد النهضة، وكان هذا المكتب بشكل صارخ لإثيوبيا علي حساب في مصر، ما جعل مصر تتمسك بوجود مكتب استشاري أخر وهو "المكتب الهولاندي"، غير أن التضييقات التي مارستها إثيوبيا وبدعم سري سوداني جعلت المكتب الهولاندي يترك أبحاثه ويعتزل المفاوضات، وبعد ضغط من جانب المسئولين المصريين استمر المكتب الهولاندي في الدراسات، ولكنه فضل أن تكون دراساته منفصلة عن المكتب الفرنسي. وفي هذا السياق، يقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، ل"المصريون"، إن موقف السودان من قضية سد النهضة واضح، وهو بيع القضية برمتها لصالح إثيوبيا، مؤكداً أن السودان هي أكثر المستفيدين من القضية وتساعد إثيوبيا في المماطلة من أجل تمرير سد النهضة وعدم إعاقة تنفيذه.
وأكد رأيه الدكتور أحمد الشناوي، الذى وصف الموقف السوداني في القضية قائلاً: "صعبانين علي جداً"، مؤكداً أن إثيوبيا استطاعت الالتفاف علي السودان أو بمعني أصح "الضحك عليهم" وإقناعهم بأنهم سيستفيدون من الكهرباء المتولدة من سد النهضة. ويتضح الموقف السوداني المناقض لنفسه، إذ أن التأثير السلبي لسد النهضة يتخطي مصر ويتجاوزها إلي أن يصل لعمق الخرطوم، ولكن الضمانات التي قدمتها إثيوبيا للسودان، إضافة إلي عرض الكهرباء "المغري"، هونت الصعوبات وأذابتها أمام السودان، فانحازت لإثيوبيا في غمضة عين، وفي الوقت نفسه، أدرك المسئولون عن ملف سد النهضة في مصر، أن "هناك صفقة ما بين أديس أباباوالخرطوم".