الصفقة المحرمة بين «السيسي والبشير» السودان تلعب دورًا مزدوجًا أحدهما لمصر والآخر لإثيوبيا تعد السودان من أولى الدول التي أخرجت الكارت الأخضر لصالح بناء السد الإثيوبي، ويسعى النظام السوداني إلى الدفع بالخرطوم لتكون وسيطًا لحل الأزمة بين مصر وإثيوبيا، بعد فشل كل محاولات حل الأزمة وديًا، لكن هناك عقبات تواجه القاهرة، أهمها الانحياز الواضح والصريح من جانب السودان لصالح إثيوبيا بشكل "فج"، ظهرت ملامحه وبوادره في المفاوضات الثلاثية التي بدأت العام الماضي وانتهت إلى "لا شيء". الخيارات المتاحة أمام مصر أوقعت الرئيس عبدالفتاح السيسي في بؤرة الاختيار ما بين أمرين كلاهما مرّ، إما التنازل مستقبلًا للسودان عن حلايب وشلاتين وضمان عدم تأثر مصر كليًا بالسد الإثيوبي، في ظل العلاقات القوية التي تربط الخرطومبأديس أبابا، أو التصميم على "مصرية" حلايب وشلاتين، وفي حالة الاختيار الأخير يكون الرئيس السوداني قد أخذ الضوء الأخضر من القاهرة للمضي قدمًا في خطته المربكة لمصر. بندان هامان في المفاوضات !! وتلعب السودان على بندين هامين، فهي من ناحية تستغل الضعف المصري التفاوضي في تحقيق مكاسب لها على الأرض، بالعرض على القاهرة لحل الأزمة، لقرب السودان "السياسي" من أديس أبابا، ومن ناحية أخرى، تضمن شرعية الكهرباء التي ستعود عليها من بناء السد الإثيوبي، حيث تأخذ الخرطوم ما يكفيها من الكهرباء ب ¼ الثمن، والمقرر أن تبيع به أديس أبابا الكهرباء للدول الأخرى. روايتان تؤكدان صحة العرض السوداني "المغري" بضم حلايب وشلاتين، على الرغم من النفي الحكومي الرسمي والمتكرر من وجود صفقة للتنازل عن حلايب وشلاتين، إحدى هاتين الروايتين هو تصريح سفير السودان بالقاهرة عبد المحمود عبد الحليم، بأن بلاده على أتم الاستعداد للتوسط في حل الأزمة الإثيوبية المصرية في مقابل ضم حلايب وشلاتين إليها وأيضًا تصديق الرئيس السوداني عمر البشير على كلام السفير وتأييده له. الرواية الأخرى، هي الاهتمام المصري المبالغ به في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بمنطقة "حلايب وشلاتين"، حيث جاءت حلايب وشلاتين في المرتبة الأولى ضمن المناطق الأكثر تصويتًا بنسبة 90 %، وكأن "القاهرة توجه رسالة خارجية بأن حلايب وشلاتين متمسكة بمصريتها ومعتزة بها". السودان تكشف عن أنيابها وظهر الموقف السوداني المنحاز لإثيوبيا على حساب مصر بشكل واضح جدًا، في مفاوضات أجريت بين الأطراف الثلاثة العام الماضي وافقت خلالها الخرطوم على عدة مقترحات تقدمت بها أديس أبابا لتحصين "موقفها من السد"، وتجلت أبرز صور هذا الانحياز خلال الدعم السوداني الكبير المقدم إلى المكتب الفرنسي المختص بدراسة الآثار الجانبية لسد النهضة، وكان هذا المكتب بشكل صارخ لإثيوبيا على حساب مصر، ما جعل مصر تتمسك بوجود مكتب استشاري آخر وهو "المكتب الهولندي"، غير أن التضييقات التي مارستها إثيوبيا وبدعم سري سوداني جعلت المكتب الهولندي يترك أبحاثه ويعتزل المفاوضات، وبعد ضغط من جانب المسؤولين المصريين استمر المكتب الهولندي في الدراسات، ولكنه فضل أن تكون دراساته منفصلة عن المكتب الفرنسي. ومن بين السطور، يتضح الموقف السوداني المناقض لنفسه، إذ أن التأثير السلبي لسد النهضة يتخطى مصر ويتجاوزها إلى أن يصل لعمق الخرطوم، ولكن الضمانات التي قدمتها إثيوبيا للسودان، إضافة إلى عرض الكهرباء "المغري"، هونت الصعوبات وأذابتها أمام السودان، فانحازت لإثيوبيا في غمضة عين، وفي الوقت نفسه، أدرك المسؤولون عن ملف سد النهضة في مصر، أن "هناك صفقة ما بين أديس أباباوالخرطوم". مصدر حكومي يؤكد توسط السودان مصادر داخل وزارة المائية والري، ومقربة من الوزير حسام مغازي، أكدت ل«المصريون»، أن "الوزير عُرض عليه بالفعل التوسط السوداني لتسوية سد النهضة وأن ينقل ذلك للقيادة السياسية مباشرة، وأن المقترحات قدمت إليه أثناء اجتماع اللجنة الثلاثية الأخير بالخرطوم". وأكدت المصادر، أن الوزير لم ينقل المقترح السوداني إلى الرئيس السيسي أو رئيس مجلس الوزراء، لتيقنه برفض المقترح وأن القيادة السياسية لن تتنازل مطلقًا عن حلايب وشلاتين ولن تُفكر في ذلك"، غير أن الإعدادات غير المسبوقة في الانتخابات البرلمانية منذ أيام تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن المقترح السوداني تخطى الوزير ووصل بالفعل في يد الرئاسة والحكومة. إثيوبيا تتلاعب بالسودان بالتزامن مع ذلك، تعجب خبراء مصريون من موقف السودان المؤيد والمنحاز بشكل كبير لإثيوبيا علي حساب مصر، فيقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، إن "قرار سد النهضة في يد إثيوبيا وليس بيد السودان، والسودان ستتضرر كثيرًا من السد مثل مصر وعليها أن تتوسط لنفسها أولاً، قبل السعي لتوسطها بين مصر وإثيوبيا، مضيفًا: أما حلايب وشلاتين فهي مصرية طبقًا لاتفاقية قسطنتينة لتقسيم الحدود". وأضاف، أن "السودان تتعمد إطلاق تصريحات مثيرة للتشويش على التفكير المصري في سد النهضة، كلما اقتربت المباحثات بعد أن تحالفت مع إثيوبيا تمامًا بل وأصبحت حليفًا لإثيوبيا وتابعًا لها". ويتعقد ملف سد النهضة أكثر فأكثر، في ظل تهرب إثيوبي مستمر من الاجتماع بالقاهرة لاستكمال المفاوضات، وفي ظل دعم خفي ومستتر من جانب السودان لصالح إثيوبيا، في حين تسعى القاهرة لإيجاد فرصة أو مخرج للقضية بغير أن تضطر إلى فقدان آخر أوراقها التفاوضية وهو اللجوء للمحكمة الدولية ومجلس الأمن.