ليلة أمس كان الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" يدلي بتصريح جديد يؤكد فيه أن على بشار الأسد أن يرحل ، وأنه لا مكان له في أي عملية انتقالية في سوريا متهما إياه بأنه سبب تفجر العنف والإرهاب في سوريا ومحنة اللاجئين ، وبعد ساعات من هذا التصريح كانت التفجيرات تضرب سبع مواقع في العاصمة الفرنسية مخلفة حوالي مائة وأربعين قتيلا ومائتي جريح في عملية إرهابية وحشية لا سابق لها في فرنسا لعقود طويلة خلت ، ثم أعلن تنظيم داعش بعد ذلك مسئوليته عن العملية متوعدا فرنسا بالمزيد منها لتدخلها في سوريا حسب زعمه ، وهذا أمر مدهش جدا ، خاصة إذا ضممنا إليه مسألة استهداف تنظيم داعش داخل سوريا للجيش السوري الحر المعارض لبشار الأسد ونظامه والجماعات الإسلامية المعتدلة الأخرى التي تقاتل جيش بشار وتصر على إسقاط نظامه ، وهو أمر يحتاج إلى تأمل بالفعل وتحليل ، في داخل سوريا تحارب داعش خصوم بشار ، وفي خارج سوريا تفجر داعش في خصوم بشار ، هل نجح بشار وجهاز استخباراته "المتمرس في علاقاته بالتنظيمات الإسلامية المسلحة" في اختراق هذا التنظيم الغامض والخطير ، وتوجيهه بصورة أو أخرى لارتكاب عمليات وحشية على هذا النحو ضد خصوم بشار الأسد ، لقد كان العالم يضع يده على قلبه من أن يضرب الإرهاب في روسيا على خلفية دعمها لبشار الأسد وقصفها الوحشي أيضا للمعارضة السورية ، ولكن داعش ضرب "اولاند" المعارض لبشار ، ولم يضرب "بوتين" المؤيد لبشار ، كما ضربت تفجيرات داعش دائما كل الدول التي تعارض بشار مثل السعودية وتركيا ، ولم يتعرض مرة واحدة للدول الداعمة لبشار مثل إيران ، وهذه مجرد مقارنة للتأمل ، وإلا ، فالإرهاب هو الإرهاب ولا مبرر له ، واستهداف المدنيين إرهاب ، سواء ارتكبه داعش أو بشار أو بوتين بقصفه الوحشي للنساء والأطفال والمستشفيات والمساجد في سوريا . العملية الإرهابية الجبانة في باريس هي في الحساب السياسي مكسب كبير لنظام بشار الأسد الذي يحاول إعادة تأهيل نفسه الآن بأنه يعاني من الإرهاب مثلما تعاني فرنسا وغيرها ، وهي محاولة ساقطة وفاشلة قطعا ، لأن العالم يراه يوميا على مدار خمس سنوات وهو يقتل الأطفال والنساء ويهدم المدن على رؤوس سكانها ويقصف عشوائيا بالبراميل المتفجرة ، كما أن الغربيين يعرفون أكثر من غيرهم أن بشار أحد صناع الإرهاب في المنطقة ، كما يدركون وخاصة الأمريكيين أن استخبارات بشار نجحت في تجميع واستضافة مجموعات إرهابية عديدة في سوريا أيام الحرب الأمريكية في العراق ، وكانت دمشق تقدم لهم الخدمات اللوجستية وتوفر الذخيرة وترسلهم للقيام بعمليات ضد الأمريكيين لكسر عزمهم على مهاجمة بشار بعد صدام ، ومعظم قادة التنظيمات الإرهابية الحالية كانوا ضيوفا على سجون بشار الأسد ثم أطلق سراحهم وارتبطوا بعلاقات مثيرة مع أجهزة استخباراته ، حيث قاموا بعمليات مروعة في العراق وفي لبنان وفي تركيا أيضا ، قبل الربيع العربي . المثير للدهشة أن إعلاميين مصريين وعربا ممن يقدمون أنفسهم بوصفهم مؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي أبدوا شماتة رخيصة في تفجيرات باريس وكتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي كلمات بشعة للغاية في ابتهاجها بدم الأبرياء هناك ، ظانين أنهم بذلك يردون على الموقف الغربي على تفجير الطائرة الروسية في سيناء وإعلان عواصم كثيرة مقاطعة شرم الشيخ سياحيا كإجراء أمني ، والحقيقة أن هذه الروح المفتقرة لأبسط معاني الإنسانية تسيئ لمصر وإعلامها ، كما تعطي انطباعا بأننا نواجه في مصر مناخا من الفاشية لا صلة له بالخلاف مع الإخوان أو أنصار مرسي ، هي فاشية حقيقية ضد "الآخر" أو "المختلف معنا" ، أيا كان جنسه أو انتماؤه نستبيح بها دمه ووجوده ونفرح بذلك ونشمت في ذلك كما رقص البعض على دماء سالت على أرض مصر في أعقاب 30 يونيو . هذه الموجة من العنف الدموي البشع ، والتي ضربت مصر وفرنسا والسعودية وتركيا وغيرها ، لا يمكن فصلها عما يحدث في سوريا ومسلسل "الموت" اليومي للأطفال والنساء في ظل عجز المجتمع الدولي أو نفاقه وهو يتابع مشاهد الفزع والدم هذه وكأنه يتابع مباراة لكرة القدم ، وفي ظل استعراض القوى الكبرى لأسلحتها الحديثة وذخائرها المبتكرة لتجربها في أجساد الأبرياء في سوريا ، المسافة بين الموت والحياة تلاشت أو ضاقت ، وهذا هو أول مفتاح للوحشية وانتشار ثقافتها ، وعلى العالم وقادته وحكمائه أن ينهضوا برؤية شاملة لوقف كل المقدمات التي تساعد على انتشار هذا الوباء ، فالعالم قرية واحدة ، ولا يمكن أن يعم السلام في مدينة دون مدينة ، مهما تباعدت المسافات ، فلنتعاون جميعا على نشر العدل والحرية وكرامة الإنسان وثقافة التسامح ، ولنتكاتف جميعا ضد الاستبداد والقمع واستباحة الكرامة واستسهال الدم ، سواء من النظم الحاكمة المستبدة والظلامية أو من التنظيمات المعارضة المتطرفة والظلامية ، على حد سواء .