ازدادت في السنوات الأخيرة معدلات الطلاق بشكل ملحوظ، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى سوء الاختيار، والتركيز على معايير ومقاييس سطحية بعيدة كل البعد عن المعايير الحقيقية للاختيار الصحيح لتكوين أسرة صالحة متماسكة قوية البنيان.. فمن الشباب من يفوض أهله في اختيار شريكة العمر، إما لثقته فيهم وفي اختيارهم، أو لأنه غير قادر على التمييز بين النساء، فيختار الأهل له زوجة جيدة من الناحية النظرية، وفارغة من الناحية العملية، لأنهم ركزوا على الجانب الشكلي، ولم يبالوا بمسألة الطباع والعيوب والمميزات الشخصية، والاهتمامات المشتركة، والبعد الثقافي والفكري.. ومنهم من يرفض الزواج التقليدي، ويخوض تجارب عدة قبل الزواج بتكوين علاقات مع عدد من الإناث لاختيار من تسر نظره، ويهواها قلبه.. وبين هذا وذاك يقع العديد منهم في أسر الاختيار الخاطئ المدمر لحياتهم وحياة أبنائهم ثمرة هذا الزواج الذي أفسده وأفشله سوء الاختيار.. مما لا ريب فيه، أن مسألة اختيار شريكة العمر ليست بالهينة أو البسيطة، وإنما مسألة معقدة وتحتاج إلى تقوى من الراغب وذكاء، وتفكير، وتأنٍ، وحسن تقدير وتصرف، حتى يوفقه الله إلى زوجة صالحة صاحبة دين وخلق، تتقي الله فيه، وتعينه على أمور الدين والدنيا.. وحتى يتمكن كل راغب في الزواج من حسن اختيار شريكة عمره، عليه بما يلي: أولًا: تقوى الله، والاستقامة والبعد عن المحرمات، والمداومة على الاستغفار والدعاء، بأن يوفقك الله ويعينك على حسن اختيار زوجة صالحة طيبة، لتنعم معها بالسعادة، والاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي. ثانيًا: قبل أن تقدم على أي خطوة خاصة بالزواج، احرص على صلاة الاستخارة، وتفويض الأمر كله لله ثم استشر من تثق في دينه، وخلقه، ونصحه، وعقله، وتجربته، فقد قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.
ثالثًا: ابحث عمن تلائمك وتصلح لك، واجعل الدين والخلق في مقدمة المعايير التي ستختار على أساسها زوجتك، ولا تنس عند الاختيار أن المرأة الصالحة هي خير متاع لك - كما قال صلى الله عليه وسلم: "خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ". وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين؛ تربت يداك". فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكون أساس الاختيار هو: الدين، لأن المتدينة أرعى لحقوق الله تعالى، وحقوق الزوج والأبناء والبيت، وليس معنى هذا إغفال المعايير الأخرى من جمال وحسب، بدليل إرشاده صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها.
رابعًا: يمكنك أن توصي صالحات نساء أهلك بترشيح شريكة لحياتك، على أن تطلب منهن ألا يكترثن فقط بجمالها وأسرتها ومكانتها الاجتماعية، بل يحرصن على معرفة طباع واهتمامات الطرفين وما يحب كل منكما أو يكره والمواقف التي أثرت في حياتكما، ويتعرف على طريقة تفكيرها، وعاداتها، وشكل علاقتها بالآخرين - خاصة ذويها،. فإن قدِّمت لك عدة خيارات فاستخر الله تعالى، واختر أحدها، ثم حاول مقابلة من وقع اختيارك عليها، وانظر منها إلى ما يدعوك إلى نكاحها، ففي المسند، وسنن أبي داود عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها؛ فليفعل".. وفي المسند وسنن الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟" قلت: لا. قال: "انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما". ولك أن تنظر منها إلى وجهها وكفيها وقامتها وشكلها، ولك أن تتخاطب معها لتسبر عقلها، وتسمع منطقها، وتسألها عما تحب، وما لا تحب. ثم إن وجدت ما يرضيك، فاستعن بالله تعالى واستخر، واخطبها.
خامسًا: احرص على وجود التقارب والتكافؤ في النمط السلوكي والفكري والحياتي بين عائلتك وعائلة من ستختارها زوجة لك، فمن الخطأ الاعتقاد بأن الزواج بين فردين فقط، لأن الزواج يكون بين عائلتين وبيئتين، فالتجانس بين الجميع احد شروط الزواج الناجح، وخلاف ذلك سيكون زواجا غير مستقر تحيطه المشكلات والأزمات - حتى لو استمر أبد الدهر .