في الأول من نوفمبر الحالي تحدث الصديق الأستاذ أحمد الخطيب مدير التحرير السابق لصحيفة المصري اليوم ، عن أزمات تعصف بالمصري اليوم ، وكان واضحا أن هناك خلافا عميقا بين مجموعة من الصحفيين الذين أسسوا الصحيفة وقضوا فترات خصيبة من تاريخهم المهني فيها وبين إدارة الصحيفة الجديدة والتي ترأسها توفيق ، نجل صلاح دياب مالك الجريدة الأساس ، ووصلت الاتهامات بين الطرفين إلى مستويات بالغة العنف والقسوة ، ويوم 2 نوفمبر عممت رسالة بريدية ، وصلتني نسخة منها ، تنقل عن الخطيب إشارته لما أسماه حرفيا : (عودة الاتهامات السياسية للقائمين على الصحيفة ومنها التعامل مع السفارة الأمريكية ومحاولة لعب دور إعلامي له أجندة واضحة ضد الدولة المصرية) . لم تتوقف إنذارات زميلنا العزيز عند هذا الحد ، وهو الذي يملك جسور تواصل مع جهات نافذة في الدولة ، وإنما أضاف إليها قوله بالحرف الواحد : (الفترة القادمة ستشهد أزمة كبيرة ستتعرض لها مصالح صلاح دياب الاقتصادية بسبب سياسة تحرير الجريدة، التي يقوم على تنفيذها نجله توفيق دياب، والتي تعادي بشكل أساسي الرئاسة والجيش لصالح قطاعات وسفارات أجنبية ) . كان هذا الكلام قبل أربعة أيام من صدور قرارات مفاجئة من السيد المستشار نبيل صادق النائب العام بالتحفظ على أموال وممتلكات وشركات صلاح دياب ونجله توفيق وأزواجهم ، والذي صدر يوم 6 نوفمبر ، وأعقبه في اليوم التالي إلقاء القبض على الاثنين وتوجيه عدة تهم تشمل تبوير أراض وتحويل نشاطها وأيضا حيازة سلاح غير مسموح بترخيصه ، وهو الرشاش الآلي الذي قالت أجهزة الأمن بأنها ضبطت اثنين منهما في فيلا صلاح دياب ، كما ضبطت واحدا في فيلا نجله توفيق بالتجمع الخامس ، وحيازة الآلي تصنف جرائم أمن دولة وفق نص القانون . صلاح دياب لديه مشكلات حقيقية في موضوع الأراضي ، والتي جنى منها ثروة طائلة في عصر مبارك ، ومن حق الدولة بل من واجبها استرداد حقوق المال العام فيها ، بيد أن وضع دياب نسخة من وضع آخرين كثر ، مثل محمد أبو العينين وغيره ، وهذا ما جعل الانطباع السائد في مصر الآن أن ضربة صلاح دياب لها أيضا بعد سياسي وإعلامي ، ربما كان التركيز فيه على السياسات الجديدة التي اتجهت إليها صحيفة المصري اليوم ، والتي توسعت نسبيا في نشر المقالات الجريئة التي تنتقد سياسات الحكومة والرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه ، وعزز من تلك الفرضية ما قامت به الصحيفة بعد القبض على مالكها من إنهاء اتفاقها مع بعض الكتاب المعارضين ووعدها بإجراءات أخرى إضافية في هذا الإطار ، كما أكد دياب نفسه في تحقيقات النيابة أن الاتهامات كيدية وأن الحملة ضده لها خلفية سياسية من وجهة نظره . لكن ما أشار إليه الصديق أحمد الخطيب ، وأنا أثق في دقته في هذا الشأن ، بإشارة مختصرة وعابرة في "إنذاراته" من تجدد صلات صلاح دياب بسفارات أجنبية ، وخاصة السفارة الأمريكية وفق "أجندة واضحة ضد الدولة المصرية" ، حسب قوله ، يجعلني أتصور أن مسألة "صلاح دياب" هي أعقد من مجرد الغضب من الصحيفة ، وأن ثمة أبعادا أخرى ربما أخطر من المجال الإعلامي ، أو أن المجال الإعلامي هو مجرد بعد واحد فيها ، لأن مسألة الاتصال بسفارات أجنبية ، وخاصة السفارة الأمريكية ، في ظل ما يتسرب عن أفكار "غربية" لتصويب مسارات الدولة في مصر ، يعني أن "الاتهام" الحقيقي لصلاح دياب يقترب من "تهديد النظام" بالفعل ، ويمكن بسهولة رصد توافق الرؤى بين دياب وبين المهندس "نجيب ساويرس" الشريك الآخر في ملكية المصري اليوم ، والذي يتحرك الآن بهدوء وذكاء نحو أداء دور سياسي كبير في المرحلة المقبلة ، مستفيدا من القواعد التي "مرت" في دستور 2014 ، والتي تجعل من رئيس الوزراء رأسا ثانيا للسلطة في مصر ، بكل ما تعنيه الكلمة من صلاحيات ، بل يمكنه من خلال الهيمنة على حصة مؤثرة بالبرلمان أن يلغي ما يشاء من القوانين والتشريعات التي أصدرها السيسي ، بل ويهدد بسحب شرعية رئاسة السيسي نفسه إذا وصل الأمر إلى رفض التصديق على قانون انتخابات رئيس الجمهورية الذي نجح بموجبه السيسي ، لأن النص الدستوري يقول بإبطال القانون وما يترتب عليه من آثار إذا لم يعتمده البرلمان خلال خمسة عشر يوما من أول دور انعقاد ، وقد نجح ساويرس في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان من حصد قرابة خمسين مقعدا لحزبه "المصريين الأحرار" ، وفرصته جيدة في المرحلة الثانية لحصد حصة أكبر من تلك ، وهذا ما يجعله مؤهلا للعب هذا الدور إذا نجح في توظيف مبلغ صغير من المال لتحويل مائة نائب فقط من المستقلين إلى حزبه أو التنسيق الكامل معهم ، وهو ما يعني أيضا فرصته المحققة في تشكيل الحكومة الجديدة بعيدا عن اختيار السيسي ، باستثناء الوزارات السيادية الأربعة . ساويرس لم يتدخل مباشرة في أزمة صديقه صلاح دياب ، ولكن رجال ساويرس ومنابره دافعت عن الرجل ببسالة واضحة ، وهناك اعتقاد بأن رسالة ضربة صلاح دياب ، مقصود بها "ساويرس" نفسه بشكل أساس ، وتطورات تلك القضية وما يعقبها خلال الأسابيع المقبلة ستوضح إلى حد كبير مسار الأحداث ، وربما اختيارات الدولة السياسية في المرحلة المقبلة . الطريقة التي تم بها توقيف صلاح دياب خشنة بصورة غير مبررة للرأي العام ، كما أن شخصية الرجل ومكانته الاجتماعية والاقتصادية لا تحتاج إلى قوات خاصة ومدرعات وهجوم قرب الفجر وتصويره بالكلابشات ، كما لو كان زعيما إرهابيا ، وإذا كان هناك من يبعث رسالة بهذا المشهد ، فقد أرسلها في الوقت الخطأ ، لأنها أثارت ارتباكا كبيرا في وسط رجال المال والأعمال وهزت الثقة في المستقبل وجعلت أفكارهم تتجه نحو التفكير في "الانسحاب" "والنجاة" وليس المشاركة والعمل ، وهذا كل يضر بالسيسي نفسه ، لأنه رغم أخطاء هؤلاء ووجوب استعادة الدولة ما أخذوه بغير حق إلا أنهم عصب اقتصاده الآن ، وقد كان بإمكان السيسي أن يتخذ مثل تلك الخطوة قبل عام أو عامين وهو في عافية اقتصادية وسياسية وشعبية ، أما اليوم ، فهو أسوأ توقيت ، كما أنني أتصور أنه رغم المخاطر التي تشكلها تحركات "المجموعة" إلا أنها ربما كانت فرصة أن يصدرهم السيسي للمسئولية ، "ويشيلوا الشيلة" ، بضوابط وتوافقات ، فإن نجحوا فقد ربح هو نفسه معهم ، وإن فشلوا يكون قد حرق "السيناريو" البديل ، .. والله أعلم .