وإن مت فانعنى بما أنا أهله ولا تجعلينى كامرئ ليس همه كهمى ولا يغنى غنائى ومشهدى من معلقة طرفة بن العبد هذا هو كامل توفيق دياب ... - رجل استثنائى، جرت في عروقه دماء من أب استثنائى، توفيق دياب، دماء تعطى الحياة معناها الشريف، وتهب الأيام معنى الرسالة الإنسانية ... هذه كلمات أبيه، تقود خطاه في دروب الزمان، تسعة عقود أو يزيد- «حب النجاح غريزة في الفطرة، لكن نجاح الأشراف يجب أن يكون صريحا شريفا، وإن من الإخفاق ما يكون توءما للبطولة، وإن من النجاح ما يكون توءما للجريمة ....». هذه هي خلاصة حياة توفيق دياب، هذه هي الثروة التي تركها حتى آلت إلى ولده كامل توفيق دياب .... - لم يكن أمام كامل توفيق دياب إلا أن يحلم ويطمح، ثم يسعى ويكدح، حتى يدرك النجاح من كل سبيل، وينال الشرف من كل طريق. وعى عن أبيه أن «الأشراف» أناس يلزمون هدى الأنبياء، وليسوا أناسا يحملون شهادة تثبت اتصال نسبهم بالأنبياء، وأن «الشرف» رسالة الإنسان على هذه الأرض، مهما يكن الموقع الذي يشغله. - هذا هو توفيق دياب يتحدث، وهذا هو كامل توفيق دياب يصغى حتى يسمع، ويسمع حتى يعى، ويعى حتى يحفظ ... «لكل إنسان رسالة تشبه رسالة الأنبياء والمرسلين، عليه القيام بواجباتها مقرونا بنفحة روحية، تكسب العمل مزيدا من الأثمار والبركة، ومقرونا بنسيان الذات قدر الاستطاعة، حين يتعلق الأمر بخير الجماعة...». نعم: خير الجماعة، وهذه الجماعة هي الوطن. هذه كلمات الأب «إن من يقف أموالاً على متاع نفسه، لا يعرف الحياة، لأنه لا يعرف الوطن ...». - الأب توفيق دياب حلق في السماء، سماء الخطابة والسياسة والصحافة والأدب، الابن كامل اختار أن يعانق الأرض الطيبة، اختار سر الوجود المصرى، اختار الزراعة كأنه ذهب إلى «الحياة» في أصل وجودها، وذهب إلى «الوطن» في سر خلوده فوفاهما معا، وخدمهما معا، وعاش حياته الحافلة رائدا من رواد الزراعة المصرية، وعاش أيامه عابدا في محراب الوطنية المصرية. قصة حياة حافلة، مضمونها الجهاد بمعناه الجميل الذي ورثه عن أبيه، الجهاد الذي أحيا أبوه شعائره على خير ما يكون الجهاد النبيل، حتى جعله شعار صحيفته التي مثلت واحدة من أروع مدارس الوطنية المصرية المعاصرة، فلم تكن مجرد تجربة صحفية، وإنما كانت مدرسة في التجديد السياسى، وفى البعث الوطنى، وفى التحديث الفكرى، وفى تأسيس منظومة أخلاقية معاصرة. بهذه الروح، وقف الابن كامل توفيق دياب مسيرة حياته، على قيادة نهضة زراعية مصرية، بدأها في القطاع العام، حيث أسندت إليه الدولة قيادة شركة الوادى للحاصلات الزراعية، حيث ارتفع بصادراتها لخمسمائة ألف طن في الموسم الزراعى الواحد، حتى تمكن من فتح أسواق عالمية واسعة ترحب بالموالح المصرية فتوسعت زراعتها بطفرات غير مسبوقة. ولما انتقل إلى القطاع الخاص، قاد المساعى الإبداعية للخروج بالزراعة المصرية من طور التقليد إلى طور الإبداع، فلم تكن مصر تعرف أنواعاً من الفاكهة القابلة للتصدير غير بعض أصناف الموالح. فاتجه كامل دياب إلى إنشاء معمل للزراعة بالأنسجة وجعل مقره في برقاش، حيث توصل إلى سلالات صالحة للزراعة في مصر لإكثار تلك السلالات الصالحة للزراعة والتصدير في الأجواء المصرية. - كامل دياب، هو رائد الزراعة الصحراوية في مصر، حتى زراعة الموز، فهو الذي أدخل سلالة وليمايز التي تملأ الأسواق المصرية بنجاح. - كامل دياب، وضع الزراعة المصرية على خارطة الاقتصاد التصديرى، فقد أدخل زراعة الفراولة، وأصبحت مصر الدولة الرابعة في العالم في إنتاج الفراولة. - وأدخل عدة سلالات من العنب القابل للتصدير، وكانت سلالات العنب المصرى- قبله- من النوع ذى الغلاف الرقيق جدا، وكان سريع العطب، لا يحتمل التصدير. - كامل دياب اعتمد في كل زراعاته على الرى المرشد، وألغى استخدامه تماماً للرى بالغمر فوفر بذلك 90٪ من المياه المستخدمة في الرى، وطبق ذلك في مزارعه القديمة في أبوحمص. - كامل دياب، رفع عوائد التصدير الزراعى إلى نصف الحصيلة السنوية لقناة السويس. - كامل دياب، مجاهد الزراعة المصرية البار، ومهندسها الأكبر، ومؤسس الزراعة التصديرية وفاتح أسواقها الواسعة في العالم، عاش في صمت، وفى زهد، ومن وراء حجاب الشهرة والظهور، لم ينتظر وساما، ولم ينتظر شكرا، قدم سلة الفواكه، والمزروعات المصرية إلى العالم، وقد ترك تراثا نافعا، كان يلخصه في كلمة واحدة: نزرع ما يمكن تصديره، بدل أن نزرع ثم نفكر في التصدير. يكفيه أنه مجدد الزراعة المصرية وباعث نهضتها المعاصرة .... ! «كامل توفيق دياب، لسنا نقول وداعا، وإنما نقول مقالة الصديقين: طبت حيا، وطبت ميتا، طاب في الدنيا مسعاك، وطاب في الجنة مستقرك ومأواك ....». الحزن يخيّم على «سنهوت» بالشرقية في وداع ابنها الراحل بعض أهالي القرية والحزن يكسو وجوههم خيم الحزن على قرية سنهوت بمركز منيا القمح في محافظة الشرقية، مسقط رأس الراحل المهندس كامل توفيق دياب، فور علمهم بخبر بوفاته، أمس الأول، وحرص أهالى القرية على مواساة أقاربه والدعاء له بالرحمة، حزناً عليه ووفاءً لما قدمه من أعمال خيرية والمساهمة في بناء المدارس بالقرية. وأثنى أهالى القرية على الفقيد، وأشادوا بما قدمه من أعمال ومساعدات. بالمزيد كامل توفيق دياب.. وداعاً أحد المساجد التي بناها كامل دياب خير خلف لخير سلف، فقد بدأت مسيرة التحدى والنضال من الجد الأكبر، الذي كان ضابطا في جيش عرابى، ورغم تبعيته للخديو فإنه وقف في خندق الشعب والوطن بدعمه للثورة العرابية، ثم جاء الابن على شاكلة الأب مناضلا وطنيا وقف حياته ووقته وجهده وماله على الصحافة كمنبر وطنى يذود عن الشعب والوطن، ودفع الثمن من حريته، ذلكم هو توفيق دياب مؤسس مجموعة من الصحف، والتى كان أشهرها «الضياء والجهاد»، التي اختار اسمها تيمنا بعيد الجهاد، وعمل بالجهاد قولا وكتابة ومواقف، وواجه أعتى وزارتين في تاريخ السياسة المصرية، وهما وزارتا ثعلب السياسة المصرية إسماعيل صدقى باشا، ووزارة اليد الحديدية لمحمد محمود باشا، وكان من أكثر الصحفيين الذين تعرضوا لقمع السلطة، ودفع ضريبة الرأى الوطنى الحر، ثم كانت الحلقة الثالثة في هذا التاريخ الحافل الممتد من الجد إلى الحفيد وهو كامل توفيق دياب، الذي تأسست «المصرى اليوم» بدعمه وماله ومباركته مع وطنيين آخرين وبمبادرة وجهد ومتابعة ورعاية من المهندس صلاح دياب، الذي كابد في الإدلاء بكلمة عن الراحل. لقد فاجأنا كامل توفيق دياب برحيله ليلحق بالجد والأب والابن. بالمزيد الراحل يونان لبيب رزق: صاحب الفضل في ظهور كتاب «المتمرد النبيل» صورة أرشيفية للمؤرخ والباحث يونان لبيب رزق. «شاهد حى على كثير من الأحداث التي مرت على حياة أبيه محمد توفيق دياب والتى ليس غيره وحده من يعرف هذه المعلومات»، هكذا قال عنه الدكتور يونان لبيب رزق في مقدمة كتابه «المتمرد النبيل.. توفيق دياب». وقال، في مقدمة كتابه، إن الفضل في المعلومات النادرة والصور والوثائق والمقالات يرجع لكامل توفيق دياب وقال إنه كان يحتفظ بمادة علمية قيمة من الصحف والمقالات وسائر الكتابات التي تناولت حياة توفيق دياب والتى استكملها بتكليف بعض الباحثين بتصوير ما اتصل بكتابات صاحب الترجمة، سواء في دار الكتب أو في غيرها من دور الحفظ. ووجه الدكتور يونان الشكر للدكتور كامل دياب على كل ما أمده له طوال إنجاز كتاب «المتمرد النبيل» عن توفيق دياب. بالمزيد