من يعتقد ان طارق عامر محافظ البنك المركزي الجديد معه المفاتيح السحرية لمواجهة صعود الدولار وانقاذ الجنيه فانه حالم او واهم، لان المشكلة مرتبطة بجهات متعددة ومتشعبة من بينها البنك المركزي ..الى جانب وزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية وجمعيات رجال العمال والمصدرين والمستوردين ...وأقصى ما يمكن ان يفعله المحافظ الجديد هو تثبيت سعر صرف الدولار أمام الجنيه وتشديد الراقبة على البنوك وشركات الصرافة لاضعاف السوق السوداء ... لكن كل هذا حلول مؤقتة ومسكنات لمرض يعاني منه الاقتصاد المصري منذ اكثر من ثلاثة عقود . ولعبة القط والفأر بين الجنيه والدولار أصبحت لعبة غثة ومستفزة ، المتربح الوحيد منها رجال الاعمال المستوردين و تجار العملة الصعبة والخاسر هو الوطن واقتصاده في ظل فشل حكومي في التعامل مع تلك الأزمة طوال اكثر من 30 عاما ، والادلة على ذلك كثيرة ، اولا - معظم الحلول التي كان يتم اللجوء اليها في الماضي هي تثبيت سعر الصرف وضخ دولارات في البنوك وشركات الصرافة لينخفض سعر الدولار ويتوافر للمستوردين الذين يشفطون ما تم ضخه لاستيراد سلع استهلاكية وتعود البلد الى الأزمة من جديد ويرتفع الدولار بصورة اكبر وينهار الجنيه مرة اخرى!
ثانيا -تراجع الانتاج الصناعي والزراعي الموجه للتصدير مع خصخصة الشركات العامة الناجحة وإغلاق العديد من المصانع أدى الى تراجع حجم الصادرات وبالتالي تراجع حصيلة الدولة من الدولار . ومن المعلوم في الاقتصاد انه لا يمكن لأي دولة في العالم إنقاذ عملتها المحلية ومواجهة ارتفاع سعر الدولار الا بشيء واحد ووحيد وهو زيادة الصادرات يعني زيادة الانتاج والصناعة المحلية الموجهة للتصدير لان زيادة الصادرات تؤدي الى زيادة ايرادات البلد من الدولار ومن العملات الأجنبية الاخرى. كما يجب مواجهة استيراد السلع الترفيهية والاستهلاكية الاستفزازية من الخارج مثل الزهور والآيس كريم والسلع الكمالية غير الضرورية والتي لها بديل محلي لان الاستيراد بدون حساب يؤدي الى سحب الدولارات من البنوك والصرافة والسوق السوداء فيرتفع سعر الدولار ، واذا حدث ذلك مع تراجع للصادرات فان الامر يتحول الى ذبح للجنيه و انهيار للاقتصاد!
ثالثا -هناك من محافظي البنك المركزي من كان يسعى الى تحقيق مجد شخصي وخديعة رئيس الدولة والشعب فيلجأ لحلول مؤقتة كما قلنا مثل تثبيت سعر الصرف و ضخ دولارات في البنوك لتوفيره للمستوردين لكن بعد اشهر تنكشف اللعبة عند اختفاء آخر دولار من الكمية التي تم ضخها لان المستوردين سحبوا معظم الكمية .. وفي ذات الوقت لم تدخل دولارات جديدة الى البلد لان التصدير ضعيف وحصيلته من الدولارات غير كافية .. يعني الدولار بيطلع من مصر ولا يعود !
رابعا - الحكومات في السابق وحاليا كانت تواجه ازمة الدولار احيانا بالاقتراض من الخارج من المنظمات الدولية او الدول الصديقة او الحصول على منح او ودائع في البنك المركزي .. لكن هذا الحل يحقق ايضا مجدا شخصيا مؤقتا لكل رئيس او حكومة بمنع انهيار الجنيه وإجبار سعر الدولار على التراجع قليلا... لكن سرعان ما تظهر الحقائق فما دخل مصر من دولارات هي ديون تضاف الى الدين الأجنبي وهو بعشرات المليارت من العملة الصعبة و ايضا للاسف يتم توجيه معظم القروض الأجنبية لأنشطة استهلاكية غير صناعية وغير منتجة ... كما ان الودائع الدولارية تعود للدول التي سلمتها إلينا بعد انتهاء مدة الوديعة ... يعني اللي بيدخل مصر من الدولار بيخرج تاني وأكثر بكثير ...
هذه هي مصيبة الاقتصاد المصري دائماً والتي يجب إيجاد حل لها وهو التصدير يعني الصناعة يعني الانتاج يعني الكل سلطة وحكومة ومعارضة ورجال اعمال وموظفين يتقوا الله في البلد ويشتغلوا والحرامية يبطلوا سرقة ونهب في خيرات وثروات واموال الشعب المصري ..