يوم الجمعة الماضي أوردت «رويترز» على لسان مسؤوولين سوريين أن سيارتين مفخختين انفجرتا في أحد أحياء جنوب غرب العاصمة دمشق و استهدفتا - وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام سورية - بنايتين أمنيتين، إحداهما لإدارة أمن الدولة والثانية لأحد الأفرع الأمنية، والحصيلة حسب المتحدث باسم وزارة الداخلية 44 قتيل 166 جريح. وإذا صَحَّ ما جاء في تقاريرٍ لوكالات الأنباء من أن الانفجارين لم يفصل بين وقوعهما سوى أقل من دقيقة، فإن هذا يؤشر إلى درجة عالية من التنسيق في الهجوم. وبشكلٍ مباشر وسريع نسبت كل من وكالة الأنباء السورية والتلفزيون الرسمي فضلًا عن تلفزيون المنار التابع ل«حزب الله» هذه التفجيرات لتنظيم القاعدة. من خلال صور الفيديو التي عرضها التلفزيون الرسمي لا يمكن التأكد من أن البنايات التي ظهرت مدمرة هي فعلًا بنايات حكوميَّة. ولكن إذا كانت من ملاحظة فهي أن الأضرار التي حاقت بهذه البنايات تظهر أن إحدى العبوتين المتفجرتين على الأقل كانت ذات قدرة تدميرية عالية. حتى الآن لم تُعْلَم هويَّة منفذي الهجمات، على الرغم من إعلان السلطات السورية بعد أقل من ساعة أن الهجوم يحمل بصمات القاعدة. إلا أن زعم أن الهجوميين نفَّذهما شخصين انتحاريين قد يدفع البعض فعلًا إلى ترجيح أن الفاعل هو إحدى الجماعات «الجهادية»؛ ومن ثم - وعلى غرار مايحدث دائمًا – تتم بالتالي الإشارة إلى تنظيم القاعدة. إلا أن هذه العمليات «الانتحارية» غالبًا ما وقعت في بلدانٍ ترزح تحت الاحتلال كأفغانستان والعراق، ما يجعل الطبيعة «الانتحارية» للعملية في الحالة السورية ليست عاملًا أساسيًّا في تحديد هوية المنفذ. هذا فضلًا عن أن الشكوك مازالت تحوم أصلًا حول ما إذا كان من قام فعلاً بالعملية انتحاريون. المعارضة السورية في الداخل والخارج نسبت إلى النظام السوري القيام بهذه العملية؛ لتشويه المعارضة وتصويرهم على أنهم إرهابيين. والواقع أن عملًا مماثلًا كان قد وقع عام 2006 على السفارة الأميركية في دمشق، وأظهر النظام نفسه حينها على أنه يواجه تهديدًا إرهابيًّا. هناك عدد من من المجموعات «الجهادية» تنشط في منطقة الشام، بعضهم أنشأته المخابرات السورية نفسها. وبالتالي فليس مستبعدًا أن يكون النظام السوري قد نسَّق الهجوم ليصوَّر نفسه كضحية للإرهاب في خضم فترة سياسية حرجة بالنسبة له. هذا مع العلم أن مثل هذه العمليات قد تلحق ضررًا بسمعة الأجهزة الأمنية الموالية للنظام، وتظهرها ضعيفة وقاصرة. من المهم الانتباه هنا إلى أن حربًا إعلاميَّة تدور رحاها الآن في سوريا؛ فالنظام السوري يسعى لرسم صورة للمحتجين والمناهضين لحكمه على أنهم إرهابيون ومتطرفون؛ لتبرير قمعه لهم، وتفادي أي محاولة للتدخل الخارجي العسكري في البلاد. وبالفعل فإن السعي إلى التأثير على تصورات لدى الأطراف الدولية والعربية للأزمة السورية (التفجير جاء بعد يوم من وصل وفد الجامعة العربية إلى دمشق لمراقبة الحكومة السورية) يعدُّ أمرًا حيويًّا لكل من المعارضة السورية والنظام الحاكم في صراعهما.