الواضح أن المفاوضات بين الترويكا الأوروبية (ألمانيا، بريطانيا و فرنسا) من جهة و بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية، وصلت إلى طريق مسدود؛ فالأوروبيون بناء على تصريحات محمد البرادعي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، تقدموا بتصورات تجاوز خطوط معاهدة حظر الانتشار، أما الإيرانيون فهم يتهمون هؤلاء بأنهم باتوا يعتمدون وجهة نظر كل من واشنطن و تل أبيب في تعاملهم مع طهران قبل أن تقوم هذه الأخيرة في 11 من شهر يناير الحالي بنزع الأختام عن مفاعلها لتخصيب اليورانيوم في نانتيز، و استئناف الأبحاث النووية في منشآتها . هذه الأيام تعرف معظم المنابر الإعلامية في الغرب كتابات يمكننا إدراجها ضمن خانة “الحملة الدعائية” ضد إيران، مثلما أننا نستطيع من غير عناء كبير، أن نقارنها بتلك الحملة التي سبقت إعلان الحرب الأمريكية على العراق بنحو ثلاث سنوات من الآن، ففي مقدورنا أن نلحظ أن نفس طرق الاستدلال التي استعملت في هذه الأخيرة، يُعاد توظيفها حالياً مع طهران، كتلك التي تؤكد على أن نظام “الملالي” يسعى إلى امتلاك أسلحة ذات قدرات تدميرية شاملة، على الرغم من تأكيدات المرشد الأعلى في طهران -و لمرات كثيرة- أن الأبحاث الإيرانية ذات غايات سلمية في مقابل حملات أخرى تسعى إلى التأكيد على وجود علاقات وثيقة بين “الإرهاب العالمي” ممثلاً في تنظيم القاعدة على وجه خاص و بين نظام الجمهورية الإسلامية. فالمقاربات الإعلامية -في معظمها- لا تتحفظ عن التصريح أو التلميح على الأقل، بأن الغرب بات مهدداً بالخطر النووي حتى و إن لاحظنا أن شيئا كهذا يستحيل توقعه بالنظر إلى استحالة لجوء الإيرانيين إلى استعمال سلاح من هذا الحجم -حتى و لو امتلكوه- لأن هذا يعني حكمهم على أنفسهم بالزوال. ينبغي أيضاً التأكيد على أن إيران -حتى و لو كانت تمتلك طموحات من هذا النوع- فهي أيضا غير قادرة من الجانب التقني على الأقل، من أن تحقق ذلك قبل عشر سنوات على رأي الخبراء، ثم إن هنالك وجه شبه غريب جداً يضاهي الحالة العراقية أيضاً، و هو ذلك المتعلق بالموقف من المؤسسات الدولية الرافضة لطريقة التعامل الغربية مع إيران؛ إذ صارت مهمشة، و يجري تحييد صوتها تماماً كما كانت عليه حالتها مع العراقيين. إلا أن الأمانة تقتضي منا الاعتراف بوجود فرق جوهري بين اللغة المعتمدة في الحالة الراهنة، و بين تلك التي سبقت غزو العراق، و مكمن هذا الفرق أن احتمال العمل العسكري هذه المرة لا يُطرح بشكل كبير. فعلى الرغم من أن الحملة الإعلامية لا تدخر جهداً في سبيل إلصاق كل نعوت “الشر” بالجانب الإيراني إلا أن أكثر المحافظين الجدد تطرفاً لم يبلغوا بعد طرح خيار الحرب بشكل واضح و جدي. في فرنسا، تشن الصحيفة المحافظة (لوفيغارو) التي تملكها مجموعة (داسولت) كبرى مؤسسات صناعة معدات الطائرات، منذ أسابيع عديدة “حرباً” تسعى من خلالها إلى الإعداد النفسي لقرائها ضد الجمهورية الإسلامية؛ فالجريدة كانت قد اعتبرت غداة إعلان طهران استئناف أبحاثها النووية بأن هذه الأخيرة قد بلغت نقطة “اللارجوع”، ثم عملت جاهدة على إقناع الرأي العام الفرنسي بأن روسيا نفسها، و التي هي حليف استراتيجي للنظام الإيراني، باتت معارضة لسياسة حليفتها، لتواصل على هذا الخط العدائي الصريح من خلال نشرها مقالين كتبهما النواب الأطلسيون في حزب وزير الداخلية نيكولا ساركوزي الذي يحظى بالأغلبية حالياً في الجمعية الوطنية بفرنسا، و التي بلغت درجة المقارنة بين محمود أحمدي نجاد و أدولف هتلر. المقال الأول كتبه النائب عن العاصمة باريس و رئيس لجنة شؤون الناتو في البرلمان الفرنسي (بيير لولوش) برفقة ثلاثة عشر عن ذات كتلة الأغلبية الرئاسية التي ينتمي إليها، و لقد جاء المقال الذي نستطيع أن نصفه بالبيان تحت عنوان “لماذا يتعين علينا التعجيل بالرد على التحدي الإيراني؟” حاول فيه واضعوه حشد ما أسموه “بالارتباطات” الأيديولوجية التي تجمع بين نجاد وهيتلر وهذه بداية، طريقة تقليدية في التعامل مع “الأعداء” لدى اليمين في أوروبا فذات الاستدلال اعتمد أيضاً قبل حرب الخليج في 1991 ثم قبيل الحرب على العراق، مع شخص صدام حسين ثم إن الترويع من هذا الرئيس الإيراني بلغ مداه حينما قال الموقّعون: إن هذا الأخير لن يتردد في تزويد “الإرهابيين” بالسلاح النووي خصوصا حزب الله اللبناني، بما أن هذا الأخير صار يقف مباشرة في الخط المعارض لسياسات الإيليزيه مع لبنان في الوقت الحالي، مما يعني أن المقال ليس له من دوافع غير العمل على تحضير الرأي العام الفرنسي على الأقل إلى احتمال أن تلجأ فرنسا إلى التحرك خارج إطار الهيئة الأممية مثلما فعلت أمريكا مع العراق خصوصاً، و أن لهذا الاحتمال ما يرجحه إذا ما تذكرنا التصريحات الأخيرة للرئيس شيراك التي أكد فيها استعداد فرنسا لاستعمال أسلحة غير تقليدية لو أنها تعرضت لأي هجوم إرهابي من غير الحاجة إلى أن نقول: إن “تدبير” هجوم من هذا النوع في قواميس الاستخبارات “مهمة صبيانية”. المقال الثاني الذي أوردته (لوفيغارو) في ذات اليوم الذي صدر فيه المقال الأول (12 يناير) كتبه نائب باريسي آخر عن ذات الحزب أيضاً، و هو المسمى (برنار دوبري) شقيق رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية و الطبيب الخاص للرئيس السابق فرانسوا ميتران تحت عنوان “لا مناص من محاصرة نظام الآيات في طهران” تحدث فيه “صدفة”، عن الشبه الكبير بين هتلر و الرئيس الإيراني قائلاً: “حينما كتب هتلر “كفاحي” كان كل العالم غير مكترث، و لم يكن غير تشرشل وحده مدركا لحقيقة ما تخبئه الأيام القادمة” و يضيف: “إن إيران حالياً هي تحت سلطة نظام يشرف عليه أشخاص دمويون، شموليون و خطرون يسعون إلى امتلاك السلاح النووي، و في مقدمتهم رجل يريد أن يمحو إسرائيل من الخارطة، أو أن ينقلها إلى أوروبا، ثم إن قيادة النظام الإيراني لا تقوم في الواقع بخدمة شعبها، و إنما هي تخدم أيديولوجيتها”. قبل أن يختتم هذا السيل من “التحليلات” بدفاع عن دولة الكيان الإسرائيلي، الذي لاشك في أن له مقابلاً مادياً سخياً تقدمه له اللوبيات اليهودية هناك بقوله: “لقد دقت ساعة نهاية الجهود الدبلوماسية، و المجال الجيوسياسي آخذ في الانحسار لصالح الإسلام المتشدد المتوسع و العابر للأوطان، و على الرغم من أن هذا لا يعني أن خيار الحرب صار لازماً. إلا أنه يؤكد لنا أن الوقت يستلزم منا أن نبدي مزيداً من الصرامة”. في الجهة المقابلة من الأطلسي فإن المتصهين (دانييل بايبس)، المنظر الديني، مدير المعهد الأمريكي للسلام، و الذي لم يخف يوماً عداءه الصريح للإسلام، كتب مقالاً نشرته كل من صحيفتي (نيويورك صان) في العاشر من الشهر الحالي ثم أعادت الصحيفة الإسرائيلية (جيروزاليم بوست) نشره في اليوم الموالي تحت عنوان “المهمة و التصوف” كان من أبرز ما ميزه هو إعادة تركيبه الاستدلالات التي صاغها من قبله الصحفي ذائع الصيت (كينيث تيمرمان) صاحب الكتاب الذي حقق أعلى المبيعات في الولاياتالمتحدة في العام الماضي “بداية العد التنازلي للمواجهة مع إيران” و أضاف عليها قناعته بأن الرئيس الإيراني ينطلق من إيمانه بأن “نهاية العالم” باتت وشيكة ليضيف: “لقد ظهر بفضل الرئيس نجاد مصطلح جديد في عالم السياسة هو “المهدوية” و هذا مصطلح طائفي يؤمن به الشيعة الذين يؤمنون بالمهدي الذي يقولون: إنه سوف يعود ليحكم قبل نهاية العالم، فكيف يمكن لنا أن نتفاوض مع رجل و نظام يؤمن رجالاته أنهم يقفون في الموضع الصحيح مع الرب، و أن القيامة باتت على الأبواب؟” قبل أن يواصل بالقول: “إن ما يقوم به أحمدي نجاد من سعي نحو امتلاك السلاح النووي و معاداة إسرائيل و أمريكا لا يدخل إلا ضمن قناعاته بأنه يعمل في سبيل تهيئة الظروف لعودة الإمام المهدي. إن للمهدوية علاقة وثيقة في المواجهات بين إيران و الولاياتالمتحدة”. مختتماً مقاله بمصادفة أخرى جديدة: “إن أخطر الزعماء عبر التاريخ مثلما هي حالة هتلر، كانوا ينطلقون من قناعات شمولية و عقائد صوفية باطنية في سبيل تحقيق مهماتهم. إن هاتين الصفتين بالضبط متوفرتان في نجاد”. محاولات الأقلام الغربية الربط بين الإسلام و النازية في الواقع لا تستند إلى أي أرضيات صلبة تحدد ارتباطاً أيديولوجياً دقيقاً بالمعنى العلمي للكلمة إلا أنها على ذلك، صارت تتردد كثيراً في الأيام الأخيرة؛ فهي لا تتحفظ مثلاً في اعتبار الإسلام “الشمولية الثالثة” بعد النازية و الستالينية ثم العمل بعدها على تعداد مزايا قيم العدالة و الحرية التي يتيحها المعسكر “الديمقراطي” بقيادة الولاياتالمتحدة. فالربط بين الإسلام و النازية مثلاً يظهر بشكل واضح من خلال استعمال مصطلحات حديثة كمصطلح “الفاشية الإسلامية” الذي أبدعه منسق الصقور في واشنطن، (فرانك غافني) ليأخذه عنه فيما بعد فيلسوف الإعلام كما يسمى في فرنسا: (برنارد هنري ليفي) و تتمحور عادة في الربط بين الفاشية و تهمة معاداة السامية التي باتت مشجباً تعلق فوقه كل الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل مهما كانت صدقيتها و موضوعيتها. في هذا الإطار يمكننا إدراج ما كتبه نائب وزير العدل في كولومبيا سابقاً: (رفائيل نيتو لاوايزا) على صفحات جريدة (أل تييمبو) بعنوان: “الخطر الإيراني” و الذي أورد فيه: “إن قرار إيران استئناف أنشطتها النووية هو صفعة لكل الدبلوماسيين الفرنسيين، والبريطانيين و الألمان، و هذه الخطوة خطيرة و لا تعني سوى أن نظام طهران ليس مستعداً لأن يرضخ للضغوط الدولية” قبل أن يبادر بدوره هو الآخر إلى الربط بين الطموحات الإيرانية و تهمة “معاداة السامية”؛ لأن هذه الأخيرة هي الخطر الذي يتهدد اليهود بحسب قوله: “إن إسرائيل -على وجه الخصوص- قلقة من هذه التصريحات التي تلغي حقها في الوجود من خلال رغبة نجاد في محوها من الخارطة. إن الخطر الذي يتهدد اليهود حقيقي، ثم إنه شائن أيضاً بدرجة تضاهي التصريحات المعادية للسامية التي تفوه بها هوغو تشافيز، صديق نجاد”. أما رئيس تحرير أسبوعية (ويكلي ستاندراد) (ويليام كريستول) الذي يشغل في ذات الوقت منصب مدير ما يُسمى “مشروع القرن الأمريكي الجديد” فيمكننا أن نلحظ فيه واقع الخلافات التي تعرفها نخب الفكر في واشنطن حول كيفيات التعامل مع الإيرانيين. الأسبوعية هذه، و التي نستطيع أن نعتبرها المرجع العام لكل باحث عن جديد أفكار المحافظين الجدد في أمريكا، أوردت مقالاً بقلم رئيس تحريرها تحت عنوان :”و الآن إيران” لخّص فيه الاختلافات التي قد تعترض التوحد في التعامل مع “التهديد” الإيراني بين من يشجعون على مواصلة التفاوض و التلميح في ذات الوقت بالسلاح النووي كرادع للطرف الإيراني، و بين أولئك الذين يناصرون فكرة تشجيع الإسرائيليين على التحرك من جانبهم، ثم إن المحرر لم يخف تأكيده على ضرورة دعم المعارضة “الديموقراطية” الإيرانية بهدف قلب نظام الحكم في طهران: “إننا ندعم جهود المعارضين الديمقراطيين للنظام الإيراني مثلما أنه يتعين علينا أن نطور حضورنا الاستخباراتي هناك. حري بنا أن نترك فكرة الخيار العسكري واردة” ثم يضيف: “لسوء الحظ و على الرغم من الاحتجاجات المتداولة ضد البرنامج النووي الإيراني لا يزال البعض يعتقدون أنه قد يكون في مقدورنا التعايش مع “إيران نووية” مثلما كان في استطاعتنا التعايش مع الاتحاد السوفييتي سابقاً. إننا لا نتفق مع هذا الطرح؛ لأننا سوف نسجل انتشاراً نوويا لو أن إيران أضحت تملك هذا السلاح، مما يعني أن الآمال في أن نعرف “شرق أوسط ليبرالي” ستصير لاغية. يتعين علينا أن نبدي موقفاً أكثر صرامة من الحالي”. المصدر : الاسلام اليوم