«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عولمة العدالة : الطاقة النووية نموذجاً
نشر في المصريون يوم 14 - 03 - 2006

منذ عدة أشهر، تحرص كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب فرنسا (أعضاء دائمون بمجلس الأمن) بالارتكاز على مجهودات كبيرة تقدمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على إعادة تنشيط معاهدة عدم الانتشار النووي التي خرجت إلى النور في العام 1968، و التي تعني باختصار شديد، رغبة الدول الكبرى في أن يكون العالم منقسماً إلى معسكرين اثنين: معسكر نووي و آخر محرّم عليه أي طموح من هذا النوع. لقد سمحت الحملات الإعلامية و السياسية الكبيرة و غير المتسامحة، التي خاضتها هذه الدول منذ عقود بأن يُفرض على عدد كبير من البلدان القبول بهذا الواقع و الالتزام به ، بمعنى أنه يُحرّم على باقي الدول التفكير في الاستفادة، بأي شكل من الأشكال، من هذا النوع من الطاقة التي يمنحها اليورانيوم المخصب؛ لأن هذا الأخير يتيح فرصة تصنيع القنبلة النووية، و بالتالي فإن بلداً كالجزائر مثلاً، التي رفضت التوقيع على نص المعاهدة سالفة الذكر لمدة (25) سنة كاملة ، بحجة حرصها على الاتفاق بأن يكون الحوض المتوسطي بكامله خالياً من أسلحة من هذا النوع، في إشارة واضحة إلى دولة الكيان الصهيوني، إلا أنها و أثناء سنوات الاقتتال الداخلي الذي عاشته في العقد الأخير وجدت نفسها وجها لوجه في مقابل حملة غربية تتحدث عن وجود طموحات نووية لديها، فاضطرت إلى الإمضاء تحت وطأة التصعيد. و لكن موقفاً كهذا لم يكن متوقعا يوماً من قادة "إسرائيل " و التي لا تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة غير التقليدية التي في مقدورها أن تدمر كوكب الأرض بكامله فحسب، و لكنها تتمكن على الرغم من ذلك من مخادعة الرأي العام العالمي، و تدير ظهرها لتوصيات المؤسسات الدولية من غير أن يشجب أحد مثل هذا الواقع، فضلاً عن أنه يغرق العالم الإسلامي كله في حالة من الحيرة و الذهول و الهلع أيضاً. تذكير لا مناص منه: القنبلة النووية في الواقع هي المرادف اللغوي لكلمات على وزن القوة و القدرة و العصمة و الرعب بالنسبة للضحايا، و حري بنا أن نعرف أنه و منذ بداية القرن الماضي، كانت آلية الانشطار الذري الشغل الشاغل لعدد كبير من العلماء، فكمية الحرارة المنبعثة من وقوع انشطار وحيد هي في الحقيقة مذهلة؛ فهي تماثل عشرة آلاف ضعف أي احتراق تقليدي آخر، و يعود الفضل في كيفية التوصل إلى التحكم في سلسلة الانشطار الذري إلى العالم الفيزيائي الإيطالي (إنريكو فيرمي) في 2 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1942. لقد كان ذلك الاكتشاف يعني لأول مرة في التاريخ البشري قدرة الإنسان على التحكم في الطاقات الهائلة. إلا أن البدء الفعلي في الاستعمال السلمي لهذه الطاقة لم يقع إلا في العام 1973 بمناسبة أزمة النفط الشهيرة حين بُدئ في العمل على إقامة مفاعلات نووية لغرض إنتاج الطاقة الكهربائية، و التي يفوق عددها اليوم (450) مفاعلاً تمتلك الولايات المتحدة نصيب الأسد منها (120) وحدة تليها فرنسا (59) التي تنتج ثلاثة أرباع احتياجاتها الكهربائية بهذه الطريقة. الاستعمال الآخر للطاقة النووية يكمن في القيام بتحرير كل الطاقة في ظرف زمني قصير جداً من رتبة جزء من الثانية للحصول على ما يُعرف بالقنبلة الذرية. لقد كان (ألبرت آينشتين) و (إدوارد تيلر) (أب القنبلة الذرية) هما مَن حرضا الرئيس الأمريكي: هاري ترومان في العام 1945 على استعمال هذا "الاكتشاف" الجديد لأجل وضع نهاية للحرب العالمية الثانية، و هو ما وقع فعلاً بعد أن أمر هذا الأخير بقنبلة ناغازاكي ثم هيروشيما اليابانيتين (6 و 9 آب/أغسطس 1945)، على الرغم من أن اليابانيين أبدوا استعدادهم للاستسلام. تمر دورة تخصيب اليورانيوم باختصار، على ثلاث مراحل: بداية بحرق اليورانيوم الخام للوصول إلى نتيجة على شكل عجين يدعى (Yellow Cake)، ثم مرحلة تحويل هذا الناتج إلى الحالة الغازية للحصول على ما يسمى (UF4) ثم (UF6) لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة المتمثلة في الحصول على اليورانيوم المخصب الذي يمكن الوصول إليه على طريقتين: الطرد المركزي أو الانتشار الغازي. الطريقة الأولى و التي هي الخيار الذي يعتمده الإيرانيون، تتم من خلال وضع الغاز في معدات مركزية الطرد، ثم تسريعها لتصل إلى درجة (600) دورة في الثانية. بالمختصر، إن لليورانيوم استعمالين متناقضين؛ ففي الوقت الذي يمكن الحصول على الطاقة الكهربائية من خلال مراقبة سلسلة التخصيب إلى درجة 3% ، يتطلب الاستعمال الثاني تخصيباً كثيفاً لا يقل عن نسبة 90%. القدرات النووية الإسرائيلية انطلق المشروع النووي في دولة الكيان الغاصب في العام 1948 في وقت كانت هذه الدولة اسماً جديداً في قواميس الدبلوماسية الدولية، فضلاً عن أن الطاقة النووية لم تكن وقتها مجالاً واسعاً؛ لأنها كانت لا تزال خاصة جداً، و لم يكن الاتحاد السوفييتي نفسه قد تمكن من كل حيثياتها بعد، ثم إن إسرائيل و برفضها الإمضاء على معاهدة 1968، أكدت حرصها على العمل في سبيل التقدم ببرنامجها النووي من غير أية رقابة دولية، زيادة على أن شيمون بيريز-أبو المشروع النووي الإسرائيلي- أقر أخيراً أن فرنسا كانت مساهمة بقدر كبير في هذا الجهد الإسرائيلي. كانت إسرائيل و منذ العام 1967 تمتلك على الأقل، قنبلتين اثنتين حركتهما بسرية خلال حرب الأيام الستة، و أما الطائرات المقاتلة التي كانت تستطيع نقلهما فلقد وصلتها من أمريكا، ثم إنه لمن المعروف الآن أيضا أن إسرائيل فكرت في حرب 1973 في استعمال السلاح النووي التكتيكي لأجل وقف تقدم الدبابات السورية في الجولان المحتلة، زيادة على أنه و بناء على سياسة الاحتواء و المراقبة التي تنتهجها الولايات المتحدة و بدعم مباشر من هذه الأخيرة، أقدمت المقاتلات الجوية الإسرائيلية في 07 حزيران/يونيو 1981، على تفجير المفاعل النووي العراقي "تموز"؛ لتفرض نفسها بالتالي في موقع المالك الوحيد لهذا السلاح على مستوى الشرق الأوسط. حينما زار محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الواقع مقرها في العاصمة النمساوية فيينا، تل أبيب في 07 تموز/يوليو 2004، أعلن هذا الأخير أنه لم يأت إلى هناك لأجل توبيخ إسرائيل على موقفها الرافض لأن تؤكد أو تنفي برامجها النووية، و على الرغم من هذا الموقف "الحيادي جدا والمخزي إلى أبعد الحدود " من جانب هذا الشخص، لم يجد وزير خارجية الكيان سابقاً سيلفان شالوم من رد إلا القول: "إذا كان يتعين علينا فعل أي شيء مع البرادعي فإننا لن نطلب منه أكثر من مواصلة نشاطه لأجل دفع الإيرانيين إلى وقف جهودهم في سبيل تطوير السلاح النووي" !! ثم إن شارون نفسه -الذي بات الكثيرون من المتنورين يعددون محاسنه- لم يبد أي اعتراض على هذا التهكم الواضح الصادر من طرف وزيره، قبل أن تقرر الهيئة المانحة لجائزة نوبل العالمية للسلام أن تقدم مباركتها لهذه الوكالة و رئيسها بسبب تواطئهم و تسامحهم المفضوحين مع تل أبيب، و إن كانت العدالة تقتضي على الأقل منح تلك المبالغ لضحايا ناغازاكي و هيروشيما مثلاً. من الثابت -الذي يبدو مسلمة عالمية - أن كل البلدان فيما عدا الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بطبيعة الحال، و التي تتفاوض فيما بينها بصورة داخلية عن كيفية قيام كل منها بالتفتيش داخل منشآتها الخاصة- أن إسرائيل هي دولة فوق القانون و فوق طاقة ( وكالة البرادعي ) ! في حين أن دولة أخرى كالعراق التي تسكنها ملايين النفوس البشرية تُنتهك سيادتها، و يُقتل فيها عشرات الألوف من الغلابى تحت ذريعة حيازة أسلحة ذات قدرات تدميرية شاملة لم تستطع الأقمار الصناعية -التي ترصد دبيب النمل- اكتشافها و تحديد مواقعها، زيادة على أن دولتين أخريين هما سورية و إيران تُتهمان بذات التهمة، بمعنى أنهما قد تواجهان ذات المصير. في إمكاننا أن نفهم لماذا أعلن شارون في 7 أكتوبر 2003 غداة قيام طيرانه بقصف موقع قيل هو "لإرهابيين" فلسطينيين في سورية: "إننا سوف نضرب أعداءنا في أي مكان و بأية وسيلة". هذا يعني أن إسرائيل تملك كل الحق في أن تضرب أي جهة في العالم بأسلحتها النووية، و بدعم لا مشروط من الإدارة البيضاوية. تمتلك إسرائيل حالياً، بناء على تقديرات تجريها مؤسسات بحثية في الغرب، ما بين (200 – 400) رأس نووي، و على حسب المجلة الإنكليزية المتخصصة في شؤون الاستخبارات و الأمن (جينس آنتيليجانس ريفيو) فإن الترسانة الإسرائيلية توازي ما يمثل (3850) ضعف القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، و أما في مجال الوسائل المستعملة في هذا الصدد فإن الكيان يمتلك (300) مقاتلة من نوع (F16) أمريكية الصنع بالإضافة إلى (25) مقاتلة (F15) بتجهيزات توجيه خاصة و متطورة، إلى جانب أن الصاروخ النووي (بوباي تيربو) قد تم وضعه على ثلاث غواصات من نوع "الدلفين" التي حصلت عليها بين عامي 1999 و 2000 من الألمان، من غير أن ننسى إضافة ما لا يقل عن نحو(50) صاروخ باليستي (أريحا2) يتعدى مداها (1500) كيلومتر، في مقدور كل واحد منها أن يحمل رأساً نووية زنتها (1) طن، علاوة على أن الدولة العبرية تمتلك أيضا أقماراً تجسسية تولت هي بنفسها مهمة وضعها على المدار. تغيرت الأوضاع منذ العام 1998 حينما قرر اليمين الهندوسي الحاكم في نيودلهي أن يعزز علاقاته مع الأمريكيين و الإسرائيليين في الميدان النووي من خلال استحداث محور واشنطن-تل أبيب-نيودلهي لتقوم دولة الكيان بعد هذا مباشرة بالتعاقد مع الهنود لمساعدتهم في سبيل تطوير قدراتهم النووية قبل أن يقوم شارون في سبتمبر 2003 بزيارة نيودلهي في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى تلك العاصمة منذ استقلالها عن التاج البريطاني في 1947، و في مقابل هذا التصعيد الثنائي قامت باكستان بإجراء تجاربها التفجيرية أيضاً في خطوة تحذيرية لها أكثر من معنى قبل أن يقفز الجنرال برويز مشرف على السلطة في إسلام آباد و يقيل رئيس الوزراء نواز شريف، ناقلاً بهذه المغامرة الدولة النووية المسلمة الوحيدة إلى معسكر الأمريكان، و لتصير القوة النووية الباكستانية وبالاً على الأمة بعد أن كان يُفترض أنها تجربة رائدة. الأهم من هذا أنه و بناء على "الشراكة الإستراتيجية" التي عقدوها مع الهنود، قررت الولايات المتحدة أن تقدم لتل أبيب مساعدات مالية إضافية، و صادق الكونغرس في نهاية العام 2005 على صك بقيمة (133) مليون دولار لفائدة إسرائيل حتى تتمكن هذه الأخيرة من تطوير الأبحاث فيما يتعلق بصاروخ (آرو) إلى جانب منحة أخرى بقيمة (600) مليون دولار، زيادة على المساعدات المالية السنوية التي تتحصل عليها الدولة العبرية من واشنطن تحت ذريعة واهية تسمى "الدرع الصاروخي الإسرائيلي"؛ لأن الحقيقة البينة مفادها أن الولايات المتحدة إنما هي بصدد تسليح إسرائيل في مقابل إيران و الأموال ستتوجه من غير شك إلى مشاريع تصنيع و تطوير طائرات التجسس التي لا يقودها الطيارون، و إنما تُوجّه عن بعد من مقرات القيادة العامة لجيش الاحتلال، ثم إن هذه الأموال تستعمل أيضاً بقصد أن تقوم إسرائيل باقتناء المدرعات التي تنقل الجنود من الدول الأوروبية. الطموحات النووية لكوريا الشمالية المباحثات سداسية الأطراف (الصين، الكوريتان، اليابان، الولايات المتحدة و روسيا) هي حالياً و خلافاً لما هو معلن، في طريق مسدود منذ الاتفاق المتوصل إليه في شهر أيلول/سبتمبر الأخير، و الذي على أساسه قبل نظام بيونغ يانغ التنازل عن مشاريعه النووية في مقابل مساعدات اقتصادية و ضمانات أمنية، فعلى الرغم من أنه كان يُعدّ وقتها خطوة على الطريق الصحيح، لا يتطرق نص الوثيقة المتفق عليها إلى أي جدول زمني، و لا أي طريقة للتنفيذ، فكل شيء لا يزال قابلاً للتفاوض و الاختلاف مجدداً. لقد أعلنت كوريا الشمالية، مثلما نعلم جميعنا، أنها تمتلك قنبلتين ذريتين، و الاتفاق لم يتطرق بالتفصيل لكيفية التخلص من هاتين القنبلتين، علاوة على أن بكين -التي هي في الواقع حليف استراتيجي لتلك الدولة-فعلت كل ما في وسعها في سبيل أن ينشغل العالم بغير الموضوع النووي لحليفتها الضعيفة بيونغ يانغ. الحالة الإيرانية: العدالة الدولية في أوضح صورها منذ ما يزيد عن السنتين و نصف السنة، تقود ثلاث دول أوروبية – بتحريض ودفع من واشنطن - حملة ضغط شعواء على طهران لأجل أن تقلع هذه الأخيرة عن كل طموحاتها النووية، على الرغم من أن طهران ما انفكت تؤكد منذ سنوات أن برنامجها ذو أهداف سلمية، و أن جهودها لا تطمح
إلاّ إلى التمكن من استخدام الطاقة النووية في مجالات مدنية . فهي و وفقاً لبياناتها الرسمية ستشهد بعد نحو عشرين عاماً من الآن، كثافة سكانية تجاوز المائة مليون شخص، مما يعني ارتفاعاً كبيراً في الطلب الداخلي عندها على الطاقة . و على الرغم من أنها البلد الثالث عالمياً من ناحية الاحتياطات النفطية ، إلا أن الدراسات تؤكد أنها و بعد هذه المدة، سوف تكون مضطرة إلى استهلاك نصف ما تنتجه حقول النفط فيها. لقد أعلنت إيران في العاشر من يناير الماضي عن نيتها في استئناف أبحاثها في ميدان تخصيب اليورانيوم، رافضة المقترح الروسي الخاص بإمكانية أن تتولى موسكو هذه المهمة فوق أراضيها الاتحادية ، بعد أن حذّرها مجلس محافظي الوكالة الدولية في شهر نوفمبر الماضي من كل محاولة في هذا الاتجاه، بمعنى أن أي تصعيد من جانبها سوف يعني إحالة ملفها إلى مجلس الأمن، و هذا ما وقع مؤخراً، بعد أن قال محافظو وكالة الطاقة ( أي وكالة البرادعي ) إن إيران أخلت بالشروط، بمعنى أنه و في رأي الغرب، تُعدّ تحدياً و تهديداً جدياً للأمن و السلام العالميين، فوصول إيران إلى تحقيق "الاكتفاء" النووي بحسب رأي الساسة الغربيين هو بداية تهديد شديد الخطورة لكامل منطقة الشرق الأوسط، ثم إنه تهديد أيضاً لمستقبل معاهدة الحد من الانتشار التي هي على المحك الآن، زيادة على أنه تهديد مباشر لأوروبا التي سوف تكون بعد هذا في متناول الصورايخ الإيرانية "شهاب". الحقيقة أن معاهدة عدم الانتشار هي اتفاق يعكس تماما مدى الازدواجية والانتقائية في تطبيق مبادئ قيم العدالة و الحرية التي تتغنى بها الدول الكبرى الغربية على وجه الخصوص؛ لأنها أُعدت بعد ما تم تحديد أعضاء النادي النووي بدقة شديدة، و في الوقت الذي تقع فيه دولتان كإسرائيل و إيران في موقعين متشابهين كثيراً، تحرم المجموعة الدولية على الثانية أي طموح يجعلها في موقع موازٍ للأولى ، بحجة قانونية مضحكة مفادها أن إيران نفسها وقعت على نص المعاهدة، مما يجعلها تقع تحت طائل مقرراتها على خلاف إسرائيل الرافضة للتوقيع وهو ما يعني – ببساطة - أنها غير معنية بالقانون الدولي !! ثم إنه و حتى لو أننا سلمنا بصدقية نص معاهدة حظر الانتشار فإن المادة السادسة منها تتحدث صراحة على أن كل الدول ملزمة بالتعاون في سبيل التخلص النهائي من هذه الأسلحة التي تهدد كل ما حققته الحضارة الإنسانية حتى الآن، و لكن الواقع أنه لا وجود لأي دولة كبرى نستطيع القول بشأنها إنها كانت قد احترمت هذا الكلام، و هذه حكاية أخرى طويلة و شائكة. لو قررت إيران عدم الرضوخ لهذه الضغوطات، وواصلت سياستها الحالية فكل الحكومات الغربية مستعدة لأن تحرك وسائلها الدعائية و السياسية – وربما العسكرية - في سبيل فرض عقوبات على طهران، و في هذه الحالة يمكننا أن نتوقع أن اللجوء إلى الحل العسكري من قبل أمريكا سوف يقع من غير حاجة "للاستئذان" من السيد عنان وهيئته الأممية ! ، فكل السيناريوهات جاهزة، و لا تنتظر إلا الأمر بالتنفيذ الذي قد يصلها في أي لحظة من البنتاغون، و سوف يخرج علينا الأمين العام للمنظمة الأممية كوفي عنان بعدها ليعلن لنا عن "انشغاله العميق" بما يحدث، من غير أن يخبرنا بالضرورة أن الهيئة التي يرأسها قد تقرر وضعها على رفوف أرشيف الدبلوماسية العالمية، ثم إنه أخيراً لن يتجرأ على أن يقول لنا إن تيودور هيرتزل -مؤسس الصهيونية الحديثة- كان قد قال قبل أكثر من قرن: "سوف نبني هنالك جداراً يفصل الغرب عن البربرية". لقد بُني الجدار فهل تشكّون أننا المعنيون بنعت "البربرية"؟؟ المصدر : الاسلام اليوم

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.