رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عواصف الذعر فى الشرق الأوسط

الشرق الأوسط بين لحظة اقتراب الحقيقة.. وتهديدات الخطر العظيم
كانت السيدة فاطمة بنت موسي، حفيدة الإمام جعفر ابن كاظم.. إمام الشيعة السابع.. في طريقها من المدينة المنورة إلي خراسان.. حيث أخوها علي بن موسي الرضا.. مرضت.. وبقيت في قرية اسمها (تاجية) علي بعد 06 كيلومتراً من مدينة قم.. ومن هناك علم أحد زعماء (الأشاعرة) بقدومها ومرضها فاستدعاها إلي حيث هو.. واشتد مرضها.. فماتت بعد 71 يوما ولم تكن قد بلغت العشرين من عمرها.
بُني لها قبر.. ظل عادياً لفترة طويلة من الزمن.. ثم تحول بمضي الوقت ، ولأسباب تجارية ودينية وسياسية، إلي مزار كبير يلتف حوله الألوف علي مدار الأيام.. حيث ترقد من يصفها الشيعة بالمعصومة.. في إشارة منهم إلي أنها لم تقترف ذنبا في حياتها.. وأصبح هذا المرقد هو سر جاذبية مدينة قم.. التي يصفها الشيعة بدورهم بأنها مدينة مقدسة.
لكن (قم) التي من الصعب أن تري فيها شخصاً غير معمم.. فإذا ما رآه احدهم قالوا عنه (أفندي).. اضطرت إلي الكشف قبل أيام عن سر أكبر.. أخفته الجبال والتضاريس الجغرافية القاسية والمتنوعة حولها.. هو المفاعل النووي الذي لم يكن معلوما.. وتحيطه درجات مهولة من التأمين من قبل الحرس الثوري الإيراني.. ويبدو أنه سيكون الثقب الأسود الذي تنجرف من خلاله المنطقة برمتها إلي (حرب) مهولة.. تلفح حرارة نيرانها كل المشرق العربي.. وإن لم يعلموا مصدره الحقيقي.
أن رائحة الحرب في كل مكان.. لكن هناك أملاً بألا تأتي.. غير أن الأمل مرتبط تماما بالسلوك الذي سوف تلجأ إليه إيران.
البرنامج المقدس
حول مرقد فاطمة المعصومة يطوف المعزون بالجثامين المتوفاة قبل أن تدفن.. وتسود عقولهم قناعة غريبة تقول إن من يفعل ذلك إنما يضمن أن يبرأ الميت من جهنم.. لكن وجود مرقدها في هذا المكان لا يمكن أن يحصن منطقة قريبة من قم من الاحتمالات المروعة التي تلاحق الملف النووي الإيراني.. منذ تم الكشف عن هذا المفاعل.
القدسية التي يضفيها الإيرانيون علي المدينة، فهي منبع وقبلة الملالي، وموقعها كعاصمة دينية لنظام آيات الله، دفعت بعض المسئولين الإيرانيين إلي أن يعلق قائلا: أن قرب المفاعل من (قم) يعني أن المشروع النووي الإيراني بلغ هذه المرحلة البعيدة من القدسية.. وسيكون الدفاع عنه كالدفاع عن المقدسات!!
لا يمكن بالطبع أن تنعكس الأبعاد العقيدية علي مفاعل قم، فنجد من يطوف حوله تبركا.. لكن إيران بحسبانها شيعية، يلجأ المسئولون فيها إلي مبدأ التقية أي إظهار ما لا تبطن.. ويريدون استخدام البرنامج النووي لدفع عملية توسع مذهبي عريض النطاق.. وقد أضفوا عليه أبعادا دينية حولته من مجرد برنامج نووي تكنولوجي إلي عملية جهاد ضد من تعتقد إيران أنهم شياطين.
عموما، هذه السمات المقدسة للمدينة قم وما فيها لم تستطع أن تخفي السر الأهم والأخطر فيها أو قربها.. وقد تمكن عملاء مختلفون علي تحديد هويتهم.. هل هم من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.. أم من جهات أخري.. تمكن من اختراق الحجب.. بحيث أوصلوا معلومات إلي أجهزة مخابرات غربية متنوعة حول موقع المفاعل الذي تبين أنه يضم علي الأقل ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي.. تستخدم في تخصيب اليورانيوم.. بطريقة تقول كل المؤشرات أنها ليست سلمية علي الإطلاق.
وفيما يبدو فإن إيران شمت الرائحة.. وأدركت أنها بصدد مأزق خطير.. فسارعت إلي إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود المفاعل.. وهي تعتقد أنها إنما تقطع الطريق علي من قد يتهمها بإخفاء الأسرار والمفاعلات.. لكن التصرف الإيراني اللاهث لم يطوق المأزق.. وخرج محمد البرادعي مدير المنظمة لكي يقول أن إيران اخترقت القانون.. وعلي خلفية هذا المأزق جرت مفاوضات جنيف بين إيران والدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلي ألمانيا.
كان البرادعي في الهند، يتسلم جائزة أنديرا غاندي الشهيرة كنوع من التكريم، حيث قال لقناة (سي إن إن) الهندية كان من المفترض أن تبلغنا إيران في نفس اليوم الذي بدأت فيه بناء هذه المحطة.. هذا ما تنص عليه المعاهدات.. ومن ثم هي تقف الآن علي الجانب الخطأ من القانون.
إن كلاما كهذا يبدو مهما جدا.. خاصة أن البرادعي ظل لفترة طويلة، حتي بداية الشهر الماضي، متحفظا في أن يوجه اتهامات محددة لإيران.. بشأن ملفها النووي.. وكان آخر ما قاله أنه لاتوجد أدلة علي أنها تمتلك سلاحا نوويا.. لكن تصريحه الأخير له مدلولات قانونية وتبعات عديدة.. خاصة أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال بعده أن ما فعلته إيران يمثل اختراقا لقرارات مجلس الأمن الدولي.. وعليها أن تقدم الأدلة علي أن هذه المنشأة النووية مخصصة للأغراض السلمية.
وذهبت إيران في اتجاه معركة جانبية ضد بان كي مون.. واتهمته بأنه إنما يستبق ما سوف يقوله خبراء الوكالة الدولية المختصة.. وراحت توبخه وتقول إنه يردد كلام أوباما وساركوزي وبراون (رئيس الولايات المتحدة - ورئيس فرنسا - ورئيس وزراء بريطانيا) أي ما جاء علي لسانهم في اجتماع مجلس الأمن الأخير الذي كان عامرا بالتحذيرات للبرنامج النووي الإيراني.
وفي نفس الوقت مضت تقول - أي إيران - لوكالة الطاقة الذرية أن هذه المحطة هي منشأة احتياطية أقيمت بحيث تكون بديلا إذا ما تعرض البرنامج النووي الإيراني في مفاعل (نطنز) للهجوم العسكري.. وهو كلام رآه البرادعي غير مقنع.
القوة النووية المعلنة
الحسابات المتسارعة راحت تحصي ما الذي لدي إيران من قدرات ومفاعلات نووية.. معلنة.. حتي الآن.. ووفق أحدث المعلومات من مصادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن لدي إيران ما يلي:
- مفاعل لتخصيب اليورانيوم في نطنز بوسط إيران، كشف وجوده في 2002 يخضع لرقابة مفتشي الوكالة الدولية، ويضم في الوقت الحاضر أكثر من ثمانية آلاف جهاز طرد مركزي منها نحو 0064 قيد التشغيل. والمنشآت تحت الأرض في نطنز يمكن أن تضم 05 ألف جهاز طرد مركزي.
- مفاعل تخصيب اليورانيوم في قم بوسط إيران، وهو قيد البناء حاليا وكشفت إيران وجوده للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام، ويقع بين مدينتي طهران وقم.
وتفيد معلومات صحفية أنه مدفون تحت جبل ويمكن أن يحتوي علي ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي.
- مفاعل التحويل في أصفهان بوسط إيران أيضا وقد تمت تجربته صناعيا في 4002 وهو يسمح بتحويل يلوكايك (الكعكة الصفراء) أي مسحوق اليورانيوم المركز المستخرج من مناجم الصحراء الإيرانية، إلي غازات رباعي الفلوريد (تترافلورايد) وسداسي الفلورايد (هكسافلورايد). وهذان الغازان ينبغي بعد ذلك إدخالهما في أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب. وهذا الموقع يخضع بانتظام لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- منشأة إنتاج الوقود النووي في أصفهان التي دشنت في نيسان/ أبريل 9002، تملك طاقة لإنتاج ل 01 أطنان من الوقود النووي سنويا. ويستخدم اليورانيوم المخصب في هذه المنشأة لإنتاج الوقود النووي المخصص للمفاعلات النووية.
- بناء مفاعل آراك غرب إيران، يعمل بالمياه الثقيلة وقد انتهي تقريبا. وهذا المفاعل مخصص كما يعلن رسميا لإنتاج البلوتونيوم لغايات البحث الطبي. وقد سمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس الماضي بزيارة الموقع الذي يضم مصنعا لإنتاج المياه الثقيلة.
- بناء المحطة النووية في بوشهر جنوب إيران دخل مرحلته النهائية.
ومن المقرر مبدئيا أن يبدأ تشغيلها في الأشهر المقبلة، لكن إطلاقها أرجئ مرات عدة.
وقد وقعت موسكو في 5991 اتفاقا بقيمة مليار دولار لإنهاء هذه المحطة التي بدأ الألمان ببنائها قبل الثورة الإسلامية في 9791.
لكن في العام 2991 رفضت ألمانيا استئناف أشغال البناء تحت ضغط الولايات المتحدة متذرعة بخطر انتشار التكنولوجيا النووية الحساسة. ويخضع الموقع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أسرار أخري
وليست المشكلة الآن فيما هو معلن.. ولكنها فيما لم يعلن.. ومفاعل (قم) هو أكبر دليل يمسك به الغرب حاليا لكي يوقن من أن النوايا الإيرانية ليست كلها سلمية.. وإن هناك ما تخفيه التقية السياسية.. وإنه إذا كان قد تم اكتشاف مفاعل آخر غير مدرج علي لوائح الإعلان فما الذي يمنع من وجود غيره.. وهو أمر شديد الخطورة في ظل أهمية أن تكون مباديء الشفافية هي الأساس في التعامل القانوني مع الأنشطة النووية لكي يتم التأكد من سلميتها والتزامها بالقانون.
ولكي ندرك حجم الموقف.. فإن علينا أن نعود إلي ما سبق أن تم تداوله حول اكتشاف مواد مشعة قرب مفاعل أنشاص المصري المخصص للأبحاث النووية.. وأثار هذا جدلا لافتا في الصحافة الدولية.. وظل الأمر قيد التحقق ربما أربع سنوات.. إلي أن أقرت الوكالة بالرأي المصري الذي قال إن تلك الإشعاعات نتجت عن نقلها في حاويات نقل نظائر مشعة.. وبالطبع لم يكن هناك في مصر عملاء لكشف هذه الواقعة البسيطة.. ولكن كانت هناك طرق قياس تلجأ إليها الوكالة الدولية للطاقة.
وتعطي هذه الواقعة انطباعا بأن من الممكن أن تكون هناك عمليات رصد لمستويات الإشعاع هي التي قادت قوي غربية إلي معرفه سر مفاعل (قم).
شفويا.. كأقوال تنتظر الأفعال أبدت إيران رغبتها في أن تخضع المفاعل الأخير إلي تفتيش وكالة الطاقة الذرية، وبهذا المنطق دخلت إلي مفاوضات جنيف.. حيث عقدت في إطار كان قد توقف منذ أشهر طويلة.. وخرج الحاضرون من أوروبا والولايات المتحدة يقولون إن (البداية طيبة.. والتعهدات مبشرة ولكننا في انتظار أفعال إيران).. وخرجت إيران تقول إنها متمسكة بحقوقها.. أي برنامجها النووي.
لكن اللغة التي تحدث بها الرئيس الأمريكي أوباما بعيد الاجتماع، مساء الخميس، تدل علي أنه لن يمكن لإيران أن تمارس مماطلات زمنية طويلة.. وأنها عليها أن تدرك أنها بصدد الاقتراب من لحظة الحقيقة.. إذ علي الرغم من أوباما أقر بالبداية البناءة لمفاوضات جنيف التي من المقرر أن تستكمل في نهاية الشهر الحالي.. إلا أنه قال: نريد إجراءات ملموسة.. أن للصبر حدوداً.
ولم يكن أوباما يردد أغنية (أم كلثوم الشهيرة) بقدر ما كان يعبر عن تحول نوعي في مسار التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.. خاصة أنها تلقت رسالة واضحة من المجتمع الغربي.. وأصبح مطلوبا منها أن تسمح بالتفتيش خلال أسبوعين.. أي قبل أن تعود المفاوضات من جديد.. وفي غضون ذلك سوف يكون البرادعي قد زار طهران خلال أيام.
أبعاد الصفقة
ما هو المعروض علي إيران وفق ما يمكن فهمه من مسار الاستخلاصات بعد ما جري في مجلس الأمن.. والكشف عن محطة قم.. واجتماع جنيف.. ثم تصريحات أوباما؟
من الواضح أننا بصدد المضي قدما في مناقشة صفقة معروضة علي إيران.. مؤداها أن عليها أن تقبل بالتخلي عن طموحها لامتلاك السلاح النووي مقابل حوافز مالية واقتصادية وربما سياسية.. وأن عليها لكي تحصل علي هذه الصفقة أن تدرك أنها اقتربت من لحظة الحقيقة.. وأن البديل المطروح سوف يكون عقوبات قاسية تؤدي إلي مزيد من الضغوط علي نظام الملالي في إيران.. وهي عقوبات يبدو أنها واضحة المعالم لدي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها.. وحتي لو لم يضمن هؤلاء الحلفاء مساندة روسيا والصين فإن الطريق نحو تلك العقوبات قد يصل إلي نهايته في بداية العام الجديد.. تمهيدا لما هو أبعد.
وقد تدور الصفقة حول السماح الغربي بعمليات التنمية النووية في الحدود السلمية المتفق عليها قانونا.. وبحيث يخضع برنامج إيران إلي تفتيش مستمر من وكالة الطاقة الذرية.. وبحيث تحصل علي قدر من المعرفة التكنولوجية.. وأيضا أن تنال السماحية المالية والاقتصادية الدولية.. فتخرج من شبكة القيود المعقدة التي تحيط بتحركاتها الدولية وتعوق أعمالها المختلفة منذ سنوات.
وفي البعد السياسي قد تتضمن الصفقة توقفا عن ملاحقة نظام الملالي من قبل الغرب بهدف إسقاطه.. وإخراج إيران من قائمة الدول المارقة.. والتعامل معها كدولة عادية.
لكن الأهداف الإيرانية قد تكون أبعد منذ ذلك بكثير.. وفق الطموحات المعلنة والرغبات المستمرة في فرض الهيمنة والنفوذ علي منطقة الشرق الأوسط.. ومن الواضح أن لديها مطالب بشأن الأوضاع في فلسطين وفي لبنان وفي الخليج وفي العراق وأيضا في منطقة أفغانستان وباكستان.. فهل سوف تتمكن من خلال تفاوضها مع الغرب علي تنفيذ تلك الطموحات السياسية؟
كل هذه الآمال الإيرانية مقيدة بتوازنات قوي معقدة إقليميا ودوليا.. ولن تكون سهلة وفق ما تعتقد إيران نفسها.. ولايمكن إتمام صفقة سياسية تتيح لها النفوذ علي حساب القوي الإقليمية في الشرق الأوسط أو تسمح لها بدور ما في الملفات العربية المختلفة.. وعمليا لا يمكن أن تحصل علي أي رسوخ في أي من الملفين الفلسطيني واللبناني.. بل إن أي تسوية قد تكون في المستقبل علي حساب حزب الله ونفوذه في لبنان.. إن لم يكن تصفية وجوده.. علي المدي المتوسط لو كانت الصفقة سلمية.. وعلي المدي القصير وبمنتهي العنف لو كان البديل المطروح هو الحرب.. وفي هذين الملفين بالتحديد فلسطين ولبنان يمكن القول إنه لا يمكن أن تنال إيران أي شيء ليس لأن العرب فقط يرفضون ولكن لأن الغرب سوف يراعي مصالح إسرائيل.
وتبدو المعضلة قائمة في الخليج.. وسوف يصطدم أي توسع سياسي إيراني بعرقلة من المملكة العربية السعودية التي من الواضح أن جميع دول الخليج تلقي بكرة هذا الموقف في ملعبها.. كما أن مصر تعضد موقف السعودية وتقول إن كل ترتيبات أمن الخليج يجب أن تراعي المصالح العربية.
التحذيرات العربية
ولاشك أن كثيراً من العواصم الغربية قد استمعت إلي تحذيرات عربية مختلفة.. تشير إلي أن المشكلة مع إيران ليست في كونها تمتلك برنامجا نوويا غير واضح النوايا.. ولايتمتع بالشفافية.. وينذر بسباق نووي في المنطقة.. وإنما في إنها تريد فرض هيمنة ونفوذا ليس لها علي الملفات الإقليمية.
وبالتالي فإن لحظة الحقيقة تعني أن إيران عليها أن تنتبه إلي أهمية ما يمكن أن تحققه من مكسب واقعي.. يتضمن درء المخاطر عنها وعن المنطقة.. وأن تتخلي عن طموحها الجامح ورغبتها في أن تحصل مقابل أي تفاهم مع الغرب علي مكاسب غير واقعية علي الإطلاق ولاتعكس موازين القوي والعلاقات الدولية والإقليمية ولاتتواءم مع أهداف النظام الدولي وأجندة الغرب.. ويتوقف هذا الأمر علي مدي قدرة النظام الإيراني علي استيعاب حقيقة الموقف.. وقدرة صوت العقل أن يفرض نفسه علي المتنازعين في داخله.
من هنا، وعلي الرغم من (البداية البناءة) في مفاوضات جنيف.. فإن عواصف الذعر تهب علي منطقة الشرق الأوسط.. خاصة بعد أن لاحت في الأفق أكثر من أي وقت مضي احتمالات العمل العسكري المضاد لإيران أكثر من أي وقت مضي.. وبدرجة أعلي مما كانت عليه من قبل.. الصحيح بالطبع أن اللغة السياسية الدولية لاتعكس هذا الآن.. لكن رائحة هذه الرياح وتلك العواصف تطال جميع الأنوف.. وعندها سوف تكون هناك كارثة كبيرة تهدد الأوضاع في المنطقة.
إن السيناريوهات المختلفة المتوقعة لمثل تلك الحرب.. قد تؤدي إلي حروب صواريخ.. وضربات انتقامية.. وأفعال طائشة.. خصوصا من قبل إيران.. التي قد تستثمر كل انتشارها الإقليمي خلال السنوات الماضية وتوسعها العسكري التقليدي لكي تبدو ليست لقمة سائغة.. أو سهلة المنال.
هكذا تقترب نيران عاتية من مناطق الخليج والعراق ولبنان وفلسطين والمناطق المحتمل أن تكون نقاط عبور للعتاد العسكري الغربي في اتجاه ضرب إيران والممرات المائية.. بخلاف ما قد يحدث بالإضافة إلي ما هو حاليا في أفغانستان وباكستان.. ما يعني أن إحساسنا بالذعر من الخطر له ما يبرره.
إن الكرة الآن في ملعب إيران.. ليس فقط لكي تقي المنطقة شر الويلات المتنوعة ثمنا لشرهها السياسي والاستراتيجي والنووي.. ولكن أيضا لأن المضي قدما في مشروعها النووي سيكون غطاء نهائيا للمشروع النووي الإسرائيلي الغامض.. إذ ستحدث المقايضة الكبري التي تريدها إسرائيل لكي تمنح نفسها شرعية امتلاك السلاح النووي.. وهذا في حد ذاته سيسبب ذعرا ونتائج وخيمة تفوق في قسوتها نتائج حرب علي إيران.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.