عندما احتدمت الاشتباكات بين المعتصمين أمام مقر مجلس الوزراء وقوات الجيش التى تقوم على تأمين المنطقة كتب د. محمد البرادعى فى صفحته على الفيس بوك يقول: حتى إذا كان الاعتصام مخالفا للقانون هل يتم فضه بهمجية ووحشية هى فى ذاتها أعظم مخالفة لكل القوانين الإنسانية؟! ليس هكذا تدار الأوطان. ولأن الكلمة حادة وموجعة لرجال لم يتعودوا أساسا على أن يعترض عليهم أحد.. ولأنها جاءت من د. البرادعى تحديدا، وهو الرجل الذى طالب به المعتصمون رئيسًا للوزراء قبل تكليف د.كمال الجنزورى.. فقد خصه اللواء عادل عمارة، عضو المجلس العسكرى، فى مؤتمره الصحفى أمس الأول برد حاد فيه تقريع ولكن غير موجع.. دون أن يذكره بالاسم. جاء فى هذا الرد: من الغريب والذى لا يقبله عقل أن يتحدث البعض عن الاستخدام المفرط للعنف بغرض تشويه صورة القوات المسلحة تحت ادعاء (ليس هكذا تدار الأوطان).. فهل تدار الأوطان بحرق المؤسسات ومنع رئيس الوزراء من ممارسة مهامه ومحاولة حرق تاريخ مصر.. هل هكذا تدار الأوطان؟! وبالطبع لم يسكت د. البرادعى على هذا التقريع الموجه إليه بطريقة (الكلام إليك يا جارة) فرد معلقا بأن الأوطان تدار عن طريق أهل الخبرة ومن خلال المصداقية والشفافية وعدم الاستخدام المفرط للقوة. وعلى هذا النحو صار الأمر سجالا علنيا بين د. البرادعى والمجلس العسكرى بعد أن كان مجرد همس يتناقله المراقبون والمحللون وبعض المطلعين على ما يدور فى الكواليس وربما أحس به شباب الفيس بوك. البرادعى من ناحيته يرى أن الطريقة التى يدير بها المجلس العسكرى شئون البلاد غير صحيحة.. ويزيد على ذلك باتهام أعضاء المجلس ومن معهم فى الحكومة والمجلس الاستشارى بأنهم ليسوا أهل خبرة.. ولا تتوافر لديهم المصداقية والشفافية. وقد رفع سقف الهجوم على المجلس العسكرى فى اتهام صريح باستخدام العنف المفرط والهمجية والوحشية. وقد رد المجلس العسكرى الاتهام باتهام واضح لا لبس فيه بأن البرادعى يشوه صورة القوات المسلحة، ويشير إليه من طرف بعيد وبالسؤال الاستنكارى: هل تدار الأوطان بحرق المؤسسات ومنع رئيس الوزراء من ممارسة مهامه ومحاولة حرق تاريخ مصر؟! والسؤال الاستنكارى فيه ربط صريح بين البرادعى ودوره فيما فعله المعتصمون من حرق المؤسسات والمجمع العلمى ومنع رئيس الوزراء من ممارسة مهامه، وهناك قطاع عريض ومتزايد من الرأى العام صار يشارك المجلس العسكرى فى هذه الرؤية ويتهم البرادعى صراحة بتحريض الشباب على العنف، وبالذات بعد أن ابتعد لفترة عن الأضواء وأراد أن يعود إليها بقوة من خلال هذا الشباب الثائر إلى ما لا نهاية. والحقيقة أن العلاقة بين البرادعى والمجلس العسكرى اهتزت اهتزازًا شديدا فى هذه المرحلة وصارت أقرب إلى الصدام منها إلى الحوار أو حتى اختلاف الرأى فى ظل وضوح وتفاهم.. والسبب فى ذلك يرجع إلى أن البرادعى يشعر الآن بالتهميش بعد أن رفض طلب مؤيديه بالتعيين رئيسا للوزراء قبل الجنزورى.. وبعد أن تجاهلوه فى تشكيل المجلس الاستشارى. الدكتور البرادعى هو أول من رشح نفسه – أو رشحه آخرون – ليكون رئيسا لحكومة الإنقاذ، ثم ادعى أنه رفض رئاسة الحكومة عندما عرضت عليه لكن المجلس العسكرى سارع إلى القول بأن البرادعى لم يكن أبدا مرشحا لرئاسة الحكومة.. وكانت هذه ضربة قاسية للرجل الذى يقدم نفسه للغرب على أنه عنصر التوافق الليبرالى فى مصر وهمزة الوصل بين المتظاهرين والمجلس العسكرى. والبرادعى قبل ذلك كان قد تحمس لفكرة أن يترك المجلس العسكرى السلطة الآن وبسرعة ويسلمها لمجلس رئاسى من أربعة أو خمسة أشخاص سيكون هو – فى تصوره – عضوا فيه إن لم يداعبه الحلم بأن يكون رئيسه.. لكن المجلس العسكرى تجاهل الدعوة كأن لم تكن. ومما يؤسف له أن كثيرا من الكوارث التى نعيشها الآن جاء نتيجة لعلاقات ملتبسة وغامضة بين المجلس العسكرى وبعض الشخصيات التى طفت على السطح كالبرادعى وممدوح حمزة وجورج إسحاق ونجيب ساويرس .. وهناك اتهامات معلنة لهذه الشخصيات بضلوعها فى تحريض المتظاهرين وتمويلهم، ولكن تبقى ضرورة لتأكيد هذه الاتهامات بالأدلة والبراهين حتى لا تطلق الاتهامات بشكل عشوائى. وكلما اقتربت الاتهامات من نهايتها ازدادت حدة الاضطرابات والاشتباكات أملا فى إفساد التجربة بكاملها وإلغاء الانتخابات.. وهذا حلم بعيد المنال، فالانتخابات جاءت بإرادة الشعب وكلمته ولن يستطيع أحد مهما أوتى من دهاء وخبث أن يقف فى وجه كلمة الشعب، لقد دارت عجلة الديمقراطية ولن تتوقف.