كم كان جميلاً شعبنا العظيم فى تلاحمه ونضاله وتكاتفه من أجل إسقاط نظام الاستبداد...وكم كان رائعًا التآلف والتكافل بين الناس عند نزوح بعض الأهالى من مدينة إلى أخرى.. وكم كان عظيمًا أن ترى الجيران وسكان الحى الواحد يتقاسمون اللقمة لمواجهة نقمة كتائب القذافى وحصارهم لهم.. كان بحق أسطورة وملحمة شعبية نضالية وإنسانية رائعة، وزاد الأمر روعة وجمالاً الإصرار على الكفاح من أجل التحرير بالسلاح فسقط الشهداء والجرحى بالآلاف.. وأتذكر فى زيارة لبعض من شبابنا المصابين فى شهر إبريل الماضى بإحدى مصحات تونس، قالوا لى: "إننا ننتظر متى نتحسن وتلتئم جروحنا لنعود للجبهة حتى يسقط الطاغية وأعوانه؟! إن هذه الروح المعنوية العالية، وهذا الإيمان المطلق بقدسية نضالنا، وهذا التكبير المستمر، والدعاء المتواصل فى المساجد والبيوت، وذلك الصيام الذى كان يصومه العديد من ناسنا كل "اثنين وخميس" لينصروا شبابنا فى الجبهات به، أظهر شعورًا رائعًا. كم كانت رائعة وعظيمة ثقة الناس فى المولى عز وجل بالنصر المبين القريب، ولعل انتصار وصمود أهالى الزنتان بتعدادهم البسيط أمام جحافل القذافى، وصمود مدننا الشامخة فى كل أنحاء ليبيا، وما كنا نسمعه ونراه من ملاحم حقيقية تدل على أن المولى عز وجل كان يرعى هذه الثورة المباركة وهذا الشعب العظيم. وأتذكر عندما كنا نعمل على إقناع مجلس جامعة الدول العربية وأمينها العام باتخاذ موقف لحماية الشعب الليبى وتحويل الأمر إلى مجلس الأمن لإقرار الحظر الجوى وتعليق عضوية الحكومة القذافية فى الجامعة العربية، كان بعض الأعضاء مترددين ويناقشون الأمر ويجادلون فيه؛ ولكن المولى عز وجل سخر لنا سيف القذافى ليقول قبل الاجتماع العربى بساعات كلمته: "طز فى الجامعة العربية"، فكم خدمتنا هذه العبارة فى الحصول على القرار بأغلبية شبه مطلقة مع تحفظ الجزائر فقط، وحتى سوريا التى كانت تجادل وترفض لم تقدم اعتراضًا مكتوبًا؛ ولكنها اكتفت بالاعتراض الشفهى. إن هذا النضال وهذه السيرة الرائعة لثورتنا العظيمة التى أبهرت العالم، وأثبتت للجميع أن إصرار الشعوب على الحرية ليس له نهاية إلا تحقيقها وانتصارهم. ولكننا بعد التحرير، وبعد أن انتظرنا أن ندخل فى الربيع الثورى الليبى، فوجئنا بأن سلوكيات بعض ناسنا فى الشارع بدأت تتغير، وكأن الشىء الذى كان يوحدهم هو إنهاء حكم الطاغية، وبعد تحقيق ذلك رجعوا إلى السلبية والنقد الهدام وبث الشائعات والفتن بكل الأشكال والألوان. إن عمر التحرير لم يبلغ شهرين ونتحدث عن أن لا شىء تحقق، وكأن المجلس الانتقالى والحكومة الانتقالية الوليدة والتى لم تبدأ حتى فى الوقوف على قدميها- يملكون عصا موسى، وعليهم فى أسابيع أن ينهوا كل مشاكل ليبيا. عجيب أمر بعض الناس الذين بدءوا يستغلون الموقف الانتقالى لتحقيق مغانم وأرباح شخصية، والبعض الآخر يزرع الفتن وينشر الشائعات، ويتحدث عن الثوار المقاتلين كأنهم كيان مختلف عن الشعب، وتناسوا أن الشعب ثار، وهؤلاء المقاتلون الثوار خرج كل منهم مطالبًا بإسقاط النظام. والآن بدأ يظهر فى شارعنا وتجمعاتنا بعض ممن كانوا يدعمون القذافى ونظامه بالكلمة والشعر والحديث، وبدءوا بكل صفاقة ينتقدون ويساهمون فى بث الشائعات وزرع الفتن بين صفوف المواطنين؛ ولكنى أثق فى هذا الشعب العظيم بأنه هو الأساس الذى يمثل بحق الضمانة الحقيقية للثورة، ويحقق بإذن الله تعالى الربيع الجميل للثورة الليبية الرائدة. إن الثورة الليبية ثورة شعب ثار ضد الاستبداد وعلى كل من عمل مع النظام السابق أو أبنائه حتى وإن كان يرى فى نفسه الكفاءة والشرف والعفة أن يتنحى الآن خلال هذه الفترة الحساسة لأن الناس لا ترغب فى رؤية أى أحد عمل فى نظام القذافى أو كان فى اللجان الثورية فى أى موقع أدعوهم من ذاتهم أن يتنحوا جانبًا لأنه إذا لم يفعلوا ذلك ولم يفعل المجلس على تنحيتهم سيجدون أنفسهم فى مواجهة شعب وثواره لا يرغبون فى تواجده على أى كرسى صغر أو كبر . [email protected] www.dribrahimguider.com