بدأ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران هادئا واثقا وهو يقول( إن الشعب المغربي رد لنا التحية بأحسن منها والمغاربة أعجبهم حزب العدالة والتنمية فمنحوه أصواتهم بكل ثقة) وقال أيضًا إن الحزب بدأ العمل قبل أكثر من 20 عامًا واندمج في المجتمع وفي البيئة المغربية تدريجيًا تفرغنا للعمل في حين تفرغت المعارضة للكلام. لكن حميد شباط، المهزوم فى معقله الانتخابى (فاس) قال إن بنكيران سيلاقِي مصير أخيه الإخوانجِي محمد مرسِي ..!!؟؟ في 2011عندما فاز حزب (العدالة والتنمية) المغربي بأغلبية مقاعد البرلمان واسند الملك محمد السادس مهمة تشكيل الحكومة لرئيسه عبد الإله بنكير إن لم يكف الرجل في كل المناسبات واللقاءات عن القول بأن حزبه (لا يحكم المغرب إنما يقود حكومة ائتلافية في إطار الدولة المغربية التي يرأسها الملك محمد السادس). بنتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي ضمنت لحزب العدالة والتنمية المغربى السيطرة على أكبر المدن المغربية متمثلة في الرباطوالدار البيضاءوفاس (معقل حزب الاستقلال ورئيسه حميد شباط) يكون الحزب قد أسس صورته الراسخة كحزب كبير في البلاد بل وفى المنطقة العربية كلها.. وبما يتجاوز أى ادعاءات فارغة وكذوبة كتلك التصريحات التى قالها حميد شباط. استطاع الحزب الواعد _عربيًا وإسلاميًا _ أن يزيح حزب الاستقلال من مدينة فاس إحدى قلاعه التاريخية وسيطر الحزب للمرة الأولى في تاريخه على أهم المدن المغربية والحواضر الكبرى ذات التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. هزم اليسار فى العاصمة السياسية للمملكة الرباط وأيضًا كما ذكرنا فى فاس كما فاز بإدارة مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب في مقابل خسارته لقرى الريف والبلدات النائية التي يسهل التلاعب الانتخابي فيها بالمال. بالفعل رد الشعب المغربى التحية بأحسن منها فحصد الحزب ثمار إنجازاته الاجتماعية والاقتصادية التي حققتها حكومته منذ عام 2012 م، بالإضافة إلى نجاحه في تفكيك الماكينة الإدارية التي كانت تتحكم في العملية الانتخابية وتتلاعب بنتائجها .. وكانت تستند إليها الأحزاب التاريخية في المغرب. كل هذا يتم بين يدى انتخابات 2016 م البرلمانية خصوصًا أن الانتخابات التشريعية تكون في الغالب لصالح العدالة والتنمية أكثر من الانتخابات البلدية.. نجاح حكومة بن كيران كان رهنا بتحقيق التوازن مع القصر والتغلب على سدنة الحداثة المزعومة.. وخلال سنواته في السلطة أجرى الائتلاف الحكومى الذي قاده العدالة والتنمية إصلاحات هيكلية في مجال التمويل العام الذي اعتبره أولوية وقلص عجز الموازنة وقام بإصلاح نظام الدعم الذي أثقل كاهل الحكومة وجمد الوظائف في القطاع العام. وأحدث تغييرًا لمسه المواطن المغربي في حياته اليومية واستجاب لكثير من مطالب الشباب والفئات المثقفة. غير أن كل هذه مجرد تفاصيل أقل أهمية بكثير من (جوهر الموضوع ) الذي يمثله وجود حزب إسلامى فى السلطة أو مشاركًا فيها إلى جانب قيادة كبرى (القصر/الملك) وما يمثله ذلك من دلالات مؤثرة على الشأن العربي. ................ (نحن كانت لدينا شخصيتنا وأصبحت لدينا مدرستنا..الفرق بيننا هو أن الإخوان المسلمين في مصر لم يريدوا أن يشاركوا في السياسة إلا في إطار جماعة الإخوان المسلمين بخلافنا نحن دخلنا السياسة كحركة شعبية تم أصبحنا حزب العدالة والتنمية) هكذا قال مصطفى الرميد لأحد الصحفيين الذى (يتهمه) بأنهم فرع لجماعة الاخوان المسلمين . (أفِي شبيجل) أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة سان دييجو خلص إلى أن (هناك تباينًا بين التجربتين فحزب العدالة والتنمية لم يحكم وحده في المغرب واختار التحالف في الائتلاف الحكومي مع ثلاثة أحزاب أخرى من مشارب إيديولوجية مختلفة فضلاً عن الحكم إلى جانب الملك). أهم ما يستوقف أى متابع للحالة المغربية هو النجاح الكبير فى مقاربة موضوع الخلط بين (الدعوى والسياسى) وعدم وجود تمييز واضح بينهما.. والتى هى من أكثر الإشكاليات التى تواجه حركات الإصلاح الاسلامى ذات البعد السياسى وهناك بالفعل قلق حقيقى ومبرر عند معظم الفرقاء السياسيين من احتكار الإسلاميين السياسيين لورقة الدين التى يستطيع صاحبها أن يكتسح المشهد السياسى حتى من دون ميزة استثنائية إلا رفعه الراية الدينية.. وأيضًا تمثل مصادرة (للعمل الإسلامى) فى مساراته المختلفة لصالح مسار واحد وهوالمسار السياسى (أفشل مسارات الإصلاح فى المنطقة العربية) كما أنه يعرض العمل الإسلامي كله إلى أن يصبح عرضة للملاحقة والتضييق باعتباره بوابة خلفية يدخل منها الإسلاميون السياسيون إلى العمل السياسى.. وقد حدث هذا بالفعل مع الجمعية الشرعية فى مصر وكثير من الجمعيات الاجتماغية الخيرية.. والمبرر طبعا معروف . أصدقاؤنا فى المغرب كانوا على وعى رائع بالتاريخ..الذى يكرهه معظم السياسيين لدينا(إسلاميون وعلمانيون) وليس الرئيس مبارك فقط كما رد على المرحوم محمد السيد السعيد فى اللقاء المشهور بمعرض الكتاب .. انطلق الرجال ( الصادقون) نحو البناء الحق والإصلاح الحق وبعد أن اهتدوا بهدى التاريخ واعتبروا بعظاته فجمعوا أنفسهم فى تيار دعوى تربوى (حركة التوحيد والإصلاح) كان على رأسه العلامة الفقيه د.أحمد الريسونى (1992) تكون فى الأساس من حركة (الإصلاح والتجديد) مع (رابطة المستقبل الإسلامى) وتيار حزبى سياسى (حزب العدالة والتنمية) وأسسوا لعلاقة صحيحة مع النظام الملكى .. الحزب أصلاً كان مرخصًا له من العام 1976 م ولكن حدث قدر من التوتر بين الملك الحسن ورئيسه د. عبد الكريم الخطيب الذى رأى أن الجو أصبح معتكر الجوانب.. فانسحب من الحياة السياسية حتى كان العام 1992 فاتصلت الحركة الإسلامية بالدكتور الخطيب وعرضت عليه إعادة إحياء الحزب فوافق على شرط الاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف.. المهم هنا أن العلاقة بين الحركة والحزب شديدة الوضوح.. إذ لا علاقة تنظيمية على الإطلاق بين الاثنين.. من الممكن طبعًا أن تكون فى عضوية الاثنين لكن عمليًا لا علاقة على الإطلاق بين كونك عضوًا فى حركة التجديد والإصلاح وكونك عضوًا فى حزب العدالة والتنمية المهم هنا أيضًا أن الموضوع محسوم حسما موضوعيًا وعمليًا على مستوى الفكر قبل التطبيق.. الأستاذ محمد يتيم أحد أهم منظرى الحزب وصاحب الجهد الأكبر فى صياغة مقاربة التمييز بين الدعوى والسياسى فى الحركة.. يرى أن الحركة على مستوى الفكرة تنطلق من شمول الإسلام ومن ثم فقد كانت لها أهداف شمولية منها: الإسهام فى إقامة الدين فى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة وصولاً إلى الإسهام فى الحضارة الإنسانية الشاملة.. لكن شمولية أهداف الحركة لم تحجب عنها حقيقة أنها مجرد مساهم أو طرف فى العمل لإقامة الدين وليست الوحيدة فيه فالمغرب دولة إسلامية بها مكتسبات تاريخية للإسلام.. ومن ثم فلا تقدم الحركة نفسها كبديل وإنما كتجربة مكملة تتكامل مع غيرها.. فى هذه الجملة الأخيرة التى قالها الرجل الطيب محمد اليتيم قد تكون هناك إجابة على سؤال العنوان (أين الخطأ؟). المهندس محمد الحمداوى يرى أن العلاقة بين الحركة والحزب وصلا فى المرجعية الجامعة وفصلا فى الإطار التنظيمى. وهو يرى أن الحركة ضد توظيف الشعارات الدينية فى العمل السياسي الحزبي!! وهى تتخوف من أن تتأثر الدعوة سلبا بالسياسة !! التى ستستفيد منها حتما!! لكنها ستضر بها حال الربط المباشر بينهما.. فالعمل السياسى الإسلامى سيتراجع حتما ليس لمشكلة فيه وإنما لأنها سنة التغيير ومنطق الديمقراطية فأرقى الديمقراطيات لا يمكن أن يستمر البرنامج السياسى فيها أكثر من دورة أو دورتين ثم يتراجع ويحل بديلا عنه برنامج سياسى آخر) فى هذه الجملة الأخيرة التى قالها الرجل الطيب المهندس محمد الحمداوى قد تكون هناك إجابة أيضًا على سؤال العنوان (أين الخطأ؟). استقر الأمر فى تجربة العدالة والتنمية _أعمق وأرقى تجربة عربية_ على أن يقود العمل الدعوى والتربوى (حركة التوحيد والإصلاح) وأن يقود العمل الحزبى والسياسى (حزب العدالة والتنمية).. الفصل الإداري التام بين الكيانين كل يوم يزداد وضوحا.. هم لا يرون أنفسهم فى حاجة إلى أى مداورة أو مؤامرة.. كأصدقائنا(التنظيميين)!. ومما ساعدهم على ذلك أيضًا _وهذا هو الأهم_حالة (الحب) الرائعة الصادقة التى تجمعهم.. فهم (نفسيًا) على درجة عالية من(الصدق والبساطة) فيما بينهم وبين أنفسهم و(فكريًا)على درجة عالية من (العمق والثقافة) فيما بينهم وبين الدنيا والدين.. فكان طبيعيًا أن يسيروا هذا السير الهادئ الرصين باتجاه الأهداف والغايات.. وكان طبيعيا أن ينجحوا ويفشل غيرهم.