"نحن حزب قائم على الشريعة الإسلامية وتطبيقها واجب شرعى، نحن حزب مدني سياسي لم نقم على أساس دينى أبدًا، تهنئة الأقباط بأعيادهم لا تجوز شرعا، لا مانع من تهنئة إخواننا الأقباط بأعيادهم، لا للتحالف مع أحزاب غير دينية مرحبًا بالتحالفات الانتخابية طالما كانت بابًا لدخول الانتخابات البرلمانية".. كانت هذه أبرز ملامح التغييرات السياسية والشرعية لحزب "النور"، الذراع السياسية ل "الدعوة السلفية"، والتنازلات السياسية المليئة بالتناقضات منذ تأسس في أعقاب ثورة 25يناير 2011. تهنئة الأقباط لم يجد حزب "النور" حرجًا فى تحذير جماعة "الإخوان المسلمين" وقت وجودها في السلطة، من المخالفة الشرعية فى جواز تهنئة الأقباط بأعيادهم، إذ قال الدكتور يونس مخيون رئيس الحزب السلفى وقتها، إن "تهنئة الأقباط بأعيادهم الدينية مخالفة لسنة النبى محمد صلى الله علية وسلم" مخيون ذكر أيضًا وقتها أن "تهنئة الأقباط مسألة عقائدية لا نجبر عليها (النور والدعوة السلفية) وليس لها مجال للنقاش أو التنازل عنها، مضيفًا: "موقفنا كحزب سياسي، واضح من الأقباط، وفى حقهم الكامل فى ممارسة شعائرهم وحماية أموالهم وأعراضهم". ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية ورئيس لجنة الصحة بحزب النور، رأى أيضًا أن تهنئة الأقباط بأعيادهم "حرام شرعًا"، نظرًا لما "يتضمنه ذلك من اعتراف بأعياد المشركين ترتبط بعقائدهم المخالفة للتوحيد كميلاد الرب"، حسب تعبيره. وعقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، لم يعلق الحزب على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الكنيسة لتهنئة الأقباط في عيدهم، وهي الزيارة التي أربكت صفوف الحزب والدعوة. في حين قال برهامي وقت رئاسة مرسى إن "الدوام على تهنئة الأقباط لا يدخل ضمن البر والإحسان الذي أمرنا الله به"، عبَّر الحزب عن تأييده زيارة مرسى للكنيسة وكانت وجهة النظر حينها أن "حضور مرسى احتفال أعياد القيامة أمر مقبول، بهدف لم شمل جميع المصريين"، ولتحسين صورة الإسلاميين والرئيس ذى الخلفية الإسلامية". فيما سببت زيارة السيسى للكاتدرائية المرقصية بالعباسية، لتهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، تطبيق الشريعة وتعد فكرة تطبيق الشريعة هي المحور الرئيسي لحزب "النور" في الانتخابات البرلمانية في 2012، إلا أن هذا الموقف تغير بعد موافقته على إلغاء المادة 219 من الدستور، الخاصة بتفسير تطبيق الشريعة في المادة الثانية من الدستور، فضلاً عن تفويض الحزب لمؤسسة الأزهر الشريف وترك حرية التصرف والكلمة فيما يخص مواد الهوية الإسلامية له. في حين أكد الحزب أنه وضع ببرنامجه الانتخابي العام محاور وقضايا أساسية، منها قضية الفساد في مؤسسات الدولة وطرق محاربتها، وقضيتا البطالة والعشوائيات، ومشكلات الطاقة وتحدياتها، بجانب قضية التعليم وكيفية تطويره، مع عدم الإشارة إلى تطبيق الشريعة، معتبرًا ذلك نوعًا من المزايدة على المواطنين والدولة، ومشيرًا إلى أنها موجودة فى الدستور كمادة حاكمة. السلام الوطني خلال عزف السلام الوطني في برلمان 2012 امتنع أعضاء من حزب النور عن الوقوف، كما انسحب محمد إبراهيم منصور ممثل الحزب فى لجنة الخمسين (التى أعدت دستور 2013) أثناء عزف السلام الوطني، بعد الانتهاء من التصويت عليه، وتحجج بتلقيه اتصالًا هاتفيًا، إلا أن صلاح عبدالمعبود عضو الهيئة العليا للحزب فى 10 ديسمبر 2014، عاد ليؤكد أن أعضاء الحزب سيقفون للسلام الوطني، فى البرلمان المقبل، بخلاف ما حدث فى برلمان 2012. وفى زمن السيسى شارك يونس مخيون، رئيس حزب النور، فى افتتاح قناة السويس الجديدة، بعد تلقيه دعوة رسمية من رئاسة الجمهورية لحضور الافتتاح، مرتديًا زيًا مدنيًا دون رباطة عنق، لكونها حسب فتاوى العديد من مشايخ السلفية من المحرمات. ونشر حزب النور صور رئيسه وهو يقف أثناء عزف السلام الوطنى احتفالا بافتتاح القناة، رغم تحريم السلفيين الوقوف للسلام الجمهورى فى وقت سابق، ورفضهم فى أكثر من مناسبة الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني. إلغاء اللغة الإنجليزية النائب البرلمانى السابق عن حزب النور محمد الكردي، أثار أزمة تحت قبة برلمان 2012 طالت كل أحزاب الإسلام السياسي، بعد مطالبته بإلغاء اللغة الإنجليزية من التعليم المصرى نهائيًا، بدعوى عدم "دفن اللغة العربية"، فى حين سافر نادر بكار، مساعد رئيس الحزب لشؤون الإعلام، مؤخرًا إلى الولاياتالمتحدة للحصول على منحة جامعة هارفارد. التحالفات الانتخابية شهدت مرحلة الانتخابات البرلمانية 2012 عدم اتفاق بين حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، والحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، لاسيما فى القوائم، وقد سُئل ياسر برهامى عن جواز التصويت لقائمة التحالف الديمقراطي، والتى تضم تسعة أحزاب علمانية بخلاف حزب الحرية والعدالة، فأجاب أن هذا تحالف لم يقصد به نصرة المظلوم وإحقاق الحق، وليس كحزب الفضول، بل هو تحالف على تقسيم "الكعكة" فى البرلمان وأن يلزم التصويت لقائمة التحالف الإسلامى بقيادة حزب النور. بينما أعلن حزب النور فى فترة ما بعد 30 يونيو تأييده وجود حزب سياسى باسم الشيعة أو الملحدين، "طالما أن تلك الأحزاب التزمت بالقانون والدستور وطالما أنها لم تمارس فكرًا يُخالف عقيدة المصريين والكل لديه الفرصة للعمل السياسى السلمى ولم نتلق عرضًا لنكون وسطاء بين الإخوان والدولة". تشويه للحزب وفى تعليقه على ما يعتبره مراقبون مراوغات سياسية من قبل الحزب، أكد شعبان عبدالعليم، عضو المكتب الرئاسى للحزب، أن "الحزب لم يسبق له رفض التواجد أثناء عزف السلام الوطنى، والدليل على ذلك تأدية السلام الوطنى أثناء فعاليات اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وكذلك أثناء افتتاح قناة السويس الجديدة"، نافيًا معرفته إذا كان هذا الموقف تبناه أحد أعضاء الحزب أم لا، معتبرًا ذلك من الشائعات الهادفة لتشويه الحزب. وأشار عبدالعليم فى تصريحات ل"المصريون" إلى أن "فكرة علاقة الرئيس بالأقباط لا تعنى حزب النور فى شيء ولا علاقة لنا بتهنئة الرئيس للأقباط أو زيارة الرئيس للكنيسة كما لم نبد أى رأى فى زيارة الرئيس السابق محمد مرسى للأقباط"، نافيًا موافقة الحزب على فكرة إنشاء حزب للشيعة والملحدين. وأوضح عبدالعليم أن "البرنامج الانتخابى للحزب يشمل الشريعة فهى مرجعية الحزب وخياره، فكيف لم يشتمل برنامجنا الانتخابى عليه"؟ بحسب كلامه. وفى السياق، قال السيد مصطفى خليفة، نائب رئيس حزب النور وعضو مجلس الشعب السابق، إن "فكرة حضور الحزب أثناء عزف السلام الوطنى من عدمه غير مهمة إلى جانب الاهتمام بقضايا سوريا وليبيا وغيرها"، مشيرا إلى أن رأى الحزب فى إنشاء حزب خاص للشيعة والملحدين لا يكون عاملاً فى تأسيس أحزاب الشيعة والملحدين، وإنما هى مسألة ينظمها الدستور والقانون. وأضاف أن "هوية المجتمع المصرى ترفض مثل هذه الأحزاب لأن دخولها إلى الساحة السياسية سيحدث مشاكل تؤدى إلى اضطراب فى المجتمع"، رافضًا الإبداء بأى معلومة حول برنامج الحزب وما يخص الشريعة من عدمه، معتبرا أنه لا يجوز قانونيا الحديث عن أى شيء يخص الانتخابات إلا بعد إعلان موعد إجراء الانتخابات. توظيف حكومي وفى اتجاه آخر، أوضح خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية أنه "بالنسبة لحزب النور فهو حزب تأسس كما تأسست الدعوة السلفية التى يتبعها مرتكز على دعامتين: المال الخليجي؛ والتوظيف الحكومي". وقال سعيد إن "الأمن كان يزيح الإخوان من المساجد والمشاريع الخيرية ويحل محلها الدعوة السلفية "البرهامية" بل إن مسجد ياسر برهامى نفسه بالإسكندرية كان مسجدا من مساجد الإخوان، وبالتالى فهو أسير لهاذين المؤثرين اللذين يلعبان دور الموجة الحقيقى للدعوة والحزب". وأشار سعيد إلى أن "مواقف النور ليس لها علاقة بتأصيل شرعى، ولا توجهه مواقف مبدئية شرعية؛ إنما هو ما يمليه أولياء الأمور وأرباب التمويل أو الذى أسموه هم ليلبسوه لباسًا شرعيًا بالحاكم المتغلب". وأردف: "تحت هذا تندرج جميع المواقف المخزية من تحريمهم للثورة بدعوى تحريم الخروج على الحاكم - ولا أدرى لما خرجوا على مرسي - إلى انتفاعهم بالثورة -التى حرموها - إلى معارك الدستور الشيعة والشريعة فى عهد مرسى والتى تحولت للضد فى عهد المتغلب وغيرها من قضايا كتحية العلم وتطبيق الشريعة". ومضى بالقول: "دعنى أقول إن كل المعارك الإعلامية السياسية التى افتعلت واختلفت كانت من عبد المنعم الشحات وبكار ونواب النور كقضايا النصارى وشمع التماثيل والترامادول وتحريم الإنجليزى والبلكيمى وونيس وغيرها عشرات القضايا، إنما أثارتها دمى حزب النور بتوجيه أمنى واستخدمت ضد التيار الإسلامى كله ثم انسحبت كل هذه القضايا فجأة اليوم". وأكد القيادى الإسلامى أن "حزب النور كان هو المؤثر الرئيسى فى تعويق المسار السياسى المصرى كله فيما بعد الثورة وليس فقط الأداء الإسلامى السياسي". قراءة جيدة للمشهد وفى تفسيره للمواقف المتناقضة لحزب النور على مدار أربع سنوات من عمر الثورة، قال مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن "حزب النور كان منقلبًا على جماعة الإخوان المسلمين قبل أحداث 3يوليو"، معتبره أفضل الأحزاب الإسلامية قراءة للمشهد السياسي. وأشار غباشى ل"المصريون"، إلى أن "الحزب اتخذ موقف التأييد للنظام الحالى حتى يتجنب مصير السجون مثلما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الأحزاب والجماعات الأخرى المعارضة، ما طوعه ليضمن بقاءه على الساحة السياسية والمحافظة عل كوادره ووجوده فى ظل عهد السيسي". وأكد غباشى أن "النور بدعمه للنظام الحالى ضمن أن يكون جزءاً من العملية السياسية كما حافظ على وجوده، حتى لو كان مقيدًا"، منوها بأن "النور فى عهد مرسى كان أكثر حرية رغم أنه كان يتنازع مع النظام باستمرار وكان لديه القدرة على التحرك أكثر من الآن، لكن حاليا النور يعرف حدود نقده لذلك حافظ على وجوده".