طرح الدكتور أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة، عشرة مخاطر لما وصفها ب"مفاسد وشبهات" قانون مكافحة الإرهاب، الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي، في وقت سابق من الأسبوع الجاري. وأبدى "نور" في مقال تحليلي - حصلت المصريون على نسخة منه - رفضه - كقانوني وسياسي – للقرار الصادر برقم 94 لسنة 2015، بشأن مكافحة الإرهاب. وقال نور: "الحقيقة أننا أمام صورة فجة، من صور العمل القانوني المعيب، بكل أشكال العوار، والشطط، والنزق، والانحراف بسلطة التشريع، والتأشير بها، عكس خط السير". وأوجز المفاسد، والمآخذ، والمطاعن، والشبهات، حول هذا القانون في النقاط الآتية: أولاً: كذبا محضا، ذلك الادعاء، بوجود فراغ تشريعي في مواجهة الجرائم الإرهابية، استدعى من رئيس الجمهورية، ممارسة سلطاته التشريعية، "الاستثنائية"، - في غيبة البرلمان – بإصدار القرار بقانون 94 لسنة 2015. فقد أدخل البرلمان المصري، في 18/7/ 1992، تعديلات عالجت بتوسع الجريمة الإرهابية، من خلال تعديل في قانون العقوبات، وآخر في قانون الإجراءات الجنائية، وآخر في قانون محاكم أمن الدولة، وآخر في قانون سرية الحسابات بالبنوك، وآخر في قانون الأسلحة والذخائر- وغيرها. وعرف الإرهاب، والجريمة الإرهابية في المادة المضافة رقم 86 من قانون العقوبات، بصورة لم تخل من التوسع، وهو ما ينتفي معه مبرر العجلة، من الاحتياج لتشريع جديد للإرهاب، يصدر بقرار بقانون، - وليس بقانون - عبر سلطة التشريع، وصاحبة الحق الأصيل فيه. ثانيا: إننا أمام قانون يعصف بالحق الدستوري، والإنساني المستقر في المحاكم العلنية، والمنصفة، وحق الدفاع، والقضاء الطبيعي، وأصل البراءة، بل إننا أمام مشروع دستور مواز. ثالثًا: يخل هذا القانون في مجمله بأبسط قواعد التناسب والتوازن المطلوب بين فكرة الضرورة الاجتماعية للتشريع، وبين الحماية الواجبة للحقوق والحريات، فالقانون وسيلة للعصف بالعديد من الحقوق الدستورية، مما يخل بالتناسب بين المصالح المحمية بالقانون والمساس بالحقوق والحريات الدستورية.. وقد قالت المحكمة الدستورية في هذا وبوضوح في حكمها الصادر في 15 سبتمبر 1997 القضية 48 لسنة 18 "إذا تجاوز القانون الجنائي للحدود التي لا يكون معها ضروريًا أو يكون معها متصادمًا مع حقوق الإنسان وحرياته، غدا مخالفًا للدستور". رابعًا: إن هذا القانون يجسد صورة من صور ما يسمى فقهيًا بالتضخم العقابي inflation penale" من خلال الاستخدام المفرط للسلاح العقابي "Larme penale" في موضعه وغير موضعه مما يجعله مجردًا من كافة أشكال مشروعية التشريع، لعدم التناسب بين الفعل والعقوبة، وعدم التفريد العقابي، وخذ مثالًا لهذا بالمساواة في المواد 5 و6 بين الجريمة التامة والشروع في الجريمة، وإن لم تتم، وكذلك معاقبة المحرض على الفعل كفاعلة وإن لم يكن شريكًا في الفعل، بل ولو لم ينتج عن هذا التحريض جريمة أصلًا! خامسًا: قانون السيسي الأخير يتوحم على حرية الصحافة، ويعود بنا إلى ما قبل نقطة الصفر، ويجعلنا نترحم على ما كنا نسميه قانون اغتيال الصحافة الصادر عام 1995 والذي نجحنا في تعديله في البرلمان في ديسمبر 1995، بعد شهور من إصداره، بل هذا القانون يمد قيوده أيضًا لوسائل التواصل الاجتماعية التي باتت بفعل هذا القانون في مرمى التجريم وليس التنظيم. سادسًا: يتربص القانون بكل أشكال المعارضة من خلال استخدام ألفاظ وعبارات مطاطة، يجوز حمل أي عمل من أعمال الرأي أو المعارضة عليها بالصورة التي تحرم الوطن من الحق الطبيعي في النقد والرفض والخلاف السياسي ويعيدنا لزمن الصوت الواحد والرأي الواحد مجهضا كل مكتسبات ثورة يناير المجيدة. سابعًا: وأخطر نصوص هذا القانون في تقديري – هو المادة 8 منه التي تقول: "لا يُسأل جنائيًا القائمون على تنفيذ هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدد على النفس أو الأموال. ثامنا: وخطورة هذا النص "الفريد" أنه شديد الفاشستية ويقدم غطاء لعمليات التصفيات الجسدية التي تتم في مصر منذ شهور خارج إطار القانون، وبعيدًا عن أي سند فالأمر ليس في إطار الدفاع الشرعي عن النفس – كما قد يتوهم البعض – بل هو تقنين لجرائم يعاقب عليها قانونيًا، فلو كان دفاعًا عن النفس فما كان هناك معنى من هذا النص في ظل وجود النص 61 من قانون العقوبات الذي يعفى من العقاب في حالة الدفاع عن النفس لكنه إعفاء مقيد بما ورد في نص المادة 63 عقوبات بضرورة أن يقدم ما يثبت أن اعتقاده بالخطر على النفس كان مبنيًا على أسس، وأسباب معقولة، ومتناسبا مع حجم الخطر، إلا وقع في جريمة تجاوز الحق في الدفاع الشرعي عن النفس. تاسعا: لكن نوايا المشروع في قانون الإرهاب، لم تكن هي خلق سبب للإعفاء من العقاب على جريمة وقعت.. النص 8 من قانون الإرهاب، يقول في بدايته لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ هذا القانون. أي أنه يلغي الجريمة أصلاً، ولا يخضعها لكل أشكال المسألة، والتحقيق، ليكون للنيابة، والقضاء سلطة في تقدير معقولية الدوافع، والأسباب، ومدى تناسبها مع حجم الخطر الذي يوفر حالة الدفاع. إننا أمام نص ينقلنا من حالة القانون إلى حالة قانون الغابة، حيث لا حرمة لحياة الناس، وحقهم في سلامة أجسادهم إزاء سلطة متغولة في التشريع، ومعتدية علي الحقوق، والحريات. عاشرًا: أحسب أن المناخ العام، الذي صدر فيه هذا القانون، ربما يكون هو الأسوأ من القانون ذاته، لأنه يكشف الغاية الحقيقية من إصداره، والتي تأخذنا بعيدًا عن عنوانه، ومبرراته الظاهرية، التي يروج لها زورًا، وبهتانًا.. فالتعبئة الإعلامية الاستقطابية، خلقت مناخا رديئا من النزق، والشطط، يروج لفكرة التعامل مع المعارضة السياسية، بكافة ألوانها، وأشكالها، على قاعدة الاتهام بالخيانة، ودعم الإرهاب، والمشاركة في مؤامرات دولية، أو إقليمية - في أحسن الأحوال.