حل مشكلة الصرف الصحى بدير جبل الطير بالمنيا    في ثاني أيام عيد الأضحى.. قصف عنيف يستهدف منازل المدنيين في غزة    يورو 2024| فرنسا تعبر عقبة النمسا بالنيران الصديقة    حريق هائل يلتهم محل مقرمشات بالغربية (صور)    عمرو دياب في العرض الخاص ل «ولاد رزق 3» بالرياض    حب من أول نظرة في الانتخابات.. الفنان إيهاب فهمي يتحدث عن قصة زواجه    شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    سرادقات عزاء في عدة مراكز.. المنيا تسجل 6 حالات وفاة اثناء أداء مناسك الحج (صور)    «حياة كريمة»: توزيع 10 آلاف وجبة ساخنة على الأولى بالرعاية    مدفعناش للجماهير.. آل شيخ يكشف أسرار تواصله الأخير مع الخطيب    الخارجية الأمريكية: نعمل مع مصر وإسرائيل على إعادة فتح معبر رفح    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    سقوط كتل خرسانية كبيرة من عقار بمنطقة طه الحكيم بطنطا.. صور    أبرزهم خالد زكي وحمدي حافظ.. شائعات الوفاة تطارد كبار نجوم الفن    الخارجية الأمريكية: 9 كيانات مقرها في الصين سهلت حصول الحوثيين على أسلحة    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بختام ثاني أيام العيد الاثنين 17 يونيو 2024    ذكرى رحيل إمام الدعاة    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    "على نفقته الخاصة".. طلب عاجل من الأهلي بشأن مواجهة الزمالك    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    ستولتنبرج: نصف الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الولايات المتحدة    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    حمامات السباحة بالقليوبية تشهد إقبالا كبيرا في ثانى أيام عيد الأضحى    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    أسماء 23 مصابا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة قمامة على صحراوي الإسكندرية    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    لبيك اللهم لبيك    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    القبض على شخص بحوزته أقراص مخدرة بالخصوص    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    بيلينجهام: ألعب بلا خوف مع إنجلترا.. وعانينا أمام صربيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"دعم العدالة": قانون الإرهاب يثير القلق بشأن مدى حماية الحقوق والحريات
نشر في الوطن يوم 08 - 07 - 2015

أعربت مؤسسة دعم العدالة، برئاسة المحامي الحقوقي ناصر أمين، عن قلقها البالغ بشأن اتخاذ الإجراءات ذات الصلة، بإصدار قانون لمكافحة الارهاب، في غيبة برلمان منتخب، يتولى إصدار التشريعات، وفي اختزال لمراحل سن التشريعن وفق القواعد والأصول المتعارف عليها في دول العالم، كوجود جلسات استماع بين صناع القانون وصياغ القانون، واستشارة خبراء ذوي صلة بموضوع التشريع، ومناقشة إشكاليات التطبيق في الواقع العملي، ورأي خبراء الدستور، لمعرفة مدى اتفاق أو اختلاف النصوص صياغة وأحكاما مع القيم والمفاهيم الدستورية في مجملها، إلى آخر الضمانات المحاطة بمسألة إصدار التشريعات، لا سيما تلك التي تتصدى للتشريعات العقابية بشقيها الموضوعي والإجرائي.
وقالت المؤسسة، إن محاولة استجلاب أحكام استثنائية، ضمن أطر أحكام نصوص القانون العام، سواء في ذلك، التوسع في نطاق دائرة التجريم والإسراف في العقاب، أو التحلل من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، أو الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، أو التحصين الموضوعي للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أو الإخلال باستقلال القضاء وسلب القضاة لسلطتهم التقديرية في توقيع العقوبة، أو تحجيم وتقليص دور محكمة النقض، أو ترسيخ معايير التمييز على حساب مبادئ المساواة أمام القانون، من شأنه أن يمثل تهديدا لدولة القانون وللنظم الإجرائية، والمبادئ التي تواترت عليها الدساتير المصرية، واستقر العمل بها لدى المحاكم العليا المصرية، والتي مفادها ضرورة وجود نظم سليمة تقرر لتعقب الجريمة، ومحاكمة فاعلها في سرعة بغير تسرع، وفي حزم بغير افتئات ولا تطرف، وإذا كان من مقتضيات العدالة، أن يؤخذ المسيء بإساءته، فإن من مقومات وجود هذه العدالة، ألا يؤخذ البريء بجريرة المسيء، وألا يكون من وسائل الوصول للعدالة تهديد الأبرياء أو الاعتداء على الآمنين في حقوقهم وحرياتهم.
وترى "دعم العدالة"، أن التسرع في إصدار مثل هذا التشريع، ذا الخطورة الشديدة على حزمة من الحقوق والحريات، يثير العديد من بواعث القلق بشأن مدى حماية مشروع القانون للحقوق والحريات المكفولة بأحكام نصوص الدستور المصري، لا سيما الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية والحق في الحرية الشخصية، ومدى صيانة وعدم انتهاك ضمانات ومعايير المحاكمة العادلة والمنصفة، لا سيما ما تعلق منها بإجراءات ما قبل المحاكمة وأثناء المحاكمة وبعدها، وبحماية استقلال القضاء وحياده ونزاهته، وكفالة حقوق الدفاع والتقاضي على درجتين، والحق في الطعن على الأحكام أمام محكمة أعلى.
وأضافت المؤسسة، أن محاولات استصدار سلسلة من التشريعات العقابية والإجرائية، تحت دعاوى مكافحة الإرهاب - رغم تصدي قانون العقوبات المصري الحالي، وما طرأ عليه من تعديلات لموضوع مكافحة الإرهاب- لا يبرر أن يتنكب مشروع القانون للقواعد والأسس والمبادئ المتعارف عليها في سن التشريع، ولا أن يكون مبررا لوجود تشريع يمنح سلطات وصلاحيات مطلقة على حساب حزمة من الحقوق والحريات.
وتدعو المؤسسة، إلى احترام الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، التي استقرت على أنه تختل قواعد العدالة، إذا لم تكن قواعد التحقيق الجنائي وليدة تدبر عميق عند وضعها، بما تستلزمه من حبس وإفراج أو قبض وتفتيش، ومن قواعد للمحاكمة تتطلب للخصوم ضمانات كافية لحيدة القاضي وسداد قضائه، وكفالة حق الدفاع، وأخرى للطعن في الأحكام عندما تخطئ، وتنفيذها عندما تصبح قرينة على الصواب، لتكون عند التطبيق دستورا حقيقيا، يحفظ للمجتمع رغبته المشروعة في تتبع الجريمة، كما يحفظ للمحكوم البريء رغبته في ألا يناله من تتبعها عنت أو إرهاق.
وأوضحت المؤسسة، أن مشروع القانون يثير العديد من المخاوف، بشأن تهديده لحرية الرأى والتعبير، والحق في تداول المعلومات، وترسيخ العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، على خلاف ما جاء به دستور 2014، وعلى الرغم من مساس مشروع القانون بالحقوق والحريات، فإنه لم يتم عرضه لحوار مجتمعي، لتدارك ثغرة عدم وجود برلمان في مصر في هذه الآونة.
وتعرض مؤسسة دعم العدالة، بعض الملاحظات على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وعلى أحكام بعض نصوصه، وذلك على الوجه التالي:
أولا: إخلال نصوص مواد مشروع القانون بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات:
ومن ذلك ما ورد (بالبند السابع من المادة الأولى) من مواد مشروع هذا القانون، التي تصدت لتعريف العمل الإرهابي، بخاصة على أنه: "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع في الداخل أو الخارج، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر، أو غيرها من الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو الجهات أو الهيئات القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو دور العبادة أو المستشفيات أو مؤسسات ومعاهد العلم، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر، من القيام بعملها أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها، أو مقاومتها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، وكذلك كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة السابقة، أو الإعداد لها أو التحريض عليها، إذا كان من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه، أو بسلامتها أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات.
وتصدت المادة المشار إليها، لتعريف العمل الإرهابي أو الجريمة الإرهابية - رغم صعوبة وضع تعريف منضبط لهذه الجريمة حتى على المستوى الدولي– وعمد التعريف الوارد في مشروع القانون، إلى توسيع نطائق دائرة التجريم بإيراده مصطلحات فضفاضة للسلوك المادي فقط للجريمة، دون تعريف دقيق لهذا السلوك، ودون الإشارة إلى الركن المعنوي فيها، ومن ذلك عبارات "كل استخدام للقوة، العنف، التهديد، الترويع، إلقاء الرعب، تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر - وإلخ من العبارات غير المنضبطة الواردة بالمادة المشار إليها.
احتوت الصياغة على قدر كبير من عدم تحديد وغموض الأفعال التي يجرمها ويحدد لها عقوبات، كمصطلحات "الإخلال بالنظام العام، تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، الإضرار بالوحدة الوطنية، السلام الاجتماعي، الأمن القومي".. إلخ، بطريقة تجعل مضمون هذه النصوص خافية على أوساط الناس باختلافهم حول فحوى هذه الأعمال لأنها غير معرفة بطريقة قاطعة بالأفعال المنهي عن ارتكابها، ومجهلة بها ومؤدية إلى إبهامها، الأمر الذي يترتب عليه أن يكون إنفاذ العديد من هذه النصوص مرتبطة بمعايير شخصية، تخالطها الأهواء، وهي معايير مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيق النصوص لحقيقة محتواها وإحلال فهمهم الخاص لمقاصد النصوص التي قد يتجاوزوها التواء بها أو تحريف لها.
التوسع في نطاق التجريم، بطريقة قد يمكن معها إدراج أي فعل أو سلوك إجرامي أيا كان، أو حتى كافة الجرائم الورادة في قانون العقوبات تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب بشقيه الموضوعي والإجرائي، حيث ورد بنص المادة السابقة، عبارة "وكذلك كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة السابقة"، ذلك لأن الجريمة بصفة عامة، يترتب عليها وبالضرورة، أضرارا تصيب المجتمع في سلامته وأمنه ونظامه العام، حتى بالمفهوم الواسع لهذه المصطلحات.
صورة أخرى لعدم الالتزام بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، تضمنتها هذه المادة كذلك، باقتصارها في تعريف العمل الإرهابي على إيراد الركن المعنوي فقط للجريمة، دون إيلاء الاعتبار للركن المادي، ولعلاقة السببية ومن ذلك عبارة "كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة السابقة، أو الإعداد لها أو التحريض عليها، إذا كان من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه، أو بسلامتها أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات".
جاءت صياغة المادة، لتجرم "كل سلوك يرتكب" وحتى ما لم يكن مقترنا هذا السلوك، باستخدام (القوة أو التهديد باستخدامها) وهذه الصياغة تسمح بإدراج حقوق مكفولة بنصوص دستور 2014، تحت نطاق الجرائم الإرهابية ومن ذلك الحق في التظاهر أو الاضراب أو الاعتصام، أو حتى مجرد الدعوة لممارسة هذه الحقوق، وكذلك إيراد النص لللفظ "القوة" وهذا اللفظ مصطلح على أنه غير مقتصر على القوة المادية، وقد تتمثل القوة في بعض صور العنف المادي، كتنظيم المواكب أو التظاهرات، كأحد وسائل القوة والضغط على السلطة ،لاتخاذ إجراءات معينة أو الإحجام عن إجراءات معينة، وبالتالي تنتقل هذه الصياغة بالحق الدستوري، إلى عمل أو جريمة إرهابية يعاقب من يرتكبها بالعقوبات المغلظة الواردة في مشروع القانون، والتي قد تصل إلى حد الإعدام.
جاءت هذه الصياغات مخالفة للقواعد العامة في صياغة النصوص القانونية، التي تقتضى أن تصاغ التشريعات، لا سيما العقابية منها، أو التي تضيق من نطاق الحقوق والحريات، بطريقة توفر لها الحد الأدنى من الأسس اللازمة لضبطها، والتي تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها وإطلاق العنان لنزواتهم أو سوء تقديراتهم، وأنه يجب أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكما، حيث إن عموم عباراتها واتساع قوالبها قد يصرفها إلى غير الأغراض المقصودة منها، وهى تحض دوما على عرقلة حقوق كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية، أو تتخذ ذريعة للإخلال بها .
غموض صياغات نصوص مشروع القانون، سيؤدى وبالضرورة إلى التطبيق الانتقائي لهذا القانون، الذى قد ينطوي على التحكم في أغلب الأحوال، كذلك فإن العديد من المخاطبين بأحكام هذه النصوص سيختلط عليها نطاق الحظر وقد تمتنع عن ممارسة الأعمال والأنشطة التي داخلهم شبهة حظرها، وإن كان الدستور المصري والقانون في معناه العام لا يحظر ممارستها، وهى جملة أمور ستعصف بضمانات ومعايير المحاكمة العادلة والمنصفة، وتمثل تهديدا للحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية تداول المعلومات والحصول عليها بما سوف يؤدى إلى تضييق نطاق الحقوق والحريات الأساسية المكفولة للمواطنين بموجب الدستور المصري والمواثيق الدولية .الأمر الذى يدمغ العديد من هذه النصوص بشبهة عدم الدستورية ، كذلك فإن هذا المشروع في حالة إقراره سوف يعد وبالضرورة تحويلا لقوانين استثنائية شبيهة بقوانين الطوارئ الى قوانين عادية دائمة .
ثانيا : الخروج على مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة . وتقرير مساواة العقوبة في الجريمة التامة و فى الشروع أو التحضير .
جاء نص المادتين (الثالثة والرابعة) من مشروع القانون لتمثل صياغته خروجا على مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة ، حيث يعاقب النص المقترح " على الشروع في ارتكاب أية جريمة ارهابية بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة " وكذلك يعاقب المحرض بذات عقوبة الفاعل الأصلي وذلك بالخلاف لما اضطرد عليه العمل في القضاء الجنائي وقانون العقوبات المصري، وعلى خلاف ما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا والتي جاء في العديد من أحكامها الى أنه "وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد استقر علي أن شرعية الجزاء– جنائيا كان أم مدنيا أم تأديبيا– مناطها أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها فالأصل في العقوبة هو معقوليتها فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضا أو عاتيا أو كان متصلا بأفعال لا يسوغ تجريمها أو مجافيا بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسبا مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فأنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافا.. وحيث إن السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها، تقديرا بأن الأصل في النصوص التشريعية– في الدولة القانونية– هو ارتباطها عقلا بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص الطعين يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهاد ما مع مقاصده أو مجاوزا لها، ومناهضا– بالتالي– لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص علية في المادة 65 من الدستور، متى كان ذلك وكان المشرع الجنائي قد نظم أحكام الشروع في الباب الخامس من قانون العقوبات (المواد من 45 إلى 47) وهو الذي يسبق مباشرة الباب السادس الخاص بالاتفاق الجنائي، وكان الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، وكان مجرد العزم على ارتكاب الجريمة أو الأعمال التحضيرية لذلك لا يعتبر شروعا، بحيث يتعدى الشروع مرحلة مجرد الاتفاق على ارتكاب الجريمة إلي البدء فعلا في تنفيذها وكان الشروع غير معاقب علية في الجنح إلا بنص خاص، أما في الجنايات فإن عقوبة الشروع تقل درجة عن العقوبة المقررة لارتكاب الجناية أو بما لا يزيد علي نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة، فإذا أعقب المشرع تلك الأحكام بالنص في المادة 48 علي تجريم مجرد إرادة شخصين أو أكثر علي ارتكاب أي جناية أو جنحة أو علي الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها أو الجنحة محل الاتفاق، فانه يكون منتهجا نهجا يتنافر مع سياسة العقاب علي الشروع ومناقضا– بالتالي – للأسس الدستورية للتجريم."- (حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية بجلسة: 2/6/2001، في القضية رقم 114 لسنة 21دستورية.)
ثالثا :التكريس لمبدأ الافلات من العقاب وتقرير حصانة موضوعية للموظفين المكلفين بتنفيذ القانون:
جاءت صياغة المادة السادسة من مشروع القانون لتقرر ، وعلى خلاف المعمول به في قانوني العقوبات والاجراءات الجنائية المصري ، حصانة موضوعية للموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين ، وجعلت لهم سلطة مطلقة في استعمال القوة أثناء تنفيذ القانون وخلال عمليات القبض مثلا ، وصياغة النص على هذا النحو تمثل العديد من المخالفات لأحكام التشريع المصري ، سيما وأن القانون المصري يقر بالفعل نظرية الدفاع الشرعي عن النفس، لكن بالقواعد والشروط الموضوعية الواردة في قانون العقوبات ، والتي تحللت الصياغة الحالية لنص المادة المشار اليها منها حين نصت على أنه :" لا يسأل جنائياً القائمون علي تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم ، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال ، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر"
وتثير هذه الصياغة عدة إشكاليات على النحو التالي :
1. منح الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون حصانة موضوعية ، لا سيما في جرائم القتل والقتل خارج اطار القانون ، تحت دعاوى تنفيذ القانون ، والتعرض للخطر أثناء تأدية واجبهم ، حيث اطلقت يد السلطات المعنية بالقبض أو الاعتقال ، وحررتهم من المسئولية الجنائية حال استخدامهم للقوة ، بأن جعلتهم المعنيين بتقدير الظروف الموضوعية دون رقابة من النيابة العامة أو القضاء .
2. تفتح هذه الصياغة الباب لفساد المكلفين بتنفيذ القانون و تسهيل وقوعهم وتوريطهم في ارتكاب جرائم القتل والتعذيب بحق المطلوبين ، وشعورهم بوجود حماية ليست فقط اجرائية ولكن حصانة موضوعية كذلك .
3. غل يد النيابة العامة إزاء الجرائم التي ترتكب بحق مطلوبين سواء في ذلك القتل أو التعذيب ، والفصل بينها وبين اتخاذ اى اجراء بحق المتورطين في ارتكاب الجرائم أثناء القبض أو التفتيش .
4. سلب ولاية القضاء وحجبة عن مساءلة الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين المتورطين في ارتكاب جرائم أثناء عمليات القبض أو التفتيش .
رابعا : التدخل غير المبرر في سلطة القاضي التقديرية بما يمس استقلال القضاء بشكل قاطع.
وذلك بما ورد بصياغة المادة ( الثامنة ) من مشروع القانون والتي تنص على أنه :" استثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة المقضي بها في إحدى الجرائم المنصوص عليها بالمواد 12 / 1 ، 15 / 1 ، 16 / 1 ، 2 ، 17 / 1 ، 2 ، 18 / 1 ، 30 من هذا القانون إلا لدرجة واحدة" تمثل إخلالا باستقلال القضاء من خلال نزعها للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع في تقرير العقوبة ما بين حد أدنى وحد أقصى . إضافة الى اخلال هذه الصياغة بفلسفة القانون القائم على التفريق على أدوار المتهمين، وتقرر وانزال العقاب من قبيل الانتقام الأمر الذى يخرج العدالة عن دورها ، ويصل الى حد تدمير العدالة يدمر العدالة والقضاء.
خامسا: سلب ولاية القضاء الجنائي الطبيعي على بعض القضايا ،
وذلك بالنص على إنشاء محكمة مختصة بالنظر في جرائم الارهاب ، على خلاف المعمول به من إنشاء دوائر تابعة لمحاكم الجنايات للنظر في جرائم معينة . وهو ما يرقى الى مستوى المحاكم الاستثنائية في غير فرض حالة الطوارئ ، بما يمثل مساس باستقلال القضاء عبر اجراءات سلبه لولايته .
سادس: الاخلال بحق الدفاع ، وضرورة حضور المتهم بنفسه وتقديم ما يراه من دفوع أمام المحكمة ، حيث عصفت صياغة المادة ( 50) من مشروع القانون بهذه الضمانة حين نصت على أنه " استثناءً من أحكام المادة (388) من قانون الإجراءات الجنائية، يعتبر الحكم الصادر في أي من القضايا الواردة في هذا القانون حضورياً في حق المتهم إذا حضر وكيل عنه وأبدى دفاعه".
سابعا : تقرير عقوبات على مجرد الأفكار وليست الجرائم ، الأمر الذي يحيل العدالة والقضاء الى ما يشبه محاكم التفتيش ، بمحاكمتها الأفكار أو الترويج لها ، بدلا من المحاكمة على سلوك إجرامي ، ويتضح ذلك من نص المادة ( 26) من نصوص مشروع القانون حيث نصت على أنه :" يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنين كل من روج أو أعد للترويج ، بطريق مباشر أو غير مباشر ، لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى. ويعد من قبيل الترويج غير المباشر ، الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف، وذلك بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة من هذه المادة. ......."
ثامنا : المساس بدور محكمة النقض المصرية كمحكمة عليا في بعض القضايا واختزال دورها كمحكمة استئناف و تقليص الحق في التقاضي على درجتين في الجنايات ، على الرغم مما قرره دستور 2014 للحق في التقاضي على درجتين في الجنايات ، لمعالجة قصور في العدالة الجنائية امام محاكم الجنايات المصرية ظل لعقود طويلة ،جاءت صياغة المادتين ( 51و 52 ) من مشروع القانون لتنهى دور محكمة النقض كمحكمة عليا لرقابة مدى الالتزام بتطبيق القانون في أحكام المحاكم الجنائية ، واختزال دورها كمحكمة استئناف، ويتضح ذلك من نصوص المواد على النحو التالي :
المادة (51)
يكون الطعن في جميع الاحكام الصادرة في الجنايات والجنح المنصوص عليها في هذا القانون أمام محكمة النقض خلال أربعين يوما من تاريخ صدور الحكم. وتخصص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة النقض منعقدة في غرفة المشورة لفحص الطعون في الأحكام المشار اليها.
فإذا رأت الدائرة أن الطعن مرجح القبول احالته إلى دائرة أخرى بمحكمة النقض للفصل في موضوعه، وإذا رأت بإجماع الآراء أنه غير مقبول شكلاً أو أنه غير قائم على أسباب تبرره اصدرت قراراً مسبباً برفضه.
مادة (52)
استثناءً من أحكام القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وبمراعاة ما هو منصوص عليه في المادة (51) ، يتعين على محكمة النقض في حالة نقض الحكم المطعون فيه. ان تتصدى للفصل في موضوع الطعن "
تاسعا : تكريس الصلاحيات الاستثنائية لرئيس الجمهورية الواردة في قانون الطوارئ الاستثنائي ، في قانون عام دائم .
حيث جاءت صياغة المادة 54 من مشروع القانون ووفق صياغات فضفاضة بتقرير صلاحيات استثنائية لرئيس الجمهورية تحت دعاوى قيام خطر من أخطار الجرائم الارهابية ، وعلى الرغم من النقد الموجه لقانون الطوارئ الاستثنائي، ذو الطبيعة المؤقتة ، فقد تم النص على صلاحيات شبيهة بالواردة به في مشروع هذا القانون .، حيث نصت المادة المشار اليها على أنه :" لرئيس الجمهورية ، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليه كوارث بيئية ، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام ، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر.
ويجب عرض هذا القرار على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، فإذا كان المجلس فس غير دور الانعقاد العادي وجبت دعوته للانعقاد فوراً ، فإذا كان المجلس غير قائم وجب أخذ موافقة مجلس الوزراء ، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له ، ويصدر القرار بموافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس ، فإذا لم يعرض القرار في الميعاد المشار إليه ، أو عرض ولم يقره المجلس اعتبر القرار كأن لم يكن ما لم ير المجلس خلاف ذلك.
ويجوز لرئيس الجمهورية مد مدة التدبير المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب
ويشترط في الحالات العاجلة التي تتخذ فيها التدابير المشار إليها في هذه المادة بمقتضى أوامر شفوية على أن تعزز كتابةً خلال ثمانية أيام"
عاشر : انتهاك للحق في حرية العمل الصحفي وحق تداول المعلومات وحق المجتمع في المعرفة ، إضافة الى تعريض حرية الحفيين للخطر
وذلك كله على خلاف ما قرره دستور سنة 2014 ، حيث ذهب نص المادة ( 33 ) من مشروع القانون الى أن :" يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن،
وهو الامر الذى يمثل مساسا واضح بحرية العمل الصحفي، والحق في تداول المعلومات ، وكذا مساسا بحق المجتمع في المعرفة ، باعتبارها جميعا حقوق وردت في الدستور المصري 2014 ومصونه بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذى صادقت علية جمهورية مصر العربية واصبح جز من التشريع الداخلي، ولا يتوافر مبررا موضعيا لتقيدها والمساس بها على هذا النحو.
وفى المجمل يعد مشروع قانون مكافحة الإرهاب بمثابة حزمة من القيود على العديد من الحقوق والحريات الاساسية ،وماسا بها لدرجة تتجاوز حدود السلطات في وضع قيود في حالات الطوارئ وفقا لأحكام المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وكذا تعليقات مجلس حقوق الانسان عليها ، والتي ذهبت الى ان القيود على بعض الحقوق في حالات الطوارئ يجب ان تكون قيود ضرورية لمجتمع ديمقراطي، وان تكون مؤقتة غير دائمة وغير ماسة بأصل الحق المقيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.