* الطريق إلى بناء وطن قوى غنى قادر على حماية حدوده وسد احتياجات أبنائه من مطعم ومشرب لكل جائع , ومأوى لكل متشرد وعمل لكل عاطل , ودواء لكل مريض , ليس مفروشا بالورود والرياحين . كما أنه ليس مفروشا بالأماني والتمني , بل إنه محفوف بالمخاطر والتحديات والمصاعب والمشاق . إن الأمم لاتبنى بالشعارات , كما أن الدول لاتقوى بالنظريات , والشعوب لاتتقدم بالوعود والأمنيات. ستظل الفجوة شاسعة , والهوة واسعة بين النظرية والتطبيق مالم نتعامل بخبرة وحنكة وتأنى ودراية وعلم ودراسة مع واقع مجتمعنا الذي تغلغلت فى أحشائه أمراض سياسية واقتصادية وتعليمية وإدارية وفكرية مزمنة يستعصى علاجها بين يوم وليلة أو بين عشية وضحاها . إن الظن لايغنى من الحق شيئا , وان الحق هنا هو تقديم الفهم على العمل لأن عملا بلا فهم هو بمثابة إهدار للجهود , وإضاعة للوقت بلا فائدة مرجوة منه . * إن أي سلطة ناجحة فى أي وطن لابد لها أن تكون بمثابة الجراح الماهر الذي يضع مشرطه على موضع الورم والألم فيستأصله من الجسد حتى يتعافى ويسلم ويبدأ حياته من جديد بهمة وحيوية ونشاط . هل يتصور مثلا أن تبنى أي سلطة خطتها ومنهجها وتحدد أهدافها ووسائل تحقيق هذه الأهداف والغايات على كاهل مواطن جاهل فقير مريض عاطل متشرد..؟ . هل يتصور أن يتقدم الوطن ويقوى , والمواطن مريض..؟ هل يتصور أن يواكب الوطن مسيرة التقدم والحضارة والمواطن مازال جاهلا لايعرف القراءة ولا الكتابة ..؟. هل يتصور أن يقف الوطن على قدميه قويا عفيا , والمواطن كسيح عليل تنهش أنياب المرض كل أركان جسده..؟ . هل يتصور مثلا أن يكون الوطن والمواطن كيانين منفصلين لايعرف أحدهما الآخر , ولا يربط بينهما أي رابط ..؟. هل يتصور أن يعيش المواطن فى جزيرة نائية بعيدة مهجورة لايربطه بوطنه غير بطاقة الرقم القومي ..؟. * إن الفارق الشاسع بين مصر واليابان فى التقدم والعلم والتكنولوجيا والاستقرار والرخاء ليس فى كثرة الموارد الطبيعية التي تمتلكها اليابان ولا تمتلكها مصر . كما أن الفارق لايتمثل فى آبار البترول ومناجم الذهب والفضة التي تمتلكها اليابان ولا تمتلكها مصر . كما أن الفجوة الواسعة لاتتمثل في كثرة تعداد السكان فى اليابان وندرتها فى مصر . كما أن الفارق لايتمثل فى أن مصر تعرضت للعدوان عليها بالقنابل النووية وقد تعافت اليابان من ذلك , لان الذي حدث هو العكس . فقد ضربت اليابان بقنبلتين نوويتين فى مدينتى هورشيما وناجازاكي . ومع ذلك اليابان اليوم هى اليابان , هى التقدم والعلم والتكنولوجيا . ومصر اليوم هى الفقر والجهل والمرض والاستبداد والتخلف . إذا فما الذي صنع هذا الفارق الشاسع الذي يبلغ عنان السماء بين البلدين ..؟ . إنه بلاشك " الإنسان " فقد بدأت اليابان نهضتها بالتعليم فأعطت للمعلم مرتب الوزير وصلاحيات وكيل النيابة . أما عندنا فقد أعطينا المعلم صلاحيات الغفير ومرتب بائعة الجرجير..!؟. * ستبوء أي سلطة حاكمة بالفشل الذريع السريع إن بنت وأسست دولتها على شفا جرف هار . إن المواطن المصري ظل يعانى طيلة العهود الاستبدادية السابقة ولاسيما فى عهد الطاغية المخلوع من تسطيح للعقل , وإهمال فى التعليم , وفشل فى البنية الأساسية الخدمية , وعدم اكتراث فى الخدمة الصحية . فعمت الأمراض , وتفشى الجهل , وانتشرت الأوبئة , وسادت الأمراض المزمنة كالسرطان والكبد الوبائي والسكر والضغط وفقر الدم وعدم الرعاية الصحية والاجتماعية . ناهيك عن نسبة الأمية العالية بين شرائح الشعب . وحدث ولاحرج عن الفشل الاقتصادي والتوتر الامنى وعجز الموازنة المرعب , والفجوة بين الأجور والأسعار , وتحول المجتمع المصري إلى طبقتين , طبقة الأسياد التى تمتلك الثروة والحكم وتنعمت بالخيرات والثروات , وطبقة العبيد الكادحة التي لاتجد قوت يومها . * إن مايعانيه " الوطن " اليوم من تلك الفصيلة من نوعية " المواطن " الذي يقبل الظلم ويراه عدلا , وينعم بالديكتاتورية ويراها ديمقراطية , ويرضى بالعبودية ويراها حرية , ويستسيغ لون الدماء ويراها تستوي مع لون الماء . كما يستوي عنده حكم ديمقراطى مع حكم ديكتاتورى , ولاتفرق معه حاكم عادل مع حاكم ظالم , كما لايهمه وطن قوى أو وطن ضعيف , كل هولاء وهولاء لم يخرجوا علينا من باطن الأرض فجاه , وإنما هم نتاج عقود طويلة عقيمة رضخوا فيها لسلطات غاشمة مستبدة سلطت عليهم وسائل إعلام غسلت تلك الأدمغة وشوهت تلك العقول , وأمرضت تلك الأبدان , وغيرت ثقافة ومفاهيم وعقيدة تلك الأجيال . ومن ثم فان إعادة صياغة عقول تلك الأجيال وضبط مفاهيمهم وتطهير أفكارهم مما علق بها من شوائب الأنظمة السابقة هو الأولى والاوجب لمن يريد صلاحا أو إصلاحا . * يقول الدكتور محمد إقبال " الصفوف معوجة منشقة والقلوب خاوية حائرة والسجدة خامدة جامدة لاحرارة فيها ولاشوق ولا عجب فقد انطفأت شعلة القلب وخمدت جمرة الفؤاد " . وعندما قرأ أحد الدعاة المصلحين هذه المعاني قال معلقا " إنه عرف أن ضعف القيادة وراء كل هذا الاضطراب والفوضى بين الناس وأن السر فى ضعف الحياة وتضعفها هو فقدان التربية لدى القادة والزعماء وجمود القلب والعاطفة . إن القادة هم قلب الجماهير ولكن قلوب هولاء القادة بنفسها عدلت عن مكانها المقرر المرسوم وامتلأت بحب الدنيا وحب الجاه بدلا من الإيمان واليقين ." لكن السؤال هو وهل تتقدم الأمم بقيادتها فقد وشعوبها نائمة متخلفة أم إن القيادة القوية الواعية هى نتاج شعب قوى واع ناضج ..؟. الأمل كبير فى إعادة صياغة عقول ومفاهيم شرائح كثيرة فى هذه الأمة حتى يهيئ الله لها لها قادة يحملون همومهم ويفرجون كروبهم ويعاملونهم كمواطنين لهم حقوق وليس خدم عليهم فقط واجبات .