مع اقتراب الموعد الذي حدده الرئيس الأمريكي أوباما للانسحاب من العراق نهاية العام الحالي، تطفو على السطح قضية مهمة، وهي جاهزية الجيش العراقي لحماية العراق والحفاظ على الأمن، وقدرة الجيش الدفاعية والقتالية، وعلى من يعتمد في أسس تدريبه , هل على الطرق الأمريكية أم غيرها من طرق تدريب الجيوش في العالم؟. وكعادة ساسة العراق اليوم فإنه لم يتوصل إلى قرار نهائي وحاسم بشأن الجهة المسئولة عن تدريب الجيش العراقي وسط تجاذبات تلك الكتل ما بين المطالبة بأن تشرف القوات الأمريكية على التدريب أو أن تقوم دول أخرى بالإشراف على هذا التدريب. وزارة الدفاع العراقية الحالية قدمت بيانات عن عدد أفراد الجيش العراقي، مبينة أن عدد قوات الجيش الجديد الحالية قارب 130000 مائة وثلاثين ألفًا، من ضمنها 115000 مائة وخمسة عشر ألفًا في القوات البرية و700 سبعمائة في القوة الجوية و 1100 ألف ومائة في البحرية و 1500 ألف وخمسمائة في القوات الخاصة و 11000 أحد عشر ألفًا في مختلف الوحدات الإسناد القتالية. وبينت البيانات أن الجيش العراقي يتألف الآن من 114 مائة وأربعة عشر فوجًا قتاليًّا مُجهزًا ومدربًا، ويقوم بمهامه القتالية في الميدان، ومن ضمنها فوج مكافحة الإرهاب (قوات العمليات الخاصة)، وفوج الصاعقة، بالإضافة إلى وجود ثمانية أفواج للبنية التحتية الإستراتيجية. وأشار المكتب الإعلامي للوزارة إلى أن هناك 88 ثمانية وثمانين فوجًا قتاليًا و 26 ستة وعشرين مقر لواء و 6 ستة مقرات فرق تقوم بالسيطرة على عملياتها القتالية بشكل مستقل. واليوم فإن الأكاديميات العسكرية الثلاث في العراق أخذت على عاتقها مسؤولية تأكيد مهنية واحتراف الجيش العراقي، حيث تخرج 73 ثلاثة وسبعون ضابطًا من أكاديمية الرستمية، تدربوا على نفس أسس وقواعد كلية سانت هيرست في بريطانيا و 411 أربعمائة، وأحد عشر ضابطًا من أكاديمية زاخو، ويتم الآن تدريب 118 طالبًا في كلية قلا جولان في السليمانية, هذه الإحصاءات كما ذكرت مقدَّمة من قبل وزارة الدفاع العراقية عن الجيش العراقي , ولكن السؤال: هل هذه الأعداد فعلًا مهيأة عسكريًا وقتاليًا للدفاع عن العراق وحماية أمنه وأمن شعبه؟ بالتأكيد أن واقع الأمن في العراق يجيب إجابة حتمية على عدم قدرة تلك القوات على تحقيق الأمن في العراق، وهي بحاجة ماسة إلى التدريب الأكاديمي، وليس تدريب المليشيات والعصابات المسلحة والمرتزقة. وكانت الحكومة العراقية قد بدأت مفاوضات مع الجانب الأمريكي للإبقاء على عدد من المدربين الأمريكيين تناط بهم مهمة تدريب الجيش العراقي بعد انتهاء الاتفاقية الأمنية نهاية عام 2011، بيد أن هذه المفاوضات سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود، مع رفض معظم الكتل العراقية منح الحصانة القضائية للمدربين مقابل إصرار الجانب الأمريكي على هذه الحصانة. الناطق باسم القوات الأمريكية جيفري بيوكانن قال: "لم يصل شيء من الحكومة العراقية بعد، والولايات المتحدةالأمريكية لن تتخلى عن حصانة المدربين". وأضاف بيوكانن أن "عدد الجنود الأمريكيين في العراق حاليًا أقل من 37 ألف جندي، وعدد القواعد الأمريكية يبلغ حاليًا 12 قاعدة، وهذه الأرقام ستستمر بالتناقص إلى حين الانسحاب الكامل نهاية العام الجاري. أما العقيد جونسون بيري، وهو أحد متحدثي القوات الأمريكية في العراق، قال: "إننا نؤمن بأن العراق كدولة ذات سيادة ستأخذ بنظر الاعتبار وبجدية مسألة الاحتياجات الدفاعية والأمنية للجيش العراقي", مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية "ستتخذ القرارات المناسبة التي تصب لصالح شعبها". وشدد بيري على ضرورة أن "يتوخى العراق الحذر، ويعمل على ما هو مناسب لأمنه ودفاعه, والنظر في جميع الخيارات قبل اتخاذ القرارات". آراء الكتل السياسية في العراق حول قضية تدريب الجيش العراقي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر, الذي تمثل كتلته 40 نائبًا في البرلمان الاتحادي و8 وزراء في الحكومة, أعلن على لسان المتحدث باسمه عن موقف التيار الرسمي, المتمثل بالسعي للبحث عن بدائل للقوات الأمريكية التي ستتولى مهمة تدريب القوات العراقية، كاشفًا عن استعداد فرنسا والصين وروسيا للقيام بهذه المهمة بدلًا عن الخبراء الأمريكيين. أما القائمة العراقية التي يتزعمها أياد علاوي عبر عنها النائب عن القائمة عبد الكريم الحطاب، مبينًا أن "القرار مرهون بتوافق الكتل السياسية". فيما أشار نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في حديث لوسائل الإعلام في بغداد إلى أن العراق "اشترى أسلحة ومعدات من الجيش الأمريكي بمليارات الدولارات بحاجة للتدرب عليها"، مضيفًا أن "جانب التدريب أقرته كافة قيادات الكتل السياسية، وأصبح قرارًا وطنيًا، إلا أن الموضوع معلق على الحصانات". أما ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي فأكد على لسان محمد صيهود، ممثل قائمة المالكي في البرلمان، أن "خيار تدريب نخبة من الجيش العراقي من قبل مدربين أمريكيين في دولة ثالثة هو الأوفر حظًا". وأضاف صيهود: "في حال عدم تحقيق الإجماع ستناط مهمة تدريب الجيش العراقي ببعثة الناتو للتدريب في العراق ومدربين يتم استقدامهم من خلال التعاقد على استيراد الأسلحة". ويحذر ساسة عراقيون من عدم التوصل إلى تحديد خيار قبل موعد الانسحاب الوشيك. ويقول القيادي في كتلة التحالف الكردستاني محمود عثمان وكتلته من مؤيدي منح الحصانة للأمريكيين: إن "انسحاب القوات الأمريكية في ظل وضع أمني متدهور وعدم وجود غطاء جوي وجيش غير جاهز لحماية الحدود سيجعل العراق على حافة الهاوية", على حد قوله. لكن على ساسة العراق اليوم أن يدركوا مليًّا أن مشكلة جيش العراق اليوم وقواته الأمنية لا تكمن في التدريب، وإنما في أفراد الجيش العراقي نفسه وولائهم , لأن جيش عراق اليوم قسم كبير منهم هم من ذوي السوابق والإجرام، ومن خلايا المليشيات والعصابات الشيعية الطائفية التي التحقت بالجيش، والتي يكون ولاؤها للطائفة والحزب وليس الولاء للوطن والشعب.