في ثلاث مقالات سابقة ، بينت أن الغرب "المسيحي" لا يهمه الدفاع عن المسيح حتى يهتم بالزود عن "محمد" عليهما السلام ، و المسألة هنا كما سبق أن بينت ايضا ، لا تتعلق بحرية التعبير .. فهذه الحرية تكال في الغرب بعشرات المكاييل ، و العالم الغربي لا يهتم بالمسيح باعتباره رمزا دينيا و لكن يهتم بالمسيحية كثقافة و حضارة و انتماء و هوية . هذا الفارق ينبغي أن نتفهمه حال شئنا ان نفهم لماذا يتعمد الغرب الاساءة للاسلام و لنبيه صلى الله عليع و سلم . الغرب لا يعنيه ان تكتب كلمة مسلم في خانة الديانة مثلا .. و لا يعنيه إن عاش بين ظهرانيه ملايين المسلمين ، طالما ظلت الثقافة و الحضارة "المسيحية اليهودية" هي الحاضنة لسلوكهم و تصرفاتهم ، بمعنى أن تظل "هوية الغرب" الحضارية و الثقافية على حالها لم تمس بأذى و لم تتهددها ثقافة أخرى بالتغيير و التبديل .. في هذه الحالة تظل المؤسسة الرسمية الغربية على حيادها .. متحلية بإرث التنوير و العقلانية و القابلية لاستيعاب التنوع الثقافي .. طالما ظل هذا التنوع على ضعفه و لم يهدد ثقافتها و هويتها الحضارية . غير أنها تتخلى عن هذه الحيدة .. و تتدخل مباشرة حال استشعارها بأن هويتها و ليست علمانيتها باتت في خطر حقيقي من قبل ثقافة جديدة وافدة تتوهج و تتألق بين ظهرانيها ! و أعيد و أذكر هنا و أقول : هويتها و ليس علمانيتها .. لأن العلمانية كما اسلفت في مقال سابق لا تصنع هوية ولا أمة . و التهديد الحضاري هنا أو الثقافي .. ليس بالعدد و إنما بمدى سيادة و انتشار الرموز الدالة على الثقافة أو الحضارة .. الغرب على سبيل المثال لم يعبأ أصلا بانتشار الصلبان أو الكيبة اليهودية ، لأنهما يعبران عن ارثه الحضاري " المسيحي اليهودي " .. و إنما اعربت عن قلقها بسبب انتشار الحجاب بين المسلمات لأن الحجاب "رمز" يعبرعن ثقافة و حضارة ليست مغايرة و حسب ، و إنما حضارة لها دور رسالي و مناضلة في آن . قد يرد البعض بالقول إن فرنسا ، ساوت في الحظر على ارتداء الشارات الدينية بين الثلاث الديانات ! و هذا صحيح و لكن لماذا الأن بالذات ؟! اعتقد ان حشر الصلبان و الكيبة اليهودية جاء من قبيل التجمل بالحيدة و اخفاء نزعة التحيز الحضاري في القضية برمتها .. و قد يستخف البعض الآخر بالموقف الغربي من مسألة "الشارات الاسلامية" و يقول بسخرية : كيف تهتز اوروبا بجلالة قدرها من بضع نساء يرتدين الحجاب ؟! و هنا أقول : إن المشكلة ليست في الحجاب في حد ذاته و إنما فيما يخفيه الحجاب من دلالات حضارية و ثقافية يراها الغرب تهدد حضارته و ثقافته . و في هذا الإطار تحضرني بعض الإضاءات للصحفي المصري ، محمد جلال كشك ، رحمه الله ، أثناء اشتباكه مع دعاة "حقوق المرأة" ، في مصر ،التي لا نبالغ إن قلنا إنها أصابت كبد الحقيقة ، فيما يتعلق بالجدل الدائر بشأن "الحجاب" سواء أكان هذا الجدل محتدما في العالم العربي ، أو في غيره على نحو ما حدث في فرنسا . أوضح كشك أن هناك ثمة علاقة مفترضة "بين الحجاب و الدين" أو الانتساب الحضاري ، بمعنى أن الحجاب بالإضافة إلى كونه فريضة هو في واقع الحال رمز أو دلالة على الانتماء للإسلام و لثقافته القرآنية . ربما تكون هذه العلاقة ، غير حاضرة في خاطر المحجبات ، و لكنها حاضرة حضورا ملتهبا في تفكير المعارضين للحجاب . و من ثم فإن الهدف ليس تعرية رأس الفتيات و لا تحرير المرأة من الحجاب بل "قطع رأس الإسلام" على حسب قوله . [email protected]