لقد بدا واضحاً حجم تقاطعات القوى في الشأن السوداني،، و على وجه أخص في معركة رئاسةالاتحاد الإفريقي التي خاضها السودان خلال انعقاد القمة الأخيرة بالخرطوم،، فمعركة كرسي الرئاسة- و من قبلها معركة استضافة القمة نفسها- لم تكن إلا انعكاساً للصراعات الداخلية و الخارجية التي يعيشها السودان، و التي تفاقمت حدتها خلال الآونة الأخيرة بشكل مرعب و منذر بخطر وشيك، منذ أن بدأت الترتيبات الأولية لإيقاف الحرب في الجنوب السوداني بمشروع تسوية سياسية يفسح المجال لأغراق الأرض بطوابير القوات الأجنبية المسماة (دولية)، وقد بدأت معها الترتيبات لنقل الحريق إلى الجزء الغربي من البلاد؛ حيث ترقد الأرض على مستنقع من النفط و المعادن و الثروات الطبيعية، و هناك انفجر صراع النفوذ بين فرنسا و أمريكا بشكل أساسي، و انفجر معه الصراع الأهلي في الدولتين الجارتين (السودان) و (تشاد) منطقة النفوذ الفرنسي التي تزاحم أمريكا لاختراقها، لقد تفجر الصراع في دارفور و كان واضحاً منذ البداية أن للأيادي الأجنبية دور كبير في تحريكه عن طريق دعم الفصائل المتمردة بالسلاح و الدعم اللوجستي،،ففضلاً عن شحنات الأسلحة المهربة التي ضبتها الحكومة السودانية لأكثر من مرة، جاء رئيس بعثة الأممالمتحدة في السودان (إيان برونك) قبل أيام ليكشف عن تقرير رفعه فريق الخبراء التابعين للأمم المتحدة- و تم رفعه لمجلس الأمن – يشير إلي أن هناك دولا قامت بتسريب أسلحة إلي دارفور)،، و لكن الانقسامات التي ضربت جسم الحركات المتمردة في دارفور أدت إلى إضعاف دورها بشكل أساسي،، بل أصبحت في خاتمة المطاف عبئاً ثقيلاً و خطراً يتهدد الوجود الأجنبي نفسه في دارفور،، فقوات الاتحاد الإفريقي ظلت تتعرض لهجمات متكررة من قبل متمردي دارفور حتى طلبت من الحكومةالسودانية توفير الحماية لها و إلا لن تستطيع أداء دورها،، كما صارت ممتلكات المنظمات الطوعية و موظفيها هدفاً مباشراً المليشيات المتمردة،، كل ذلك كان مبرراً كافياً للتفكير بإرسال قوات دولية بدلاً عن القوة الإفريقية العاجزة عن حماية نفسها فضلاًٍ عن حفظ الأمن و السلم،،و زاد الأمر تعقيداً إعلان تشاد أنها في حالة حرب مع السودان الذي يدعم المعارضة المسلحة ضد حكومتها بغرض الإطاحة بها،، لم يكن أمام السودان كي يدفع شبح قوات دولية جديدة عن أراضيه، إلا أن يسعي بكل السبل للتأكيد على قدرة الاتحاد الإفريقي على أداء دوره في دارفور،، و كانت رئاسة الاتحاد الإفريقي واحدة من السبل التي يمكن أن تكون مجدية ، فبوابة الاتحاد الافريقي يمكنها أن تدخله لقاعات العالم المختلفة وخاصة انه سيمثل إفريقيا وليس الخرطوم، و كان السودان قد طلب - في قمة سرت- استضافة الدورة السادسة لقمة الاتحاد الإفريقي، ثم بدأ حلمته لترشيح نفسه للرئاسة فور موافقة الاتحاد على الاستضافة، و على إثر ذلك بدأت معركة مضادة لإجهاض المشروع السوداني كانت في طليعتها منظمة هيومان راتيس ووتش التي أعلنت أن السودان (غير مؤهل لاستضافة القمة) و تحركت تشاد، و تبعتها حركات دارفور المتمردة التي أعلنت أنها ستنسحب من منبر أبوجا التفاوضي إذا تم ذلك،، و حين أصر الاتحاد على قراره بقبول استضافة السودان بدأت معركة أخرى، و لكن اللاعب الأكبر كان هذه المرة هو الولاياتالمتحدة بنفسها، حيث قامت بتحريك دول غرب و وسط إفريقيا ضد مشروع الرئاسة، هذا الأمر نفسه هو ما أكده وزير الداخلية السوداني حين صرح بأن مساعدة وزيرة الخارجية الإمريكية للشؤون الافريقية (جنيدي فرايزر)كانت تتحدث مع عدد من القادة الأفارقة حول ضرورة أن لا يتولى السودان رئاسة الاتحاد الافريقي، وعندما أعلن القرار من المنصة أسرعت مهرولة من القاعة الرئاسية لمهاتفة آخرين وإرسال التهاني لهم بأن السودان خسر رئاسة الاتحاد الإفريقي، و على الرغم من أن القادة الخرطوم حاولوا أن يقنعوا الرأي العام بأن قضية رئاسة الاتحاد الإفريقي لم تكن أمراً ذا بال، و أنها ضخِّمت إعلامياً، إلا أن طعم المرارة لم يبارح حلوقهم،، و شبح قوات دولية جديدة مازال ماثلاً؛ خاصة مع تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لصحيفة الواشنطن بوست: أن الوقت مناسب للنظر في إمكانية إرسال قوات دولية إلى إقليم دارفور، و أن تلك القوات ستكون بحاجة إلى دعم كبير و صلاحيات واسعة بما فيها استخدام القوة إذا لزم الأمر لحماية المواطنين، * كاتب و باحث سوداني