كشف الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن ما وصفه بأخطاء وخطايا الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، التي دفعت القوى المدنية المحسوب عليها، للنزول للشارع في 30 يونيو، كما اعترف بأن هناك خطايا وقعت فيها القوى المدنية كذلك عقب 3 يوليو، وظهرت بأنها تستقوي بالجيش لعزل الإخوان من الحياة السياسية، ولم تستند إلى الشارع والجماهير للوقوف حيالهم. وقال «حسني» في مقال له نشره اليوم موقع «التحرير» تحت عنوان «التفويض بين الضرورة والعبثية»، أن الجميع أخطأ لأنه لم يضع للتفويض شروطا زمنية وموضوعية كانت كفيلة بترشيد تحركات القائد العام للجيش، وضمان عدم توظيفه هذا التفويض وكأنه شيك على بياض يضمن لصاحبه السحب على المكشوف من رصيد مدنية الدولة تحت حساب «مواجهة الإرهاب»! وقد ساعد على ذلك تشوه المشهد السياسى المصرى، وأخطاء فادحة -قد تصل إلى حد الخطيئة السياسية- ارتكبتها التيارات المدنية فى تعاملها مع الحدث حتى بدت وكأنها لا تملك من معطيات المشهد السياسى شيئا، وهى صورة ظلت تتأكد يوما بعد يوم حتى وصلنا إلى التفويض. وأضاف في مقاله «: دعونا -قبل أن نستطرد- نتوقف أولا عند أخطاء الجماعة وخطاياها التى أوصلتنا أصلا إلى 30 يونيو، وهى أخطاء وخطايا يرفض أعضاء الجماعة وحلفاؤها ومناصروها الاعتراف بها حتى اليوم، ظنا منهم أن الفوز فى الانتخابات كان يضمن للجماعة شرعية غير مشروطة، مهما كان حجم الأخطاء ومهما كان حجم الخطايا التى ارتكبتها بعد فوز مرشحها فى انتخابات رئاسية جرت تحت شروط ما زالت تثير الجدل حتى اليوم، وهو ما قد يستدعى يوما ما حديثا أكثر تفصيلا عن أخطاء وخطايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال فترة إدارته لشؤون البلاد بعد ثورة يناير 2011». وتابع«: فعلى الرغم من أن الجماعة كانت قد نجحت –نتيجة أخطاء المجلس العسكرى السياسية والتاريخية– فى أن تفرض نفسها على المشهد السياسى، بل وعلى المشهد التشريعى بالكامل، فإنها بقيت حتى 30 يونيو 2013 جماعة خارج القانون، ورفضت دائما تقنين أوضاعها بحجة أن القانون المصرى لا يناسبها! ظل قادة الجماعة يراوغون الدولة، وينشئون حزبا شرعيا رغم أن الجماعة لا شرعية لها، فضلا عن أنه لا جماعة فى أى دولة يمكنها أن تنشئ حزبا وإنما تنشئه فقط جماعة من الأفراد الذين يجتمعون على المبادئ التى يقوم عليها الحزب، والفرق شاسع بين جماعة تجتمع على مبادئ الحزب، وجماعة تجتمع على غير مبادئ الحزب لكنها تنشئ حزبا يدين بالسمع والطاعة لمرشد الجماعة الذى كان قد صرح فى وسائط إعلامية منشورة بأن منصبه أعلى من منصب رئيس الدولة!!» واستطرد: بقيت الجماعة بعد ذلك تستمرئ مراوغة الدولة ومراوغة نظامها القانونى، فأنشأت جمعية باسم جمعية الإخوان المسلمين، وسجلتها بسرعة ملحوظة كجمعية أهلية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، دون أن تقوم الجماعة التى أنشأت الجمعية بحل نفسها! فكأن الجماعة قد أنشأت جمعية، دون أن تتحول الجماعة إلى جمعية! بل بقيت الجماعة بكل مواردها المالية، وبكل هياكلها التنظيمية، وبكل علاقاتها الدولية وارتباطاتها الأيديولوجية، تعمل خارج قوانين الدولة وخارج ولاية نظامها القانونى والإدارى، وبقى رئيس الدولة –الدكتور محمد مرسى– مرتبطا بها، وكل مشاهد القصر الجمهورى –الذى لم يعد جمهوريا– تشهد على هذه الانحرافات، ومن ثم فإن قرار المصريين بالخروج فى 30 يونيو –بل وحتى قبلها– مطالبين بسقوط حكم المرشد لم يكن قرارا ضد «الشرعية»، بل كانت المطالبة بسقوط حكم المرشد مطالبة باستعادة «الشرعية»، وقد كان يمكن لرئيس الجمهورية وقتها أو قبلها أن يصحح هذه الأوضاع الشاذة، وأن يعيد الشرعية الجمهورية للقصر الرئاسى، لكن خطابه قبل الأخير بقاعة المؤتمرات يوم 26 يونيو، واحتشاد القاعة بالجماهير «الإخوانية»، إنما كان مخيبا لآمال الجميع فى إمكانية الوصول إلى حل حكيم للأزمة، ومن ثم فقد وضع الرئيس العاجز كل الدولة وكل مؤسساتها، بل ووضع النظام الجمهورى والدستورى كليهما، أمام خيارات صعبة يُسأل عنها فقط الرئيس الذى تاهت به السبل، فأخفق فى حكم مصر حين جعل الجماعة فوق الدولة وفوق الجمهورية وفوق الشرعية التى هى للشعب ولاختياراته الحية، لا للصناديق الميتة عند لحظة كانت قد تجاوزتها أحداث التاريخ!!». وأكمل حديثه «: إذا لم يعترف المتعاطفون مع الرئيس مرسى بهذه الخطيئة التاريخية التى ارتكبها مرسى، وارتكبتها قبله الجماعة بإصرارها على البقاء «غير الشرعى» خارج القانون، وبفرض ظلها «غير الشرعى» على القصر الجمهورى وعلى قراراته وتوجهاته، بل وعلى الدولة كلها، فإن أى حديث عن «الشرعية» سيكون حديثا مجانيا بغير معنى، كما أنه سيقف حائلا دون فتح أى حوار جاد حول أخطاء وخطايا ما بعد 30 يونيو، فلا توجد حركة للتاريخ، خصوصا فى مراحل التحول الكبرى، لا ترتكب خلالها أخطاء وربما خطايا، والمهم هو أن تخضع هذه الأخطاء وهذه الخطايا للدرس وللنقد وللتقييم، وإلا فهو التراشق الدائم والمجنون بين فريقين كلاهما ارتكب من الأخطاء ما لا يخفى على عقل واعٍ، وارتكب من الخطايا ما لا يخفى على ضمير يقظ!!» وأوضح حسني «:هكذا دخلت كرة «إريس» فى الميثولوجيا الإغريقية، أو «ديسكورديا» فى الميثولوجيا الرومانية، إلى المشهد دون أن يلحظ دخولها أحد، وتلقف الجميع الكرة الذهبية فوجدوا مكتوبا عليها «إلى صاحب الشرعية»، ولكن من تراه يكون صاحبها لتكون كرة الذهب من نصيبه؟ الكل ادعى أنه صاحب الشرعية، ولا أحد كان يملك من الحجج –وما أكثر القوى منها– إلا ادعاءات ضعيفة باهتة، وإلا تراشقا بالاتهامات فى كل اتجاه، ومن ثم بدأ الصراع على الأرض بكل تفاصيله المؤلمة، من أحداث الحرس الجمهورى، إلى أحداث المنصة، وجميعها أحداث نزف فيها الدم المصرى لحساب صراعات لا يعرف حقيقتها غير المعلنة إلا الكبار الذين يتصارعون على كرة «إريس» الذهبية!».