في خطوة جديدة من شأنها أن تطمئن المعارضة البحرينية والمجتمع الدولي حول عدم تكرار الانتهاكات التي صاحبت الاضطرابات التي اندلعت في البحرين منذ 14 فبراير الماضي , كشفت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية أن المنامة قررت الاستعانة بضابط شرطة بريطاني سابق وآخر أمريكي للإشراف على إصلاح جهاز شرطتها . وأضافت الصحيفة أنه في وقت يتمتع فيه الضابط الأمريكي جون تيموني بسمعة مهنية طيبة، فإن نائب رئيس شرطة سكوتلانديارد السابق جون ياتس كانت وجهت له اتهامات بالتورط في فضيحة التجسس على الهاتف التي نالت مؤسسة "نيوز أوف ذا وورلد" العائدة لقطب الإعلام العالمي الشهير روبرت ميردوخ , وقد استقال من منصبه بعد بروز الفضيحة إلى العلن في يوليو الماضي، إلا أنه تمت تبرئته من قبل لجنة تحقيق بعد استقالته. وتابعت "الديلي تليجراف" أنه تم تكليف تيموني وياتس بإصلاح جهاز الشرطة البحريني للتأكيد على التزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان بعد نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أشار إلى استخدام القوة المفرطة والتعذيب خلال المواجهات التي وقعت بين مواطنين بحرينيين من الشيعة وقوات الشرطة. ونقلت عن ياتس القول إنه قبل العمل مع السلطات البحرينية إلى جانب الرئيس السابق لشرطة ميامي الأمريكي "جون تيموني" ، مشيرا إلى أنه وتيموني نجحا خلال عملهما في حفظ الأمن من خلال تطبيق الإجراءات التي توضح متى يتم اللجوء لاستخدام القوة في فض المظاهرات. وتابع ياتس " الشرطة البحرينية تواجه تحديات تشبه التحديات التي واجهتها الشرطة البريطانية قبل عقدين من الزمن ، ولكنني منبهر بكون الملك حمد يعمل بالاتجاه الصحيح ويضغط باتجاه فرض إصلاحات كبيرة"، معتبرا أنه سيواجه تحديا كبيرا برفقة ضابط مشهود له في مجال إصلاح أجهزة الشرطة هو جون تيموني. وأشار إلى أنه يتطلع للتحدث إلى كبار ضباط الشرطة في البحرين والنزول معهم إلى الشارع للاطلاع على التحديات التي يواجهونها، والاطلاع أيضا على الهيكلة التي لديهم ومساعدتهم على التعامل بشكل أفضل في قضايا النظام العام وإلقاء القبض والاعتقال. وبجانب الاستعانة بخبراء أجانب لإصلاح الشرطة , كشفت تقارير صحفية أيضا أن ميثاقا للسلوك المهني يلتزم حقوق الإنسان سوف يقدم إلى وزارة الداخلية البحرينية خلال أسابيع لاعتماده. وكانت لجنة تقصي الحقائق حول الاضطرابات التي اندلعت منذ 14 فبراير الماضي في المملكة أصدرت تقريرا حول نتائج أعمالها في 23 نوفمبر الماضي أكدت فيه أن السلطات الأمنية استعملت القوة المفرطة وغير المبررة ضد المحتجين , بهدف "بث الرعب". وقال رئيس اللجنة شريف بسيوني وهو خبير مصري في القانون الجنائي الدولي في كلمة ألقاها بحضور الملك حمد بن عيسى آل خليفة إن اعترافات المحتجزين انتزعت بالقوة وإن معتقلين تعرضوا للتعذيب , مشيرا إلى تسجيل أنماط سلوكية معينة تقوم فيها بعض الجهات الحكومية تجاه فئات معينة من الموقوفين". وأضاف أن التعذيب مورس على المعتقلين بشكل متعمد بهدف انتزاع الاعترافات أو للعقاب والانتقام من أشخاص آخرين , إلا أنه أوضح أن هذه الممارسات تمت "خلافا لأوامر قمة الوزارة" و"بالرغم من وجود تعليمات سارية لم تنفذ". وتابع بسيوني في الجلسة الرسمية لإعلان تقرير اللجنة ، أن 35 شخصا قتلوا في الاضطرابات بينهم خمسة من أفراد الأمن ، مشيرا إلى أن اللجنة أوصت بإعادة النظر في أحكام أصدرتها السلطات بحق من اتهمتهم بالمسئولية عن الاضطرابات وتخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق متهمين وإلغاء الأحكام في قضايا الرأي وحرية التعبير. كما أوصت بإنشاء لجنة وطنية مستقلة ومحايدة لمتابعة وتنفيذ ما جاء في التقرير السابق , وأوصت كذلك باتخاذ إجراءات تشريعية تحول دون ممارسات التحريض والعنف الطائفي. ومن جهة ثانية , أكدت اللجنة أنه لا توجد أدلة على دور واضح لإيران في الاحتجاجات , كما ذكر التقرير أنه لا أدلة على أي تجاوزات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات درع الجزيرة التي أرسلتها دول مجلس التعاون الخليجي تزامنا مع قمع الاحتجاجات. وعلى الفور ، قدم ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة اعتذارا عن المخالفات التي أثبتها التقرير، وتعهد بفتح "صفحة جديدة" والقيام بإصلاحات شاملة وجذرية لأجهزة الأمن البحرينية، وأن يتم إصلاح المؤسسات البحرينية لتواكب المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتقديم المسئولين عن مخالفات إلى العدالة. ولم تكد تمر ساعات على التصريحات السابقة , إلا وقام الملك حمد بالفعل بتشكيل هيئة وطنية لدراسة تطبيق توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق ، كما أقال مدير وكالة الأمن الوطني ، واستحدث هيئة لحقوق الإنسان. وأفادت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية بأن الهيئة الوطنية ستعني بدراسة توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وستقوم بوضع مقترحاتها ، بما في ذلك التوصية بالتعديلات الضرورية في القوانين والإجراءات وكيفية تطبيق هذه التوصيات. وبحسب الوكالة , فإن اللجنة ستنجز عملها قبل نهاية فبراير 2012 ، وذلك في إطار من الشفافية ، وستنشر قائمة بمجموع ما أنجزته من أعمال خلال تلك الفترة. ورغم أنه كان يتوقع أن تتعاون المعارضة مع الهيئة الوطنية في تنفيذ مهامها ، إلا أنها تحفظت على عملها ، حيث ذكرت وكالة "رويترز" أن اللجنة تضم وزير العدل ورجال أعمال سنة وشيعة وسياسيين وحقوقيين، موضحة أن من بين أعضاء اللجنة ال22 اثنان من جمعية الوفاق الشيعية أكبر الجماعات المعارضة . ونقلت الوكالة عن جمعية الوفاق المعارضة القول إن الدعوة وجهت إلى اثنين من أعضائها للانضمام إلى اللجنة، لكنهما رفضا المشاركة لاستبعاد الجمعية ذاتها ، وذكر جواد فيروز المسئول الرفيع في الوفاق -في مؤتمر صحفي عقدته خمس جماعات معارضة- أن الوفاق كحزب سياسي لم يطلب منه الانضمام، كما لم يستشره أحد حول من يمثله. وبدوره ، قال راضي الموسوي من جمعية الوعد المعارضة إن اللجنة -التي نص عليها المرسوم، وتشمل مهمتها الدراسة والاقتراح والتعليق- لا تفي بالصيغة الصارمة التي استخدمها التقرير، والتي دعت السلطات لتحقيق إصلاحات. ولم تكتف المعارضة بالتحفظ على أعمال الهيئة الوطنية ، وإنما أعلنت أيضا أنها ستقاطع الانتخابات المقبلة ما لم تلبى مطالبها بالكامل بتنفيذ إصلاحات ديمقراطية شاملة. وقالت جمعية الوفاق –وهي أكبر قوة معارضة في البحرين- في بيان لها في 29 نوفمبر الماضي إن إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني سيشكلان بداية لشراكة بين الحكومة والمعارضة. وأضاف البيان أن الحكومة الجديدة "حكومة الإنقاذ" ينبغي أن تضع خارطة طريق لاتفاق سياسي وفقا لجدول زمني, ورقابة دولية لتنفيذ توصيات لجنة التحقيق المستقلة ، موضحة أن تشكيل حكومة منتخبة منبثقة عن البرلمان يعتبر واحدا من أبرز مطالب المعارضة البحرينية التي قاطعت الانتخابات البرلمانية الماضية. وأمام ما سبق , يرى كثيرون أن الملك حمد أقدم على خطوات إيجابية كثيرة لإثبات حرصه على الاستقرار في المملكة وعدم التمييز بين أبناء شعبه ، وكان آخرها الاستعانة بخبراء أجانب في مجال الأمن ، ولذا فإن الكرة الآن في ملعب المعارضة ، لأن استمرار مقاطعتها لأعمال الهيئة الوطنية قد يعيق الإصلاحات التي اقترحها تقرير لجنة تقصي الحقائق واستجاب لها الملك على الفور. وتبقى حقيقة هامة ، وهي أن بناء الثقة مهم جدا، ويستغرق وقتا، ويتطلب وضع استراتيجيات معينة وأسس علمية مستلهمة من التجارب الدولية ، ولذا فإنه لا بديل عن الإسراع بحوار جدي بين الحكومة والمعارضة ، خاصة وأن ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أكد أيضا أنه لا عودة إلى الوراء فيما يتعلق بإدارة الشأن العام ، قائلا في تصريحات صحفية اواخر نوفمبر الماضي :" العالم العربي برمته في مرحلة انتقال، إننا نعيش في وقت مختلف, ويجب ألا نكون في الجانب الخطأ من التاريخ ، هناك حاجة ملحة للإصلاح" .