الموهبة المتمكنة تهزم الحظ السيئ.. هذا ما تؤكده سيرة المبتهل الشيخ نصر الدين طوبار ابن مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، تلك المدينة التي أخذت من سكان السواحل جرأتهم وجسارتهم، وأخذت من الفلاحين أو العمال الزراعيين التوكل على الله والرضا بقضائه. وبعفوية مبهرة استطاع الشيخ نصر الدين طوبار رحمه الله أن يجمع بين سمات الفلاح المتوكل على الله، وسمات الصياد الذي يصارع الأخطار، فلم يتردد في المواصلة في طريق القرآن الكريم والابتهالات الدينينة برغم رسوبة في اختبارات الإذاعة! ولد الشيخ نصر الدين طوبار عام 1920م، وبدأ بحفظ القرآن في مدينة المنزلة دقهلية، وخلال فترة قصيرة استطاع أن يلفت نظر المحيطين به بصوته المتفرد العذب، وكان في بداية مشواره يقرأ القرآن في سرداقات العزاء وفي المناسبات الدينينة، وحين قرر الالتحاق بالإذاعة تقدم للاختبار بها لاعتماده قارئا للقرآن الكريم ليرسب ست مرات على التوالي، وفي المرة السابعة يجتاز الاختبار الشاق عام 1956م، بعد أم قرر أن يتحول إلى الابتهال، ويتم اعتماده مبتهلا، ليصافح صوته العذب قلوب المستمعين وآذانهم ليلة الجمعة من كل أسبوع على الهواء مباشرة من مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه.
ظهر الشيخ طوبار في مرحلة ثرية بعمالقة القراءة والإنشاد، مثل الشيخ النقشبندي، والشيخ طه الفشني، والشيخ محمد الفيومي، ومحمد الطوخي، ووسط هذا الحشد الهائل من العمالقة قرر طوبار أن يختط لنفسه شكلا جديدًا يحفظ به مكانًا مرموقًا فاهتم بالأداء الفردي الخاشع، أكثر من اهتمامه بالتواشيح التي تؤدى جماعيًا أو مع بطانة.
ويعد الشيخ طوبار أحد مؤسسي فن الابتهال، وواضع قواعده، وقد اعتمد في أدائه على الضراعة الخاشعة، والمناجاة الباكية، ودخل صوته إلى قلوب الجماهير، التي تلهفت للاستماع إلى كلماته المختارة بعناية، وإلى أدائه الممتلئ بالشجن والحزن.
عمل الشيخ مشرفًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر عام 1980، وتجول في العديد من دول العالم، وغنى على قاعة "ألبرت هول" بلندن وذلك في احتفال المؤتمر الإسلامي العالمي، ونال إعجاب كل من استمع إلى صوته في البلاد التي زارها، فمثلا كتبت عنه الصحافة الألمانية "صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب".
وفي يوم السادس من نوفمبر عام 1986 فاضت روح الشيخ نصر الدين طوبار إلى بارئها بعد حياة حافلة بالصوت الندى الذي روى القلوب والآذان وربط الناس بالمساجد.. رحمه الله الشيخ نصر الدين طوبار.