حينما نطلق كلمة عبارة الموت يتوارد على الذهن مباشرة تلك العبارة التابعة لشركة السلام التي يملكها ممدوح إسماعيل رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى المعين وصديق د. زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والتي غرقت وراح ضحيتها أكثر من ألف مصري من المواطنين البسطاء الذين لا ظهر لهم إلا الله. تلك الفاجعة التي صدمت المصريين جميعا، والتي كشفت عن إحدى كبرى قضايا الفساد في العصر الحديث، والتي تم فيها سلسلة من عمليات التواطؤ والتغطية على صاحب العبارة وحمايته طول الوقت حتى هرب (أو هُرب) إلى لندن وبعدها بفترة صدر قرار بالقبض عليه، ثم صدر قرار من مجلس الشعب بإحالة القضية إلى المدعي الاشتراكي وبعد فترة من تحقيقات النيابة فوجئنا بها تحيل الموضوع إلى محكمة جنح سفاجا بتهمة القتل الخطأ لأكثر من ألف مصري، ثم صدر قرار المدعي الاشتراكي برفع الحراسة على أموال ممدوح إسماعيل بعد اتفاقه عن طريق محاميه بدفع تعويضات رآها المدعي الاشتراكي معقولة، فكان رد فعل الرأي العام غاضبا لسببين: الأول قرار النيابة العامة باعتبار كل الذي جرى من إهمال فساد وتحايل على القوانين الخاصة بصلاحية "العبارة" والتأخر في إنقاذ الضحايا مما أدى إلى مقتل أكثر من 1000 برئ، كل هذا اعتبره النائب العام جنحة مكانها في أقصى الأرض في محكمة سفاجا الجزئية، وكذلك رفع الحراسة عن أموال الذي ارتكب كل هذه الجرائم ممدوح إسماعيل لدفعه تعويضات لسر الضحايا، فظهر المدعي العام الاشتراكي المستشار جابر ريحان مرتين أمام شاشات التلفاز مرة منذ أيام في قناة دريم في برنامج العاشرة مساء وكان وقتا قليلا وتصريحاته مقتضبة استغلها محام المتهم بالفساد وقتل أكثر من 1000 مواطن بدفاعه ببجاحة عن هذا القاتل، ثم ظهر المدعي العام الاشتراكي مساء أمس الاول السبت 10 يونيو في التليفزيون المصري في برنامج البيت بيتك وهو يدافع عن قراره برفع الحراسة عن ممدوح إسماعيل، وقال إنه في حدود اختصاصاته جلب للضحايا أكبر رقم كما تصوره هو كتعويض من ممدوح إسماعيل.. لكن المهم في كلام المدعي الاشتراكي ليس مناسبة المبلغ للتعويض، لأنه كما قال هو نفسه أن ملايين الدنيا لن تعوض أم أو أب عن فقد ابن أو عائل أو شخص عن والده أو والدته. أقول إن المهم في حديث المدعي الاشتراكي هو ما فجره من وقائع فساد في حادثة العبارة وتواطؤ من مسئولين في السلامة البحرية ووزارة النقل البحري ومن أدلة على عدم سلامة السفينة بوثائق من "بنما" والتي تحمل السفينة علمها ومن كل الجهات المعنية بخلاف الجريمة الكبيرة بزعم أن هناك لجنة فنية قالت إن السفينة كانت سليمة في حين أن السفينة تقع في قاع البحر على بعد أكثر من 850 م كما قال المدعي الاشتراكي ولم يصل إليها أحد من اللجنة أو غيرها، والحقيقة أن كم المعلومات والوثائق التي أظهرها المدعي الاشتراكي على الهواء في التليفزيون المصري أذهلت الملايين ممن شاهدوها كما أذهلت المذيعين اللذين قدما اللقاء مما جعل أحدهما يطلب تقبيل المدعي الاشتراكي على الهواء لشجاعته في ذكر هذه الحقائق والتي كما ذكر تخرج عن اختصاصه ومتابعة الإجراءات اللازمة لمواجهتها والتي أثارت كثيرا من التساؤلات حول هذه الجريمة، التي تستدعي أن يفتح النائب العام التحقيق من جديد مستندًا على هذه الوقائع والمستندات التي ذكرها المدعي الاشتراكي الذي ذكر أنه عمل أكثر من أربعين سنة كمحقق في النيابة وكمحقق جنايات، ليؤكد على أنه حقق بشكل صحيح في الفعل الجنائي لهذه الجرائم، ولكن يخرج عن اختصاصاته محاسبة الجناة جنائيا، فواجب النائب العام أن يفتح التحقيق في هذه القضية ويعدل توصيفها من جنحة إلى جناية ويسأل كل من ساعد القاتل الهارب ممدوح إسماعيل وكل من حماه وتواطأ معه وساعده على الهرب بعد أن بلغت ثروته المليارات من دماء المصريين، ويجب أن يجيب في تحقيقاته عن المسئولين الذين دعموه، وهل هم أصدقائه في المستويات العليا من الدولة؟.. ومن الذي رشحه لعضوية مجلس الشورى بالتعيين ليصدر له هذا القرار؟.. الحقيقة أن الذي جرى أمس الأول على شاشة التليفزيون المصري من وقائع جرت على لسان المدعي الاشتراكي تستوجب إجراءات كثيرة إذا كانت السلطة جادة في مواجهة الفساد.. فإن صمتت فهي متواطئة في أكبر جريمة فساد في مصر في العصر الحديث وحسبنا الله ونعم الوكيل.