انقلب المشهد تماما اليوم في "معركة" توقيف أحمد منصور ، الإعلامي ومقدم البرامج بقناة الجزيرة القطرية ، وتم تبادل سرادقات الفرح والعزاء بين المعسكرين المنقسمين حوله ، وهما نفس المعسكرين الذين تنقسم بهما مصر ، والمنطقة العربية كلها ، منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن ، الانقلاب جاء على خلفية القرار الألماني بإطلاق سراح منصور من دون توجيه أي تهمة له بعد دراسة الملف القضائي المصري ، واعتبر منصور من الآن حرا طليقا ، وعلى الفور انطلقت الأفراح والاحتفالات بين أنصار مرسي ، وبطبيعة الحال ، بين زملائه وأصدقائه في شبكة الجزيرة الذين آلمهم الموقف المفاجئ بتوقيفه ، ومن يقرأ تعبيرات أصدقاء منصور وأنصار مرسي تعليقا على إطلاق سراحه يلاحظ انفجار الفرحة بنفس القدر تقريبا الذي انفجرت به فرحة أنصار السيسي عندما صدر القرار المفاجئ بتوقيف أحمد منصور في ألمانيا والأماني الكبيرة التي تم ترويجها لعملية تسليمه لمصر ، وبقي البحث عن صيغة الاحتفال به عندما يأتي للقاهرة !. بعيدا عن الاحتفالات هنا والأحزان هناك ، فإن قرار إطلاق سراح إعلامي قناة الجزيرة في ألمانيا ، بعد تحقيقات المدعي العام ، هو ضربة مؤلمة للغاية للقضاء المصري وسمعته ومصداقيته ، وقد سبق وحذرت في هذه الزاوية مرارا ، من أن الأحكام التي تصدر ، وخاصة أحكام الإعدام بالجملة ، وأحكام السجن بمدد طويلة على وقائع بسيطة مثل التظاهر السلمي ، ستتسبب في ضرر كبير بمصالح مصر الدولية ، سواء في استرداد متهمين هاربين ، أو استرداد حقوق الشعب المصري المنهوبة والمهربة في الخارج أو أي إجراءات تتصل بمنظومة العدالة والقضاء ، وأن انشغال الديبلوماسية المصرية ورئاسة الجمهورية بتوزيع البيانات الشاعرية عن استقلال القضاء المصري وشموخ القضاء المصري ورفض التدخل في أحكام القضاء وأعماله وأن الدستور يفصل بين السلطات في مصر ، كل هذا لا "يبيع" في الخارج ، ولا يصلح للتصدير ، ولن يغير الحقيقة ، حقيقة صورة القضاء في الخارج ، ولن يوقف موجعة الغضب العالمي تجاهه ولن يغير من قناعات قيادات كبيرة في واشنطن وغيرها من العواصم الكبرى بأن الأحكام مسيسة ، لم يعبأ أحد بذلك ، فأتت واقعة أحمد منصور لكي تكون صفعة مؤلمة للديبلوماسية المصرية وللدولة بكاملها . النائب العام كان قد أعد مذكرته على عجل وتمت ترجمتها للألمانية مشفوعة بالأحكام القضائية الصادرة ضد أحمد منصور وسلمت للقضاء الألماني ، والداخلية عززت اتصالها بالانتربول وأرسلت مذكرة أخرى تفصيلية ، وبدأ على ضوء ذلك احتفالية في القاهرة ، إعلاميا وسياسيا ، بالاستعداد لاستقبال أحمد منصور مكبلا في مطار القاهرة ، غير أن القضاء الألماني ألقى بكل ذلك في سلة المهملات ، ورفض الاعتبار به ، واعتبر أنها أحكام بلا قيمة ، وبناء على ذلك أعلن أن منصور بريء وأنه لا تثبت عليه تهمة وأنه لا يجوز توقيفه وأمر بإطلاق سراحه ، لتنتقل مشاعر المرارة والألم إلى كل حريص على سمعة العدالة في مصر ومكانتها ، من فرط الهوان الذي وصلنا إليه في العالم . التصريحات التي صدرت في الإعلام الألماني كانت مهينة أكثر ، وجارحة أكثر ، بانتقادها لتوقيف منصور وأنه لا يليق بألمانيا أن تخدم على نظام "ديكتاتوري" حسب الوصف الذي انتشر هناك ، الأحزاب الكبرى هناك صدرت عنها تصريحات مهينة للسلطة في مصر وللقضاء ذاته ، كما شارك عدد من البرلمانيين الألمان في وقفات احتجاج ضد توقيف منصور ، وهناك إجماع على أنه حظي بتعاطف كبير من الرأي العام الألماني ، والمتحدث باسم الحزب الاشتراكي الألماني صرح قائلا : يجب ألا تتحول ألمانيا إلى أداة تنفذ ما تريده وزارة العدل المصرية غير المستقلة ، وكل هذا مثل هزيمة كبيرة للسلطات المصرية ، التنفيذية والقضائية وأيضا للديبلوماسية المصرية ، وتحولت قضية أحمد منصور إلى عود ثقاب أشعل من جديد أجواء الغضب والهجوم على مصر وحكومتها وقضائها ، وحشدت الأزمة موقفا إعلاميا وبرلمانيا وسياسيا وشعبيا ضد مصر في ألمانيا بكل تأكيد ، وهذا ما يجعل الخسارة في القاهرة مضاعفة ، خسارة القبض على إعلامي الجزيرة وتوجيه ضربة عنيفة لمعسكر أنصار مرسي ، وخسارة إضافية من سمعتها ومصداقية مؤسساتها وعدالتها أمام العالم .