أن ينشأ الابن في بيت تدخن الأم فيه السجائر ولا تكترث بحرمة وأضرار هذا الفعل الشائن المعيب على المستويات كافة، لهو ابتلاء شديد، ومشكلة لها أبعاد معقدة ومتشابكة، إن كان الابن مَهديًا صالحا وصاحب فطرة سليمة، حيث يعد القضاء على هذه المشكلة معضلة كبيرة، لاسيما لو كانت الأم مدمنة على تعاطي السجائر منذ سنوات طوال، وكان الزوج قد عجز عن علاجها ومنعها من التدخين، أو كان مُتوَفى، وأصبحت الأم مقيمة مع ابنها هذا في بيته بعد زواجه، وما لذلك من تبعات وأضرار خطيرة على صحة وسلوك أبنائه فيما بعد.. فالأصل أن الأم هي من تربي وترعى وتحتوي أبناءها وتحميهم بكامل استطاعتها من كل ضرر وخطر ربما يصيبهم، وهي مَن تسدي إليهم النصائح بكل حب، وتُقَوِّمهم إذا اعوجت سلوكياتهم وانحرفوا عن الصواب، وتفيدهم بخبراتها وتجاربها عسى أن ينتفعوا ويجنبوا أنفسهم الوقوع في براثن الانحراف والضياع،، وهي أول من رأت أعينهم في هذه الحياة، وبالتالي يقلدونها في كل صغيرة وكبيرة ويقتدون بها بالفطرة مطمئنين إلى أنها أحب وأحرص الناس عليهم، ولن تضرهم أو تتسبب في إيذائهم أبدا..
لذا يكون من الصعب جدا على أي ابن مبتلى بأم مدخنة أن يقف في وجهها ويمنعها بشتى الوسائل من هذه العادة السيئة المضرة بصحتها وصحة الآخرين والمهدرة للمال والمجلبة لمفاسد عدة..
فهو المأمور بطاعتها وبرها وعدم نهرها أو التأفف والتذمر منها أو التعدي عليها لفظا أو فعلا.. وهو من يجب عليه الإحسان إليها والترفق بها، والصبر عليها حسبة لله وطمعًا في نيل رحمته ومغفرته والفوز بالفلاح والنجاة في الدارين..
فبر الوالدين من أول الحقوق بعد حق الله، ولقد قرن الله طاعته بطاعة الوالدين، وحث على القيام بواجبهما في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وقوله أيضًا: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]،
ونَهْيُ الأم عن التدخين ليس عقوقا، بل هو من البر والإحسان - إذا كان مزينًا بالآداب الشرعية، فلا يجوز زجرها والإغلاق عليها بأي حال من الأحوال..
وحتى تقلع الأم عن التدخين يجب في البداية الاستعانة بالله عز وجل، واللجوء إليه، ودعائه بأن تقلع الأم عن التدخين، وأن يبارك الله في الجهود لحل المشكلة، ثم تقديم النصائح لها برفق، وتشجيعها ودعمها وإبداء الخوف عليها من عقاب الله لأنها تؤذي نفسها وغيرها وتهدر المال فيما يضر، وينبغي أن تقتنع بأن التدخين مضر بالصحة وأنها آثمة ومحاسَبة أمام الله عن هذا الذنب، ومن المهم جدا التدرج في علاجها، وذلك باتباع ما يلي:
أولًا: زيارة مرضى التدخين في الجمعيات والمستشفيات الخاصة بعلاج المدخنين، والاستماع الى تجاربهم من بداية إدمان السجائر والأمراض التي أصيبوا بها، ثم تجاربهم في العلاج والإقلاع التام عن التدخين؛ لأن تجارب ونصائح هؤلاء المرضى ستكون مقبولة أكثر من أوامر الأبناء.
ثانيًا: عمل الفحوصات والتحاليل الطبية، وأشعة على الصدر بعد زيارة طبيب الصدر، والمتابعة معه ليشرح لها أضرار التدخين على جسمها في الفترة الحالية، ومضاعفات التدخين على الرئتين، والقلب، والمخ، وما يلي ذلك من جلطات وإصابة بالسرطان وغير ذلك في المستقبل إذا لم تترك السيجارة.
ثالثًا: حبذا لو عقدت الأسرة مع الأم اتفاقا بحيث لا تدخن إلا عندما تشعر بأعراض انسحاب "النيكوتين" من الدم، ويبدأ الصداع، وتعكير المزاج،
رابعًا: العمل على شغل وقت فراغ الأم خاصة لو كانت مُسِنة، وحثها على ممارسة رياضة المشي، وممارسة هواياتها القديمة، وإبعادها عن أية ضغوط نفسية، وخلق جو هادئ مريح لها داخل البيت، ودعوتها لحضور حلقات العلم الشرعي في المساجد والمعاهد الدعوية، واصطحابها لزيارة ذوي رحمها وصديقاتها حتى ينصرف ذهنها عن التفكير في التدخين. خامسًا: إرشادها إلى بعض الأساليب الناجحة لمكافحة الاضطرابات التي تبدأ بعد بدء العلاج من التدخين ومنها: النوم وقتا كافيا، ومضغ العلكة والحلوى عوضًا عن السجائر، وشرب كميات وفيرة من الماء والعصائر ، والتقليل من شرب الشاي والقهوة، وتناول الخضروات والفاكهة، وتجنب الأطعمة الدسمة، وممارسة بعض التمرينات الرياضية.