أعتقد أن ثورة يناير هي أعظم إنجاز مصري في العصر الحديث بعد حرب أكتوبر. مبارك ظل في الحكم 30 سنة و تحكم في كل شيء حتى كاد يورث ابنه الحكم. فساد و ديكتاتورية و تزوير انتخابات و رشوة و سرقة و أحزاب كرتونية مخترقة و شرطة مدججة بالسلاح ضد المواطن، قامت ضده الحركات المعارضة مثل حركة كفاية و الجبهة الوطنية للتغيير و علا صوت المعارضة، غير أن هذا لم يحسن من طريقة الحكم شيئا و لم يوقف مشروع التوريث، بل كان الاستهتار و الاستهزاء بالمعارضة هو السبيل ( خليهم يتسلوا) هو الشعار. ثورة يناير هي إبداع شعب استطاع بصدور الشباب مجابهة شرطة العادلي و طغيان الديكتاتورية في تألف رائع بين المسلمين و المسيحيين و الليبراليين و اليساريين و السلفيين و الإخوان المسلمين و كل طوائف الشعب حتى استطاع الشعب المصري إسقاط الطاغية في ملحمة حقيقية يدرسها العالم كله. لا يقلل من ثورة يناير بعض السلبيات مثل اقتحام السجون أو حرق مراكز الشرطة أو أن شباب الثورة صاروا نجوما تتهافت عليهم أجهزة الإعلام و المخابرات الأجنبية و كل من له مصلحة في تخريب مصر و أغرقوهم بالمال و الشهرة، لا يقلل من الثورة أبدا أن الحكم آل إلي الإخوان المسلمين باعتبارهم التنظيم الاقوي و باعتبار إجادتهم العملية الانتخابية و أنهم الأقرب- في ذلك الوقت- للشارع المصري. لا يعيب ثورة يناير أن ممارسة الإخوان المسلمين في الحكم كانت عكس ما توقع الشعب المصري: استقطاب شديد و كذب و تراجع عن جميع الوعود و شق للمجتمع إلي إسلاميين و علمانيين، بل شق التيار الإسلامي كله إلي أخوان و من رضي بالتسليم لقيادتهم و لمن لم يرض بالأخونة و في مقدمتهم حزب النور، حتى خرج الملايين من الشعب المصري في 30 يونيو ضد حكم الأخوان- و هذه حقيقة يراها كل إنسان إلا الإخوان فقط فإنهم لا يعتقدون بخروج المصريين ضد حكمهم بل يعتقدون في نظرية الفوتوشوب و الانقلاب العسكري فقط.
أدي عدم استجابة مرسي لإنذارات الجيش المتتالية بترميم الجبهة الداخلية و صيانة الأمن القومي إلي أن قام الجيش بعزل مرسي بعد أن كون الجيش حلفا وطنيا كبيرا يشمل أيضا الأزهر و الكنيسة، حتى وصل السيسي للحكم بأغلبية كبيرة في انتخابات الرئاسة، ثم تراجع الدور الليبرالي في تحالف 3يوليو باستبعاد الليبراليين في حكومة الببلاوي و استبدالهم بتكنوقراط، تمهيدا لوضع قوانين مباشرة الحقوق السياسية و انتخابات البرلمان.
هنا تغيرت موقعية ثورة يناير في العقيدة المصرية: السيسي يعترف رسميا بثورة يناير و يعتبرها أساسا لشرعيته قبل ثورة 30 يونيو، و لكن بدأ رموز حكم مبارك في الخروج تباعا من السجون حتى خرج حسني و جمال و علاء و حبيب العادلي، و حتى بدأ أحمد عز الذي قامت الثورة عليه في ممارسة عمله المهني و السياسي و بدا أن نواب الحزب الوطني 2010 الذين قامت عليهم الثورة هم الأوفر حظا للعودة إلي برلمان 2015 بما في ذلك من نجاح للثورة المضادة، و في المقابل فان الإخوان يحاولون الاستعانة بالثوريين في محاولة للرجوع للحكم بعد أن كانوا داسوهم و هم في السلطة.
كل المتضررين من ثورة يناير يعتبرها هوجة و مؤامرة و يشكك فيها و يسخر من نشطاء الثورة و لا يتحدث الا عن السلبيات، و ربما كان هذا هو الرأي غير الرسمي الذي تتبناه دولة السيسي، و في المقابل ثوار يناير – حتى من شارك منهم في 30 يونيو و انضم إلي حلف 3 يوليو- يدعون لانتخابات رئاسية مبكرة و ينذرون بثورة جديدة و يتحدثون عن حركات شبيهة بحركة كفاية و تجرد. الأخوان بعد أن فقدوا الأمل في عودة مرسي بصورة كبيرة يرون أن فرصتهم تزيد مع الوقت.
السيسي و معه حكومة التكنوقراط برئاسة محلب يحاول جاهدا تحسين حياة المصريين اقتصاديا و اجتماعيا و يعول علي هذا في إنجاح ثورة 30 يونيو، و لكني أري أنه من الخطأ بمكان التعويل علي نواب الحزب الوطني أو دولة مبارك أو التفكير في تعديل الدستور لإعادة صلاحيات الرئيس غير المحدودة، بل أعتقد أنه يجب عليه التركيز علي مرجعية ثورة يناير و تقديم أل مبارك للمحاكمة علي الكسب غير المشروع و كذا إعادة الحياة لحلف 3 يوليو الذي نجح في إقصاء الإخوان و أن يقبل بالمشاركة في الحكم عن طريق أحزاب 30 يونيو يشكلون الحكومة البرلمانية القادمة، حتى يحدث الاستقرار السياسي نوعا، حتى يقطع الطريق علي من يراهن لعودة نظام مبارك تماما – ليس بالضرورة بالأشخاص أنفسهم – و لكن بالفلسفة و طريقة الحكم.