يري كثير من الخبراء أن الحكومة النيجيرية المقبلة تحتاج لمضاعفة جهودها لمحاربة الفقر، وتطوير الخدمات الصحية، وتحسين البنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة تغني شبابها عن اللجوء إلى دول أخرى، قد يتعرضون فيها للإهانة أو الاعتداء، كما حدث مؤخرا في جنوب أفريقيا. وفي الوقت الذي تراجعت العلاقات بين حكومتي نيجيرياوجنوب أفريقيا إلى مستوى منخفض مجددا، مطلع هذا الأسبوع في أعقاب الاعتداءات الأخيرة على المهاجرين الأفارقة، الذين بينهم أفراد من نيجيريا، تساءل مراقبون حول إمكانية مقارنة تلك الهجمات، بملحمة "غانا-يجب-أن ترحل". فقبل 32 عاما، وتحديدا في عام 1983، خرج أكثر من مليون مواطن غاني من نيجيريا، ولتجسيد الطريقة التي كانوا يحلمون بها أمتعتهم في طريقهم عودتهم إلى أكرا، سمى النيجيريون حقائب اعتادوا حملها باسم "غانا-يجب-أن ترحل". وفي الوقت الراهن، أصبحت هذه الحقيبة الشهيرة، وهي ذات أحجام مختلفة مصنوعة من مادة البولي إيثلين، عادة ما تكون مخططة باللونين الأزرق والأحمر، سمة بارزة على السفر لمسافات طويلة، وعمليات التسوق الصغيرة بين النيجيريين. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أثار تولو أوغونليسي، وهو مدون وناشط نيجيري بارز، نقاشا على صفحات وسائل الإعلام الاجتماعي، عندما طالب النيجيريين بتخفيف انتقاداتهم لجنوب أفريقيا. واعتبر أوغونليسي أن نيجيريا، هي الأخرى "أدينت فيما مضى بسلوك مماثل"، وهو ما اختلف معه العديد من المحللين. وفي حديث للأناضول، قال عبد الله تيجاني، وهو أستاذ في جامعة "باييرو" بولاية كانو، (شمال) "في الأساس ليس هناك أساس للمقارنة بين ما يحدث في جنوب أفريقيا وواقعة غانا-يجب-أن ترحل". وأشار إلى أنه "كانت هناك احتجاجات ضد الأجانب غير الشرعيين، والإزعاج الذي يشكله كثير منهم". واستدرك بالقول "لكن لم يخرج أحد عن السيطرة لمهاجمة الغانيين، وما يحدث في جنوب أفريقيا هو أمر غير مقبول". وآنذاك، عمل المواطنون الغانيون في مختلف قطاعات الاقتصاد النيجيري بداية من أنشطة التجارة الصغيرة، والأعمال الفنية، والدعارة المزعومة والوظائف المتدنية، فيما كان يواجه السكان المحليون يواجه ظروفا قاسية في ظل ما يسميه محللون تبذير حكوماتهم السابقة. وفي مواجهة الضغوط، لتخليص البلاد من "المهاجرين غير الشرعيين"، أمرت حكومة الرئيس "شيهو شاغارى" آنذاك، الغانيين بمغادرة البلاد. ويبدو أن الحادث، جاء بمثابة انتقام من غانا التي طردت بعض النيجيريين عام 1969 بطريقة عكرت صفو العلاقات بين البلدين، غير أن نيجيريا قالت حينها إنها "لا تقصد الانتقام". وخلال الأسابيع الأخيرة، داهمت حشود ممن تصفهم السلطات المحلية ب"الغوغاء" منازل ومتاجر للمهاجرين الأجانب في ديربان (أكبر مدن مقاطعة كوازولو ناتال)، بدعوى أنهم يقومون ب"سرقة فرص العمل، وارتكاب الجرائم ووضع أعباء على الخدمات الاجتماعية".
وقاموا بنهب المتاجر والمنازل، وطردوا عددا من المهاجرين من مساكنهم، فيما يجري حاليا استضافة العديد منهم في مخيمات مؤقتة للاجئين. وقتل 7 أشخاص على الأقل في أعمال العنف الأخيرة، بينهم إثيوبي رشقت حشود "الغوغاء" متجره بالقنابل الحارقة. وبينما يقول البعض إن هناك ما لا يقل عن 5 ملايين مهاجر أجنبي في البلاد، من بينهم 3 ملايين من مهاجر زيمبابوي، تشير تقديرات "معهد أفريقيا للهجرة والمجتمع" إلى تواجد ما بين 1.6 و2 مليون مهاجر سواء يحملون وثائق أو لا يحملون وثائق يعيشون في جنوب أفريقيا. وأجبرت أعمال العنف عشرات المهاجرين من مالاوي وموزمبيق وزيمبابوي ودول أفريقية أخرى على مغادرة البلاد. ويعيش مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في جنوب أفريقيا، ويشارك الغالبية العظمى منهم في قطاع الأعمال غير الرسمي، والفئة الأخيرة كانت هي الأكثر تضررا من أعمال العنف الأخيرة، في ظل نهب السكان المحليين متاجرهم ومنازلهم كلما اندلعت احتجاجات على تقديم الخدمات. وقبل 7 سنوات، فقد أكثر من 50 مهاجرا أفريقيا أرواحهم، عندما هاجمتهم حشود من الغاضبين في جميع أنحاء البلاد، فيما يقول خبراء إن الدافع وراء تلك الهجمات هو "كراهية الأجانب". والعام الماضي، شهد مواجهة دبلوماسية بين أبوجا وبريتوريا بسبب مزاعم حول عمليات ترحيل غير قانوني لنيجيريين يحملون "وثائق مزيفة". وأعرب "التيجاني" عن اعتقاده بأن حادث عام 1983، شجع الحكومة الغانية لتفعل ما هو أفضل لصالح شعبها، معتبر أنه هكذا ما "يجب أن تفعله نيجيريا، رغم أن الهجمات المعادية للأجانب غانا-يجب-أن ترحل حادثان منفصلان". وعلى غرار، مواطنه، لا يرى أوتيف إيغبوزور، المدير التنفيذي ل"المركز الأفريقي لاستراتيجية القيادة والتنمية"، أرضية مشتركة لمقارنة ما حدث في نيجيريا عام 1983، بالهجمات الأخيرة في جنوب أفريقيا. وقال "إيغبوزور"، للأناضول: "في عام 1983، كانت الحكومة النيجيرية تتعامل مع تدفق الأجانب غير الشرعيين، حيث تم جمعهم وترحيلهم". وأشار إلى أن العديد من النشطاء قد انتقدوا سياسة "غانا-يجب-أن ترحل" في ذلك الوقت، لكن أحداث جوهانسبرغ شهدت قتل مواطنين جنوب أفريقيين إخوانهم الأفارقة. وتابع "إيغبوزور" موضحا "ما يحدث في جنوب أفريقيا اليوم، هو أن الفقراء يقتلون إخوانهم الأفارقة، لأنهم يزعمون أنهم يأخذون وظائفهم ويتزوجون من نسائهم". ولفت الخبير إلى أن الكثير من الناس طرحوا أسبابا لهذا التحول في الأحداث في جنوب أفريقيا. واعتبر أن "المشكلة الأساسية هي إخفاق القيادة، وفشل برنامج الحكومة للتمكين الاقتصادي للسود منذ سقوط نظام الفصل العنصري". ونقل "إيغبوزور" عن برلماني جنوب أفريقي، قوله مؤخرا إن جنوب أفريقيا في موقف لا تحسد عليه في ظل وجود أكبر عدم مساواة في العالم. ويقول محللون إن الحكومة النيجيرية يجب أن تعالج بشكل عاجل تحديات الفقر، وضعف نظام الرعاية الصحية، وغياب البنية التحتية الأساسية، والقدرة على منع هجرة العقول وهجرة مواطنيها إلى أماكن أخرى. وفي هذا السياق، قال أوستن أوموه، وهو مدرس في جامعة ولاية لاغوس، إن "موطني جنوب أفريقيا يقولون لنا بطريقة غير مباشرة أن نصلح مشاكلنا". وأضاف في حديث للأناضول "لن يسافر أحد يعمل بوظيفة جيدة وضمان وسائل الراحة الأساسية مثل الكهرباء إلى دول أخرى حيث يصبح مواطنا من الدرجة الثانية". واستأنف "إيغبوزور" حديثه بالقول "هناك الكثير من الدروس لتتعلمها نيجيريا". ومضى الخبير معربا عن أسفه: "ندرك جميعا أن نيجيريا هي الآن أكبر اقتصاد في أفريقيا، فمنذ عودة الحكم المدني عام 1999، كان معدل النمو الاقتصادي هائلا بين 6-8%، ولكن كان نمو لا فرص عمل إلى حد كبير مع أدى لزيادة الفقر، وتركز الثروة في أيدي قلة قليلة". ولفت إلى أن كثيرا من النيجيريين خارج بلدهم، يريدون العودة ولكنهم خائفون من الوقائع الاجتماعية والاقتصادية في الوطن. وتوقع "إيغبوزور" أن "إدارة الرئيس (محمد) بخاري الجديدة توفر فرصة لتحول سياسي لضمان تنويع الاقتصاد، والنمو الشامل والتصنيع". واختتم حديثه بالقول "يجب أن تنظم جميع سياسات الحكومة لصالح الفقراء الذين يشكلون غالبية السكان وليس الأغنياء". وفي 1 أبريل/ نيسان الجاري، فاز الرئيس النيجيري المنتخب حديثا، محمد بخاري، الذي يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للبلاد في 29 مايو المقبل، بالانتخابات الرئاسية متقدما بفارق 2.5 مليون صوت على منافسه جوناثان من جميع الولايات النيجيرية. ويحكم حزب "مؤتمر كل التقدميين"، الذي ينتمي له بخاري، 22 ولاية من أصل 36، كما أنه حقق أغلبية في غرفتي البرلمان.