مجرد تحليل للمتابعة الخبرية من بدء أحداث ماسبيرو لنهايتها قد يوصلنا إلى عدد المتوفين من جنود الجيش. بعد نحو ساعتين كانت معظم القنوات الإخبارية الفضائية غير المصرية تشير إلى 19 متوفياً من جنود القوات المسلحة في ماسبيرو. الرقم قفز إلى 36 مع منتصف الليل وكانت تتخلله عبارة تشير إلى أن الخسائر البشرية في جانب المتظاهرين الأقباط غير معروفة. في نحو الحادية عشر ليلا نقلت بعض القنوات غير المصرية إتصالات مباشرة مع شهود عيان في شارع رمسيس وأمام المستشفى القبطي عن وصول جثث لمتظاهرين، وكان ذلك أول حديث عن أرقام المتوفين في الجانب الآخر.. حيث انحصر الرقم بين 17 و25 شخصا ثم استقر عند الرقم الأخير. في الثالثة صباحا وصل الرقم الكلي لعدد القتلى إلى 92 جثة حسب المصادر الإخبارية الأجنبية. فإذا كانت جثامين ال25 قبطيا المعلن عنهم قد توجهت كلها إلى المستشفى القبطي الذي تولى تشريحها واستخراج تصاريح الدفن وخرجت النعوش منه، فإن الباقي من ال92 سيكونون من جنود القوات المسلحة وهؤلاء ذهبت جثامينهم إلى مستشفيات القوات المسلحة. إذاً الرقم الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وينحصر بين 64 و67 متوفيا من الجنود يكاد يكون الأقرب إلى الصحة. هذه الأرقام ليست معلومات وإنما حصيلة اجتهادية لما بثته قنوات غير مصرية تهتم بالخبر وتوثقه جيدا من مصادر مختلفة. هنا أشير إلى أن قناة النيل للأخبار بثت في الساعة الأولى للأحداث خبرا عاجلا بوفاة ثلاثة من الجيش وأن الاصابات فاقت الخمسين. ويوم الأربعاء 12 أكتوبر ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط (الرسمية) نقلا عن مصدر مسئول إنه "تم تشييع الجنود الذين استشهدوا في أحداث ماسبيرو. وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يعلن عددهم حفاظا على الروح المعنوية للقوات المسلحة، فظهور أسر الشهداء والجنازات العسكرية سيزيد من حالة الاحتقان داخل المجتمع، وهو ما يؤثر على تماسك الجبهة الداخلية، وأن القوات المسلحة قامت بتشييع جثامين شهدائها يوم الأربعاء في صمت ودون أي إعلان". أمس كتب الاعلامي حمدي قنديل في "المصري اليوم" منتقدا تعبير "الحفاظ على الروح المعنوية" ومتسائلا: لماذا لم تراع أيضا الروح المعنوية للشعب حينما أعلن عن عدد قتلى المتظاهرين؟.. وطرح السؤال في حد ذاته خطأ من الإعلامي الكبير الذي كان واحدا من رؤوس الإعلام المصري أثناء هزيمة يونيه 1967.. وأسباب ذلك عديدة. فمن الطبيعي أن تذهب جثامين المدنيين لمستشفيات مدنية، وفي حالتنا هذه فقد ذهبوا إلى المستشفى القبطي القريب من الكاتدرائية توفيرا للوقت ولمزيد من الاحتياطات والأمان أثناء نقل نعوشهم إلى داخل الكاتدرائية للصلاة عليهم. إذاً سيكون العدد معروفا ولا يمكن اخفاؤه لأن العائلات نفسها هي التي ستشيع جثمامين أولادها. الأمر مختلف بالنسبة للجيش فقد ذهبت الجثامين إلى مستشفيات عسكرية، والمتوقع أنه تم استدعاء أسرهم لتشييع جماعي لهم إلى مثواهم الأخير في مقابر تابعة للقوات المسلحة، لأن ما نسبته وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى المصدر المسئول يوضح "أن القوات المسلحة قامت بتشييع جثامين شهدائها". أما لماذا الحفاظ على الروح المعنوية للجيش؟.. وهذا ما تساءل عنه قنديل.. فالجيش هو عنوان القوة العسكرية لمصر وقدرات عناصره وأسلحته المختلفة تمثل الحماية الأولى والأخيرة لسيادتها واستقلالية قرارها.. وإذا كانت قناة النيل للأخبار قد أذاعت أن جنودا ثلاثة لقوا حتفهم في الساعة الأولى للأحداث.. فإن زيادة المتوفين إلى عدد كبير مبرر عسكري لعدم الإعلان عنه بعد ذلك. حتى في الحروب العسكرية لا تعلن الجيوش العدد الدقيق لقتلاها وخسائرها لكي لا تنخفض الروح المعنوية لجنودها. فلو أعلن مثلا أن 64 أو 67 من الجنود ماتوا، فهذا يخلق حالة من الهلع بين الجنود في أي موقع داخلي أو مدني وسيدفعهم في كل وقت إلى توقع إطلاق المتظاهرين النار عليهم وقتلهم. أضف إلى ذلك أن الإعلان عن الرقم كان سيتبعه ارسال الجثامين بصحبة مندوبين عسكريين إلى أهاليهم لتشييعهم في قراهم ومدنهم. وغالبا ما يكون المجندون في المواقع المدنية من القرى والأرياف والصعيد.. ولنا أن نتخيل حالة الاحتقان التي ستسري بين سكانها لو استقبلوا الجثامين وشيعوها، مع ملاحظة أنه لا توجد قرية أو حارة لا يسكنها أقباط. [email protected]