ما أورعك يا مصر.. ما أورعك أيها المصري.. ما أجمل هذا الانتصار الكبير الذي تحقق بالتصميم والعزم. ما أجمل هذا الجمهور العظيم الذي حقق المستحيل وكان قاعدة الرعب لكل من لعب أمام منتخبنا على استاد القاهرة. ستظل ليلة أمس محفورة في تاريخنا. إنه ليس مجرد انتصار كروي، بل انتصار لقيمة التلاحم والعمل والاجتهاد. لعجينة المصري عندما تصمم ان تفعل شيئا، وعندما تقرر أن تعبر المستحيل. قبل أن تبدأ البطولة كان هناك شك كبير أن يمضي منتخبنا في البطولة وأن يجتاز القوى الكروية الرهيبة التي سيقابلها، خاصة أنه وقع في مجموعة الموت. كتبت أن الجماهير المصرية ستكون لها الكلمة الفصل. مهما كان مستوانا أقل من مستوى الآخرين فان الآلاف الذين سيملأون استاد القاهرة سيعوضون كل نقص، سيجعلون من كل لاعب مصري عملاقا. إنه جمهور يحرك الصخر، فقط علينا أن نشعره أن هناك هدفا قوميا نسعى اليه، ولابد أن نتكاتف من أجله. هذا ما كتبته قبل بدء البطولة.. وهذا ما حدث طوال الماراثون الصعب الذي خضناه بداية من مباراة ليبيا ونهاية بلقاء النهائي أمام العملاق العاجي الذي حاول كثيرا بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. ترصدوا للاعبنا الفدائي وائل جمعة ليخرجوه مبكرا، فهم يعرفون قدره وأهميته وسبق لمدربهم هنري ميشيل أن أشاد به، ضربه أحد لاعبيهم بعنف خلف ظهر الحكم ظنا أن الطريق سيصبح مفتوحا لهم بعد ذلك نحو مرمى الحضري! لكنهم فوجئوا بمستوى وحيوية البديل أحمد فتحي ولياقته العالية، وكيف أنه لم يجعلهم يهنئون على كرة واحدة. ترصدوا لبركات ولأبو تريكة ولأحمد حسن، في ظل تطنيش غير عادي من الحكم التونسي مراد الدعمي الذي ألغى هدفا صحيحا مائة في المائة، واعتقد أنه كان من الممكن أن يتغاضى عن ضربة الجزاء عندما حاول المدافع العاجي أن يتخلص من ساق بركات بفاول شرس ومؤذ، لو لم يكن هذا الفاول واضحا للجميع! إن اللاعب الذي ارتكب هذه اللعبة الخطرة المؤذية لم ينل حتى انذارا، في حين تفرغ الدعمي لاحتساب الفاولات على منتخبنا، كأنه كان يبيت لنا النية، لكن الله أخزاه وأعماه وضيع عليه سوء نواياه! أما هذا اللاعب دروجبا، فلم يكن فيلا أو نمرا.. لقد كان لاعبا عاديا بفضل الرقابة المحكمة التي فرضها عليه دفاعنا، فتفرغ للاعتراض والتشويش على الحكم وعلى لاعبنا أحمد حسن قبل أن يسدد ضربة الجزاء! لم يظهر المنتخب العاجي بنصف مستواه الذي ظهر به في مباراتنا معه في الدور الأول رغم أنه لعب بكل نجومه، وعلى العكس فقد غاب عنا نجوم مؤثرون مثل ميدو المستبعد بسبب ما بدر منه في مباراة السنغال تجاه مدربه حسن شحاتة، وفدائي الدفاع وائل جمعة، والعميد حسام حسن! لقد تفرغت الأفيال الوديعة لارهاب لاعبينا بالفاولات مستغلين عين الدعمي العمياء، وكادوا يتخلصون أيضا من العملاق الأمين عصام الحضري بفاول خطير، لكن الله سلم.. ولعب العملاق ضربات الجزاء، فتصدى لضربتين، الأولى لنجمهم دروجبا. إن عصام الحضري هو صاحب نصف الانتصار، فقد استطاع بتوقع سليم لمكان تسديد الكرة أن ينقذنا وينقذ ملايين المصريين والعرب المتعطشين لهذا الفوز الكبير. لولا عصام لكنا الآن وبصراحة شديدة نطلق قذائف النقد على مدربنا حسن شحاتة، الذي نسي التغيير فترة كبيرة في الشوط الثاني، ولم يدفع بالعميد رغم الحاجة شديدة اليه في الدقائق الأخيرة، ولم يتدخل ليجعل لاعبا آخر غير أحمد حسن يتصدى لضربة الجزاء التي جاءت في وقت قاتل من المباراة ولو سجلها لأراحنا من كل الشد العصبي وضغط الدم الذي أصبنا به بعد ذلك! كما أنه جعل أحمد حسن يتصدى للضربة الأولى من ضربات الترجيح.. ورغم أنه سجلها والحمد لله، فانها كانت بالفعل مجازفة كبيرة لا يقدم عليها سوى مدرب مغامر غير مقدر للعواقب، فلا يجوز أبدا أن أعالج حالة نفسية للاعب على حساب وطن كامل.. ماذا لو تصدى الحارس لهذه الكرة أو أخرجها حسن في الآوت كما فعل في ضربة الجزاء التي ضيعها؟! أيضا كاد يفسد علينا الفرحة عندما جعل عبد الحليم علي يتصدى لضربة ترجيح ضمن الضربات الخمس الأولى فأضاعها لأنه لم يكن قد دخل بعد الأجواء النفسية للمباراة لمشاركته في نهايتها! على حسن شحاتة ان يسأل نفسه.. لماذا لم يجعل لاعبا مثل ابو تريكة يسدد ضربة الجزاء التي احتسبها لنا الدعمي، فهو لاعب ماهر وفنان وذكي، ولولا مثل هذه المواصفات لما أحرز تلك الضربة الرائعة التي جعلتنا نحصل على البطولة. لقد دخل حسن شحاتة سجل المدربين المصريين الكبار بهذه البطولة الكبيرة التي حققنا فيها الرقم القياسي في مرات الفوز متفوقين على كل من الكاميرون وغانا، ولكي يمضي في مسيرة نجاحه عليه أن يتعلم من أخطائه ويطور من أدائه.. فقد كان الجمهور الكبير المخلص لاعبه الأفضل والمؤثر طوال هذا الماراثون، لكن عليه أن يعلم أنه سيلعب بطولات ومباريات خارج مصر، وانه اذا كان التوفيق حليفه هذه المرة حتى لا يرد الله الملايين خائبين، فانه لا ضمان للتوفيق في كل مرة! إن أخطاء المباريات النهائية تصيب وطنا بأكمله بكارثة، والحمد لله أن دعوات الملايين مررت أخطاء شحاتة الكثيرة ليلة أمس. أخطاء ظاهرة للجميع ولا يجب أن ينسينا هذا الانتصار الكبير الحقيقة. ارادة الله جعلت دروجبا لا يرى المرمى وهو منفرد به تماما ولم تكن الكرة تحتاج سوى الى نفخة منه لتحتضن الشباك! إن الكبار وحدهم هم الذين يستقبلون البطولات والانتصارات التي يحرزونها بوقفة صادقة مع النفس، يرون بتواضع شديد ثغراتهم وأخطائهم حتى يعالجوها ليستمر تفوقهم. ومع كل ذلك دعنا نقول ان شحاتة هو صاحب الفرح، أبو الانتصار، وان ابناءه اللاعبين صنعوا معجزة وفازوا ببطولة أخذوها من أنياب الأسود والأفيال وغيرهم.. وان الجماهير العريضة التي ملأت استاد القاهرة هي كلمة السر التي فشل عباقرة مدربي العالم أن يفكوا شفرتها! [email protected]