تفاجئ المصريون بقرار الإدارة الأمريكية في الأسبوع الماضي باستئناف المساعدات العسكرية إلى مصر، خلال اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي، أخبره خلاله أنه سيقوم برفع الحظر عن المساعدات العسكرية لمصر للمرة الأولى منذ أكتوبر 2013. وقال بيان للبيت الأبيض إن أوباما أعلم السيسي أنه "سيقوم برفع المنع التنفيذي الذي كان قد وضعه في أكتوبر 2013 على إيصال طائرات أف 16 وصواريخ هاربون ومعدات دبابات إم1 إيه1"، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي "سيستمر بطلب 1.3 مليار دولار (من الكونجرس الأمريكي) من المساعدات العسكرية لمصر". وأبلغ أوباما، السيسي أنه "ابتداء من السنة المالية لعام 2018 سيتم تقنين المساعدات العسكرية الأمريكية عبر 4 تصنيفات هي مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وأمن سيناء والأمن البحري وتعزيز منظومات الأسلحة الموجودة ضمن ترسانة الأسلحة المصرية". وأكد أوباما أن هذه الخطوات "ستساعد على تحسين علاقات المساعدات العسكرية بيننا لكي نستطيع تقوية موقفنا في التعامل مع التحديات المشتركة التي تواجه المصالح المصرية الأمريكية في منطقة غير مستقرة". من جهتها، قالت المتحدثة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي "للولايات المتحدة عقود من العلاقات مع مصر، إلا أنه ومنذ أغسطس 2013 وبعد حملة الحكومة المصرية، أوضحنا أن التزامنا بتحقيق مصالحنا الأمنية ودعمنا لإصلاح سياسي مصري ذو مغزى بعد أحداث أغسطس 2013، أمر الرئيس أوباما مراجعة شاملة لمساعداتنا الأمنية لمصر". وأوضحت أن فريق الأمن القومي الأمريكي قد أتم مراجعة المساعدات العسكرية لمصر "في ظل الأوضاع الحالية لمصر والمنطقة"، وتوصل إلى أن على "الإدارة (الأمريكية) أن تستخدم المرونة التي منحها إياها الكونجرس في تشريعه لهذه السنة المالية لتقديم مساعدات عسكرية إضافية إلى مصر". وأرجع خبراء سياسيون مصريون القرار الذي بموجبه ستطلق الإدارة الأمريكية 12طائرة من نوع "إف 16" و20صاروخًا من نوع هاربون وقرابة 125 قطعة من دبابات إم1 إيه1 إبرامز إلى جملة من العوامل، تتمثل في عملية "عاصفة الحزم" العسكري باليمن، واستهداف مصر لما قالت إنها تجمعات لتنظيم الدولة "داعش" في ليبيا، وبحث مصر عن حلفاء جدد، ونجاح المؤتمر الاقتصادي، وتشكيل القوة العربية العسكرية المشتركة. وقال الدكتور محمد السعدني، الخبير السياسي ونائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن قرار الولاياتالمتحدة باستئناف المساعدات العسكرية لمصر ناتج عن سياسة الاحتواء التي اعتادت أمريكا ممارستها مع مصر. وأضاف "الإدارة الأمريكية اتخذت هذا القرار بعد سعي مصر لتنويع مصادر السلاح مع روسيا والصين وكوريا، لأن أمريكا تريد عودة المياه الدافئة في البحر المتوسط"، وتابع: "عندما أيدت أمريكا عاصفة الحزم لجذب مصر إلى الاستراتيجية الأمريكية مرة أخرى فأمريكا تتبع السياسة البرجماتية". وأوضح السعدني، أن "الصورة الجديدة التي ترسمها مصر لنفسها في إقليم الشرق الأوسط تأكدت، ومع تنامي الدور المصري تحاول أمريكا استعادة العلاقات القوية مع مصر عن طريق إعادة السلاح التي تعطيه لها خاصة بعد الاتفاق على تكوين جيش عربي مشترك. من جانبه، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "الموقف الأمريكي تجاه مصر في تراجع مستمر، فلم يعد يوصف الرئيس عبدالفتاح السيسي برئيس الانقلاب، فبدأ يتآكل بسبب نجاح النظام الحالي في تثبيت أقدامه بالداخل وأنه يحظى بتأييد شعبي حقيقي، بالإضافة إلى تغيير الموقف الإقليمي في الشرق الأوسط بأكمله". وأضاف "الموقف الأمريكي الأخير من الرئيس عبدالفتاح السيسي ليس موقفًا محايدًا ولكن موقفًا سياسيًا متدنيًا"، مشيرًا إلى أن "ظهور داعش والحوثيين وتمدد النسيج الإيراني في عدد كبير من الدول العربية والمخاطر التي أصبحت تحيط بالمنطقة من كل مكان، وراء تغير الموقف الأمريكي باستئناف المساعدات العسكرية لمصر عسكريًا؛ لأن الولاياتالمتحدة أصبحت تسعى لتطبيع العلاقات مع مصر". وتابع قائلاً: "أمريكا هي اللي قدمت تنازلات مش إحنا"، وقال الدكتور نبيل دعبس، رئيس حزب "مصر الحديثة"، إن "هذا القرار اعتراف أمريكي جديد بشرعية ثورة يونيو ويمثل ضربة أمريكية قوية لجماعة الإخوان وحلفائها الذين زيفوا الحقائق، مضيفًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي نجح بامتياز في إدارة هذا الملف". وأضاف أن "محاضر اجتماعات الكونجرس بشأن هذا الموضوع تضمنت عبارات واضحة بأن ما حدث في 30 يونيو هو تغيير شعبي كبير وليس تغييرًا عسكريًا؛ حيث كان يستخدم هذا التعبير من قبل، والرئيس السيسي كان حريصًا في جميع المقابلات مع المسئولين الأمريكيين خلال الشهور الماضية على التأكيد بأن ما حدث هو ثورة شعبية وكان يصحح أي تعبير يخالف هذا المعنى". ومنح الكونجرس الأمريكي صلاحية لوزير للإدارة الأمريكية كي يقيم مدى التزام مصر بالمتطلبات التي تحددها الولاياتالمتحدة بغرض الحصول على مساعداتها عن طريق قيام الوزارات المختصة بإصدار إقرارات أو شهادات لتجاوب مصر مع مجموعة معينة من هذه المتطلبات بغرض أطلاق سراح مجموعة من المساعدات المخصصة لمصر في مجال معين. وتجمد الولاياتالمتحدة جزءًا من المساعدات الممنوحة إلى مصر بمئات الملايين من الدولارات لعدم التزام الأخيرة بمعايير حرية الرأي والتظاهر وتشكيل الجمعيات والمحاكمات الجماعية بحسب بيانات رسمية أمريكية. وتبلغ المساعدات العسكرية لمصر 1,3 مليار دولار سنويا لتأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل من بين الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية من الولاياتالمتحدة بحسب متحدثة البيت الأبيض.