شبهوها بملكة سبأ "بلقيس" التي سجَّلت تاريخًا ناصعًا للمرأة اليمنيَّة في الحكم وفي نهج التحرر والديمقراطيَّة والشورى، كما وصفها آخرون بالمرأة الجريئة التي كسرت حاجز الخوف بالنسبة للمرأة اليمنيَّة، هي توكل كرمان التي حازت على جائزة نوبل للسلام بسبب دورها في الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن، بالإضافة لموقفها المشرِّف في دعم الثورة اليمنيَّة. لمع نجم توكل –التي تعتبر أول امرأة عربيَّة تحصل على هذه الجائزة الرفيعة- من خلال مقالات سياسيَّة ساخنة وجريئة كانت تنشرها في صحيفة ناطقة بلسان الحزب الاشتراكي وهي مفارقة لكاتبة إسلاميَّة في صحيفة يساريَّة، ثم تحولت إلى ناشطة حقوقيَّة عبر تأسيسها لمنظمة صحافيات بلا قيود. توكل ابنة السياسي والقيادي الإخواني البارز عبد السلام كرمان، أجبرت القائمين على جائزة نوبل، بمنحها إياها، رغم الاتهامات السابقة واللاحقة بأن اللوبي الصهيوني هو من يتحكم في هذه الجائزة، فكانت توكل السهم الذي اخترق "الشائع" والمتعارف عليه بأنه لا بدَّ من "صك التطبيع" لتفوز بنوبل. وما يبرز حقها في الجائزة، أنها علمت بها خلال وجودها في "خيمتها"، تلك الخيمة التي قضت بها ثمانية أشهر تفترش خلالها الأرض وتلتحف بالسماء لتحقيق مطالب الثورة اليمنيَّة السامية، في إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح. من هي توكل؟ هي توكل عبد السلام خالد كرمان أو "توكل كرمان"، ( ولدت 7 فبراير 1979 بمحافظة تعز) أول عربيَّة تحصل على جائزة نوبل للسلام، كاتبة صحفيَّة وناشطة ورئيسة منظمة صحفيات بلا قيود، وكانت قبل ذلك أديبة وشاعرة. وهي أحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن، وهي ابنة القيادي الإخواني ووزير الشئون القانونيَّة الأسبق وعضو مجلس الشورى اليمني عبد السلام خالد كرمان، كما أنها عضو بمجلس شورى "اللجنة المركزيَّة" لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل تيار "الإخوان المسلمين في اليمن". وفدت أسرتها مبكرًا إلى العاصمة صنعاء مهاجرةً من محافظة تعز، تبعًا لعمل والدها، ثم تخرجت من جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء بكالوريوس تجارة عام 1999، وبعدها حصلت على الماجستير في العلوم السياسيَّة ونالت دبلوم عام تربية من جامعة صنعاء، ودبلوم صحافة استقصائيَّة من الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة. عُرفت بشجاعتها وجرأتها على قول الحق ومناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري، ومطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسيَّة وكانت في طليعة الثوَّار الذين طالبوا بإسقاط نظام علي صالح. قياديَّة بارزة في الثورة الشبابية الشعبيَّة، وشاركت في الكثير من البرامج والمؤتمرات الهامَّة خارج اليمن حول حوار الأديان، والإصلاحات السياسيَّة في العالم العربي، وحرية التعبير، ومكافحة الفساد. وتحمل كرمان عددًا من العضويات في مؤسسات مدنيَّة محليَّة وعالميَّة، أبرزها عضو نقابة الصحفيين اليمنيين وعضو اتحاد الصحفيين العرب وعضو اتحاد الصحفيين العالميين وعضو صحفيين لمناهضة الفساد (YEMENJAC ) وعضو المنظمة الدوليَّة للصحافة (IRE ) وعضو مؤسّس منتدى (WANA ) لدول غرب آسيا وشمال إفريقيا وعضو منظمة الخط الأمامي FRONT LINE وعضو منظمة العفو الدوليَّة. كرمتها السفارة الأمريكيَّة لشجاعتها في الثورة اليمنيَّة ومنحتها جائزة الشجاعة، كما تَمَّ اختيارها من قِبل منظمة مراسلون بلا حدود الدوليَّة التي يوجد مقرها في باريس، كواحدة من سبع نساء كبار أحدثن تغييرًا في العالم. أخرجت العديد من الأفلام الوثائقيَّة حول انتهاكات حقوق الإنسان والحكم الرشيد في اليمن، منها فيلم "دعوة للحياة"، ويعالج ظاهرة الانتحار في اليمن، إضافة إلى فيلم "المشاركة السياسيَّة للمرأة في اليمن"، وفيلم "تهريب الأطفال في اليمن". شرارة الثورة تُعد توكل كرمان، مُطلقة شرارة الثورة اليمنيَّة، من خلال حركة احتجاجات صغيرة الحجم وكبيرة المطالب عبر الاعتصام كل يوم ثلاثاء، أمام مقر مجلس الوزراء اليمني برفقة عدد قليل من الصحفيين والحقوقيين، بعد أن أطلقوا على مكان الاعتصام ساحة الحرية. وكتبت توكل مئات المقالات الصحفيَّة في عديد من الصحف اليمنيَّة والعربيَّة والدوليَّة، كان أهمها ما كتبته في عام 2006، و2007، من دعوة مبكرة لإسقاط نظام صالح، ودعوتها له للخروج من السلطة. وفي بداية التظاهرات الاحتجاجيَّة الأخيرة تعرَّضت توكل كرمان للاختطاف من قِبل عناصر أمنيَّة، حيث اقتيدت إلى سجن تابع للداخليَّة ما أثار ضجة كبيرة واستنكارًا شعبيًّا واسعًا أجبر السلطات اليمنيَّة على الإفراج عنها خلال أقل من 24 ساعة مما زاد من شعبيتها وحجم التعاطف معها. في جلّ التجمعات والاعتصامات التي تشهدها المدن اليمنية،كانت تظهر توكل كرمان على منصة خشبية في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء لتلقي خطابات وبيانات ينصت لها مئات الآلاف من المتظاهرين. يتهمها خصومها من الحزب الحاكم بتلقي أموال من السفارة الأمريكيَّة في صنعاء ومن منظمات دوليَّة تحت غطاء منظمتها غير الحكوميَّة، وأنها واحدة من أدوات تنفذ أجندة خارجيَّة تستهدف زعزعة استقرار وأمن اليمن. تزايدت التهديدات بعد عملية اغتيال للرئيس اليمني من قِبل مجهولين في 3 يونيو 2011، حيث قالت توكل كرمان إنها استلمت برسالة إلكترونيَّة عبر البريد وموقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" في 16 يونيو 2011 من مجموعة تسمى "كتائب الثأر لليمن وللرئيس صالح" تطالبها بالاعتذار للشعب اليمني و"الاعتراف بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكيَّة" مقابل إطلاق سراح شقيقها طارق كرمان المختطف منذ أسبوع، وقد تزامن اختطاف أخيها مع عمليَّة اقتحام مجموعات مجهولة لمنزلها في صنعاء. ولكن رغم تعرُّضها للعديد من التهديدات والمضايقات والاعتداءات من أجل إثناءها عما تقوم به، إلا أنها لم تعر ذلك كله اهتمامًا ولا زالت تقوم بدورها في مناصرة أهدافها، وفضح الفساد، ومناهضة الاستبداد. وبشجاعتها وإصرارها على الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الفساد في اليمن نالت توكل احترام وثقة الكثير من الكتاب والناشطين والنخب الاجتماعيَّة والسياسيَّة في اليمن، وكذا المراقبين والمهتمين إقليميًّا ودوليًّا. أقوال مأثورة جاءت تصريحات توكل لتوضح شيئًا من "أفكارها" و"ميولها"، إذ أنها فور الإعلان عن فوزها بنوبل للسلام، أرجعت ذلك إلى نضال الشعب اليمني وتضحياته في سبيل نيل الحرية، مؤكدةً أن الثورة اليمنيَّة بدأت منذ سنوات وأخذت وقتها طيلة هذه السنوات صبغة الاعتصام والتظاهر السلمي كنهج حياة في مواجهة الاستبداد والظلم والأنظمة القمعيَّة. وأوضحت أن فوزها بجائزة نوبل للسلام يُعد المرحلة الأولى لمحاكمة الرئيس اليمني، مشيرةً إلى أن المجتمع الدولي سيلاحق صالح الذي وصفته بأنه "الإرهابي الأول". كما أكَّدت أن الجائزة ليست تتويجًا شخصيًّا، بل هي هدية لكل الشعوب العربيَّة التي ثارت ضد الظلم, مشيرة إلى أنها تأمل بأن تكون الجائزة بداية لعهد جديد في العالم العربي، مهدية الجائزة لكل ثوَّار مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن. ردود الأفعال لاقى فوز كرمان بالجائزة ردود أفعال كبيرة في العالمين العربي والدولي، فقد رحَّب نشطاء مصريون بفوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام، وقالوا إنها جائزة للعرب أجمعين، لا سيَّما دول الربيع العربي، متوقعين أن تمثل الجائزة دفعة قوية للثورة اليمنيَّة، وأن تعجّل بسقوط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، الذي بات يمارس القمع والقتل بكافة صوره ضدّ المحتجين السلميين، ويسعى إلى تفجير حرب أهليَّة في أنحاء اليمن. ووجهت الأمانة العامَّة للجامعة العربيَّة التحية إلى دور توكل الرائد في النضال السلمي من أجل حماية حقوق المرأة اليمنيَّة والعربيَّة وجهودها من أجل بناء الديمقراطيَّة وتحقيق السلام في اليمن. واعتبرت أن هذا التقدير الدولي للناشطة الشابة توكل كرمان تكريم لها وللنساء اليمنيات والعربيات في سعيهن لنيل فرص متساوية للتأثير والمشاركة الفاعلة في مجتمعاتهن ووضع حدّ للتهميش الذي تعاني منه المرأة. وأعلنت الجامعة أن فوز امرأة عربيَّة بهذه الجائزة يشكل اعترافًا دوليًّا بأهمية ومحورية دور المرأة العربيَّة في بناء مجتمع الديمقراطيَّة والسلام والعدالة الاجتماعيَّة والمشاركة في قيادة المساعي السلمية للإصلاح والتنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في إطار يضمن حقوقها ويفتح الآفاق أمامها واسعة من أجل تحقيق طموحاتها. وعلى الصعيد الإعلامي العربي، اعتبرت صحيفتا الراية والشرق القطريتان منح جائزة نوبل للسلام لهذا العام لكرمان تقديرًا دوليًّا رفيعًا للمرأة العربيَّة ونصرًا من أجل عالم عربي ديمقراطي جديد. وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بكرمان، واصفًا إياها بأنها "دليل على قوة المرأة القياديَّة، وتؤكد الدور الحيوي الذي تؤدِّيه المرأة في تعزيز السلام وحقوق الأمن والتنمية وحقوق الإنسان". وقالت وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة هيلاري كلينتون: "إن الشجاعة والقوة والقيادة التي لا تتزعزع لكرمان لبناء السلام وتعزيز المصالحة والدفاع عن حقوق المواطنين في بلادها توفر مصدر إلهام لحقوق المرأة والتقدم الإنساني في كل مكان". بينما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: إن الناشطة اليمنيَّة واحدة من ثلاث نساء فزن بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وظلت وزميلاتها من الناشطات تمثل صوتًا قويًّا لعدم العنف في بلد يفوق فيه عدد البنادق تعداد أفراد الشعب رغم التهديدات بالعنف ضد المتظاهرين السلميين، مشيرًا إلى أنها كانت من أوائل من خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات هذا العام للمطالبة بحقوقهم العالميَّة. وأوضح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن كرمان واحدة من أكثر النساء الناشطين في مجال حقوق الإنسان في اليمن، مشددًا على أن حصول كرمان على نوبل للسلام يُعد تكريمًا لجميع الشعوب العربيَّة التي تعبّر بشجاعة عن تطلعاتها للحرية والديمقراطيَّة التي تدعمها فرنسا. وكان حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، قد رحَّب في بيان رسمي بمنح كرمان جائزة نوبل للسلام، تضمن أن منح امرأة يمنيَّة عربيَّة جائزة على هذا القدر من المكانة الدوليَّة، يُعد إنجازًا جديدًا يضاف إلى إنجازات المرأة اليمنيَّة التي واجهت التخلف والاستعمار وكانت سندًا لأخيها الرجل في تحقيق الإنجازات. المصدر: الإسلام اليوم