التهديدات التى أطلقها وزير الداخلية ، اللواء حبيب العادلى ، منذ أيام فى الاحتفال المؤجل بعيد الشرطة ، خطيرة الدلالة ، ولا يجب أن تمر دون وقفة تأمل تليق بخطورتها وخطورة الشخص الذى صدرت عنه ! . فاللواء العادلى هدد – بصريح العبارة – القوى والحركات السياسية والمثقفين والصحفيين وقادة الراى ، تهديدا ً واضحا ً ، بحجة أنهم يسيئون استغلال حرية الرأى والتعبير المتاحة [ وما أعظمها فى وطن الحكم المستبد و" سيد قراره "! ] لإثارة الفوضى ، والتحريض على العنف ، وانتهاك الشرعية ، والتستر على ممارسة الابتزاز ، والبلطجة السياسية وتزييف الحقائق !! . والحق أن هذه الاتهامات المجانية تعكس بوضوح منهج الخلط البيَّن فى الأوراق ، والتجاهل الفاضح ، والتعمية على الوقائع الثابتة ، وهو المنهج التقليدى المستخدم من السلطة ، على امتداد العقود الماضية ، فى مواجهة خصومها السياسيين ، فما أسهل أن تُخرج السلطة من أدراجها ترسانة الاتهامات الجاهزة ، من أول " العمالة " إلى " إثارة الشغب " و" التخريب " لكى تقمع المعارضين لسياستها ، وبدلا ً من أن تواجه الواقع – كما هو – وتبحث عن مخرج لأزماته وأزماتها يحل مشكلات الناس ، ويحاصر عوامل الاحتقان التى تتجمع فى الأفق ، يلجأ النظام إلى الحل الأسهل – من وجهة نظره – وهو تحميل المعارضين الوطنيين تبعات ما تسببت فيه سياسات الإفقار والنهب والفساد والتبعية ، التى مارسها ويمارسها الحكم ، وما أدت إليه من تردٍ ملحوظ للأوضاع المعيشية لعشرات الملايين من المصريين ، ومن زيادة الفجوة بين نخبة أغنياء المجتمع من ناهبى المال العام ، وبين القطاع الأعظم من البسطاء ، الذين يعانون ، ُمَّر المعاناة ، لتوفير حد الكفاف ، ويموتون ، بالآلاف بلا ثمن ، فى عبّارات الموت التى يملكها علية القوم من رموز الفساد السياسى والاقتصادى ، المحميين بالحصانة ، والمدعومين بأركان الحكم نفسه ! . لقد مارست القوى والحركات السياسية – على امتداد العامين الماضيين – حقها الطبيعى فى التعبير عن الرأى ، ودعت – سلميا ً – لتغيير ديمقراطى فعلى ، ينقذ الوطن من محنته التى استطالت ، ويفتح بوابات الأمل أمام الناس ، قبل الانفجار القادم لا محالة ، فى ظل استمرار الأوضاع الرهيبة ، الراهنة ، على ما هى عليه من إنحطاط وتدهور ولم تسجل طوال مظاهراتها التى عمت العاصمة والمحافظات ، بالعشرات ، حالة واحدة للخروج عن روح العمل السياسى الذى يسعى للتغيير بالسبل الديمقراطية المشروعة ، أما الذى مارس البلطجة والعنف ، وانتهاك الشرعية ، بالفعل ، فليس المعارضة الديمقراطية ، وإنما السلطة نفسها ، وإذا أراد السيد وزير الداخلية تذكيرا ً ، فليعد إلى ملفات يوم الاستفتاء الأسود ، فى 25 مايو 2005 ، حين سحلت زبانيته ، المدعومين ببلطجية الحزب الوطنى ، أعضاء حركة " كفايه " ، الذين خرجوا يحتجون – سلميا ً – على الاستفتاء المصطنع فى ظل تعديلات المادة ( 76 ) المشبوهة ، وانتهكوا أعراض فتيات الحركة والصحفيات ، علنا ً ، وأمام الجميع ، ليس فى مصر وحدها ، وإنما فى العالم أجمع ، الذين شاهدوا – وبالبث العلنى المباشر ، صوت وصورة ! – وقائع هذه الجريمة البشعة ، التى ستلاحق مرتكبيها لعنتها إلى أبد الآبدين . ولماذا نذهب بعيدا ً ، فلتتذكر يا سيادة الوزير ما حدث فى أيام الانتخابات الماضية ، ووقائعها لم تزل بالذاكرة ، فمن الذى استخدم قوات الأمن والهراوات والقنابل المسيلة للدموع ؟! : المعارضون أم النظام ؟! ومن أطلق الرصاص المطاطى ؟! ومن قتل ضحايا الانتخابات ومن زور ولجأ إلى العنف والبلطجة ؟! . وإذا كان وزير الداخلية يتصور أنه – بهذه التهديدات قد أخافنا ، فليعلم ، وليعلم الجميع ، أن عهد الخوف قد ولى وانقضى زمنه ، فمنذ أن خرجت مظاهرات " الحركة المصرية من أجل التغيير " تهتف . . " كفايه " ، وُلد واقع جديد فى مصر لم تعد فيه الناس ترهبها جحافل القمع ، ولم تعد الجماهير تخشى من تهديدات التعذيب والضرب والسحل والانتقام . سيادة الوزير : " كفايه " تهديدات ، فلقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ً ، ولن نستعبد بعد اليوم ! . [email protected]