تشهد الجزائر منذ مطلع العام الجاري، احتجاجات متواصلة على مشروع حكومي للتنقيب عن الغاز الصخري، وسط انقسام داخلي بين موالاة ترى هذه الطاقة "نعمة إلهية" يجب الاستثمار فيها، كما قال الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، ومعارضة تعتبرها "نقمة" كونها تشكل خطرا على البيئة فضلا عن أنها تلبية لرغبات قوى دولية وشركات متعددة الجنسيات مقابل دعم النظام الحاكم. وشهدت أزمة مشروع الغاز الصخري في الجزائر تصعيدا منذ بداية العام الجاري، فبعد أن كانت في شكل احتجاج شعبي لسكان منطقة عين صالح بمحافظة تمنراست (جنوب) التي أطلقت بها الحكومة مشروعا للتنقيب عن احتياطات البلاد من الغاز الصخري، واتسعت دائرة الاحتجاجات لتشمل عدة محافظات من البلاد، كما تبنت كبرى القوى المعارضة في البلاد هذا الملف "تضامنا مع سكان الجنوب ". وتدخل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مناسبتين لطمأنة سكان الجنوب حول المشروع منذ اندلاع الاحتجاجات لكن دون جدوى. وقال بوتفليقة في كلمة له أمام اجتماع مجلس الوزراء يوم 28 يناير/كانون الأول الماضي، "في حال تبين أن استغلال هذه الموارد الجديدة من المحروقات يشكل ضرورة ملحة لتحقيق الأمن الطاقوي للجزائر على المدى المتوسط والطويل، فإنه يتعين على الحكومة السهر بصرامة على ضمان احترام الشركات المستغلة للتشريعات من أجل حماية صحة المواطنين والحفاظ على البيئة". وشدد بوتفليقة في رسالة ثانية بمناسبة احتفالات ذكرى تأميم قطاع النفط (يوم 24 فبراير/شباط 1971) أن "النفط والغاز التقليدي والغاز الصخري والطاقات المتجددة كلها هبة من الله، ونحن مناط بنا حسن الاستفادة منها"، بشكل أوحى أن الحكومة ماضية في المشروع. وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والأرجنتين من حيث احتياطات الغاز الصخري، بحسب تقرير صدر العام الماضي عن وزارة الطاقة الأمريكية حول احتياطات الوقود غير التقليدية. وبعد هذه التصريحات، صعد الناشطون الرافضون لمشروع استغلال الغاز الصخري في الجنوب احتجاجهم مطالبين بالوقف الفوري لعمليات التنقيب. وقال القيادي في لجنة مناهضة الغاز الصخري (غير حكومية)، سويد فاروق، لوكالة الأناضول في وقت سابق "لابد من أن يتواصل الحراك الشعبي ليس في الجنوب، فحسب بل في كل مكان في الجزائر حتى نتمكن من تغيير طريقة التسيير (تعامل الحكومة) في الجزائر التي تعتمد على الإقصاء المنهجي لرأي المواطنين". ويردد الرافضون للمشروع من نشطاء وسياسيين أن "استغلال الصخري يعد خطرا على البيئة، بحكم أن الدراسات أثبتت أنه يلوث المياه الجوفية، التي تعد ثروة هامة في الجنوبالجزائري". وقال بوعلام عمار أحد قيادات الحراك الشعبي ضد الغاز الصخري، في حديث مع الأناضول الشهر الماضي، "يعتمد أكثر من 4 ملايين من سكان المحافظاتالجنوبية على الماء الذي يستخرج من جوف الأرض، وقد أثبتت دراسات علمية أن استخراج الغاز الصخريسيؤدي إلى تلويث المياه الجوفية، وهو ما يعني حرمان السكان من مورد الحياة الوحيد في الجنوب". وأعلنت أحزاب سياسية وشخصيات جزائرية معارضة مساندتها لمطالب السكان الرافضين للمشروع في الجنوب وانضمت لوقفات ومسيرات نظموها في مدن جنوبية. وقال علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق ومنافس بوتفليقة الأول في انتخابات الرئاسة شهر أبريل/نيسان الماضي، في بيان له يوم 14 مارس/ آذار الجاري "ندد بالتسيير الأحادي والتسلطي والتعسفي لملف الغاز الصخري، وأن النظام السياسي القائم لم يعد قادرا على التحكم في الأحداث بل أنه أضحى لا يعالج ولا يحل مشاكل البلاد وإنما يفتعلها ويغذي الانسداد" من جهته، قال عبد الرزاق مقري رئيس "حركة مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي أن "استغلال الغاز الصخري لم يكن سوى ثمن العهدة (الولاية) الرابعة للرئيس بوتفليقة ضد مصالح الجزائر، والمجتمع الجزائري لم يُستشر في صفقات عقدت مع أطراف أجنبية ولا في ثمنها"، في إشارة منه إلى أن دولا دعمت فوز بو تفليقة بالولاية الرابعة مقابل الحصول على صفقات. أما قادة بن عمار وهو صحفي يقدم برنامجا حواريا شهيرا بفضائية "الشروق نيوز" الخاصة، فقال لوكالة الأناضول إن "هذا الجدل حول مشروع الغاز الصخري سببه بالدرجة الاولى أن السلطة الحاكمة تتعامل بأحادية ووصاية على الجزائريين في قراراتها بشكل عجل بالصدام مع سكان عين في الجنوب، عندما علموا بوجود مشروع للتنقيب عن هذه الطاقة هناك دون إعلان رسمي عن المشروع". وأضاف بن عمار، الذي أدار عدة نقاشات حول المشروع، أن "هناك قيادات من الموالاة استضفتهم يبررون رفض النظام التراجع عن المشروع المثير للجدل بدعوى أن الدولة لا تتراجع لمجرد أن مجموعة من السكان احتجوا وهو ما جعل المحتجين يرفعون سقف مطالبهم ويشترطون بدل فتح حوار حول المشروع وقفه نهائيا". وبحسب بن عمار فإن "هذا المشروع كشف عورة المعارضة أيضا فهي ظلت ساكتة منذ العام 2012 عندما صادق البرلمان على قانون يجيز استغلال الغاز الصخري كما تأخرت في تبني مطالب سكان الجنوب إلى غاية الأسابيع الأخيرة وبالتالي فهي تحركت متأخرة لإنقاذ نفسها شعبيا". وعن الحل لوقف هذا الجدل، قال بن عمار "برأيي لابد من صدور قرار واضح من الرئيس بوتفليقة لوقف المشروع وبعدها يفتح حوار مع الرافضين بمشاركة خبراء محايدين لتقييم ما يتم تداوله عن أخطاره".