هناك فرق كبير بين ما تتعرض له مصر بعد الثورة من عثرات أو عراقيل، وبين التصورات التي ترى أن التحول الديمقراطي قد لا يتحقق. فهناك البعض يتصور أن الثورة يمكن أن تفشل، ولا تحقق أهدافها، وعلى رأسها تحقيق الحرية، وإنجاز التحول الديمقراطي. والحقيقة أن طبيعة الثورة المصرية، تجعل من غير المتوقع فشل عملية التحول الديمقراطي. لأن الثورة المصرية اسقطت بالفعل بنية النظام المستبد، وأصبح من غير الممكن بناء نظام الاستبداد مرة أخرى. كما أن الثورة المصرية استحضرت العامل الذي غاب عن المعادلة السياسية في مصر، وهو عامل الإرادة الشعبية الحرة. لذا أصبح من غير الممكن بناء نظام الاستبداد مرة أخرى، في ظل الحضور الفاعل للإرادة الشعبية الحرة. فلا يمكن بناء الاستبداد دون وجود فئة أو طبقة تسيطر على الدولة بالكامل، وتعمل على إخراج المجتمع من المعادلة السياسية، ولا يوجد أي أساس يسمح بظهور هذه الطبقة أو الفئة، خاصة وأن الطبقة التي حكمت مصر، أصبحت مثالا للاستبداد والفساد، ولم يعد لها أي قدرة على إعادة بناء نفسها من جديد. كما أن بقايا الحزب الوطني لا تستطيع إعادة بناء نظام الاستبداد الذي شاركت فيه، لأنها أصبحت محطمة، وفي نفس الوقت، أصبحت مثالا يجسد الغضب الشعبي. ولا يمكن تصور بناء نظام الاستبداد، دون وجود حاكم يسيطر على السلطة بدون أي شرعية شعبية، ويستمر فيها بدون أي رجوع للشعب. فالاستبداد لا يبنى مع وجود انتخابات حرة ونزيهة ودورية. فشبكة الاستبداد والفساد، كانت تعتمد على وجود بنية راسخة ومستمرة، تبدأ بحاكم يسيطر على الدولة، وتبنى من حوله شبكة المصالح، والتي تظل تعمل من أجل مصالحها الذاتية، وفي الوقت نفسه تعمل من أجل مصلحة رأس النظام، ويصبح بقاء رأس النظام واستمراره في الحكم، عنصرا مهما لبقاء شبكة المصالح المتشكلة حوله. حتى ما يقال عن ممارسات الأجهزة الأمنية، والتي يغلب عليها نفس الأسلوب القديم، فهذا لا يعني أن الأجهزة الأمنية يمكنها بمفردها بناء نظام الاستبداد والفساد مرة أخرى. فالجهاز الأمني كان يوظف لصالح طبقة مسيطرة على الحكم، ويعمل على حمايتها وتحقيق مصالحها، وفي نفس الوقت يحقق مصالحه الخاصة. ولكن عدم وجود طبقة مستمرة في الحكم، وغير قابلة للتغيير، يحول دون بناء نفس العقيدة الأمنية السابقة، والتي كانت تتجاوز القانون، لصالح من يسيطرون على الحكم. فكان الحاكم يحمي تجاوزات الأجهزة الأمنية، بنفس القدر الذي كانت تلك الأجهزة تحمي الحاكم. نقصد من هذا، أن بناء نظام الاستبداد والفساد، يحتاج لطبقة مسيطرة على الحكم، ولا تتغير، مما يعني أن الاستبداد لا يبنى مع وجود انتخابات حرة ونزيهة ودورية. كل هذا يؤكد على أن الشرط الأول للتحول الديمقراطي، هو اختيار الشعب لمن يحكمه كل فترة زمنية، وكلما كانت الإرادة الشعبية الحرة حاضرة في انتخابات نزيهة وحرة ودورية، فلن يتمكن أحد من بناء نظام الاستبداد والفساد. ورغم أن المؤسسة السياسية القائمة على التعددية والديمقراطية، لها العديد من الشروط والعناصر التي يجب توفرها، إلا أن الشرط الأول لها هو الانتخابات الحرة الدورية. لأن الاستبداد لا يبنى مع تغير الحكام، وتغير ممثلي الشعب، ولا يبنى الاستبداد مع حضور الرأي العام وتأثيره. وهذا عنصر آخر مهم، فالرأي العام عندما يملك أدوات التأثير، ويصبح له دور فاعل في تحديد السياسات، يصبح من المستحيل بناء قاعدة جديدة للاستبداد والفساد. وتأثير الرأي العام مرتبط أيضا بالانتخابات، لأن الانتخابات الدورية، تجعل الحاكم وممثلي الشعب مرتبطين بالرأي العام، لأنه هو الذي اختارهم، وهو القادر على عزلهم مرة أخرى، أو عدم انتخابهم في الانتخابات التالية. هذا كله، يجعل الشرط الأول لبناء التحول الديمقراطي، يرتبط بالانتخابات الحرة النزيهة، مما يجعل على المجتمع مسئولية جوهرية، تتمثل في إنجاح تجربة الانتخابات الحرة النزيهة، لأن نجاح التجربة يجعلها تتحول إلى قاعدة راسخة، لا يمكن تجاوزها في المستقبل. وعندما يصر المجتمع على اختيار حكامه وممثليه بحرية ونزاهة، تبنى القاعدة الأولى للتحول الديمقراطي، وبعدها تتشكل كل مؤسسات الديمقراطية كآلية للحكم.