قالت الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" إن "المصالح ومحاربة الإرهاب" هما سر التقارب بين ألمانيا ومصر، بعد دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للرئيس عبدالفتاح السيسي رسميًا لزيارة برلين. الأمر الذي دعاها إلى التساؤل حول ما الذي طرأ على الموقف الألماني المتحفظ إزاء الأحداث والتحولات التي شهدتها مصر منذ صيف عام 2013؟ خاصة وأنه لم يتغير شيء يذكر لا على صعيد حقوق الإنسان ولا على كيفية وصول السيسي إلى الحكم بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي وملاحقة جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها كتنظيم "إرهابي" في مصر. هذا التحول تعزوه الناشطة إسراء عبدالفتاح إلى تغير النظرة الأوروبية لما حدث في مصر، قائلة: "تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئاسة في مصر جاء وسط قبول شعبي ووقوف شعبي وراءه، الأمر الذي ساهم في تغير الوعي والإدراك الغربي لما حدث في مصر من كونه انقلابا عسكريا إلى كونها ثورة شعبية انحاز إليها الجيش المصري". وتابعت "بالتالي تبين بأن دعم المؤسسة العسكرية للمطالب الشعبية لم يكن انقلابا عسكريا وإنما دعما لقيادة جديدة يعلق عليها الشعب آمالا كبيرة في أن تعبر به إلى شاطئ الاستقرار". مع ذلك، لم تلق دعوة السيسي إلى برلين بترحيب من الجميع، فقد أعرب حزب الخضر الألماني المعارض عن تحفظه. وصرحت فرانسيسكا براتنر، النائبة عن الحزب بالبرلمان الألماني، قائلة: "لقد فقدت الحكومة الألمانية من خلال سياستها الجديدة إزاء مصر كل المعايير القيمية". هذا الانتقاد يدفع إلى التساؤل: فيما إذا كانت المصالح الاقتصادية تتصدر أولويات السياسية الخارجية لبرلين؟ فالبعض برر الدعوة الألمانية للسيسي بالمصالح الاقتصادية، خاصة بعدما ظفر العملاق الألماني سيمنس بصفقة تقدر بعشرة مليارات يورو لبناء محطة حرارية للغاز وطاقة الرياح. لكن مصر تقليديا تلعب بالنسبة لألمانيا دورا أقل أهمية مثلا من السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، التي بلغ حجم التبادل التجاري معها عام 2013 مثلا 12,4 مليار دولار. من جهتها، علّقت صحيفة "فرانكفورته ألجيماينه تسايتونج" الألمانية في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع قائلة: "لا يمكن القول بأن الرئيس المصري (عبدالفتاح) السيسي ديمقراطي. ولكنه محظوظ بأن يكون رئيس إحدى أهم الدول العربية (...) والآن من المنتظر أن يزور الجنرال ألمانيا. وربما يثير ذلك –ولأسباب بديهية – غضب البعض على غرار (حزب) الخضر. ولكنها أيضا حقيقة بأن السيسي يحارب في بلاده أولئك الذين يهددون ألمانيا أيضا. هذا لا يغفر أي انتهاك لحقوق الإنسان ولكنه يبرر الاتصال المكثف". هذا الموقف المزدوج عبر عنه وزير الاقتصاد الألماني زيجمار جابرييل أيضا، والذي قال خلال مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ: "الدعم الاقتصادي لمصر مهم جدا بهدف دعم الاستقرار في البلاد على خلفية خطر الإرهاب. واستقرار مصر من مصلحتنا ومصلحة أوروبا". من جهته، استبعد الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوخن هيبلر أن تشكل المصالح الاقتصادية حافزا أساسيا في التقارب الألماني المصري. وقال: "لا يمكن تجاهل بلد كبير مثل مصر إذا ما نظرنا إلى انهيار الدولة في ليبيا والوضع المتوتر في شبه جزيرة سيناء بالإضافة إلى ما يحدث في سوريا والعراق وظهور تنظيم الدولة الإسلامية". وأوضح أن الوضع المتوتر في المنطقة وانعدام الاستقرار في أجزاء كبيرة منها جعل الحكومات الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، في حيرة من أمرها لانتهاج السياسة المناسبة في الشرق الأوسط. وأضاف: "من جهة، هناك انتقادات حادة لانتهاكات حقوق الإنسان على غرار الإعدامات الجماعية التي طالت جماعة الإخوان المسلمين، ومن جهة أخرى لا يوجد أي بديل حقيقي: فمع من تتعامل، مع الأنظمة الإرهابية أم مع أنظمة قمعية على غرار نظام الأسد؟". ورأى الخبير الألماني أن السياسة الخارجية الألمانية والأوروبية إزاء المنطقة لا تستند إلى "خطة واضحة ومدروسة"، حيث "تعلمت الحكومات الأوروبية بأنها قد أخطأت كل مرة تقدير الوضع: ففي البداية أعطت الاستقرار أهمية أكثر مما تستحق، ثم أعارت التحولات التي شهدتها المنطقة بداية من عام 2011 أهمية مبالغا فيها وحلمت بأن تتحول كل الدول العربية إلى أنظمة ديمقراطية. وبعدها أخطأت في تقدير خطر ظهور تنظيمات متطرفة وشرسة على غرار (الدولة الإسلامية)". وبالتالي فإن سياسة الحكومات الأوروبية إزاء المنطقة العربية "تتسم بالبراجماتية، ولكنها لا تنم عن تخطيط محكم بعيد المدى؛ بل هي ارتجالية وليدة متطلبات الساعة والتي تتغير بتغير الأوضاع". ويبدو أن متطلبات الساعة تقتضي التعامل مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رغم الجدل الذي أثاره على الصعيد الدولي بكيفية وصوله إلى الحكم ومن خلال تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين وكل أنواع المعارضة الحقيقية في مصر.