قال خبراء دوليون في حقوق الإنسان وأكاديميون في العلوم السياسية والاجتماعية إن "العولمة المستغلة والهيمنة والتعالي التي تمارسها مؤسسات كبرى ودول ذات نفوذ هي التي تعوق تعاونًا دوليًا ناجحًا لأعمال حقوق الإنسان الأساسية وتمكين الشعوب منها". جاء ذلك خلال حلقة نقاش متخصصة نظمها مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، في جنيف، مساء أمس، على هامش أعمال دورته ال 28، حول "التعاون الدولي للوصول بحقوق الإنسان الأساسية إلى التطبيق العملي الفعال والمتوازن". وخلصت الحلقة النقاشية، التي شارك فيها خبراء دوليون في حقوق الإنسان وأكاديميون في العلوم السياسية والاجتماعية إلى وجود "فجوة" في التعاون الدولي لأعمال حقوق الإنسان بين "النظرية والتطبيق" ما يزيد من حجم الشرائح المجتمعية التي لا تحصل على حقوقها الأساسية في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والسكن والتعليم والصحة. فمن جانبه، حذّر خوان كارلوس مونيديروغالا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “كومبلوتنس” الإسبانية في مدريد، في مداخلته أمام الحضور، مما أسماه "الانتقائية في التعامل مع ملفات حقوق الإنسان والكيل بمكيالين ما يؤدي إلى اتساع الفجوة الهائلة بين أقلية قوية ومتسلطة وأغلبية يجب عليها القبول بما يُملى عليها، وبين الدول التي تتوق إلى الحرية والديمقراطية وتلك التي يحجبها عنها آخرون". وأوضح أن "إعمال حقوق الإنسان عبر التعاون الدولي يعني ضرورة المساواة في القوة وفي المصداقية بالأداء، إذ من من غير المنطقي أن ترفض حكومات تطبيق معايير حقوق الإنسان لديها ثم تطالب غيرها بذلك وبصرامة ما يعد تسييسا لملف حقوق الإنسان، فضلا عن أن تعريف الكرامة الإنسانية غير متوافق عليه إلى اليوم". وطالب بضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن "الرأسمالية العالمية تحوّلت من نمط اقتصادي إلى نظام ثقافي، ونمط من أنماط الحضارة، وهو ما يجب أن يؤخذ في الحسبان عند الحديث عن عالمية حقوق الإنسان والتعاون الدولي لإعمالها، تماما مثلما نتحدث عن القانون والديمقراطية وكيف أنهما متلازمان إذ لا تُضمن الديمقراطية بلا قانون يتم تطبيقه على الجميع". وأشار إلى أن "الهوة السحيقة بين الشمال والجنوب في العديد من المجالات أفضت إلى فوضى شديدة يعيشها العالم اليوم نتيجة تراكمات لإرث الماضي، ما يقودنا إلى مفارقة أن الدول التي تروّج وتتصدر مشهد حماية حقوق الإنسان هي التي تنتهك هذه الحقوق أكثر من غيرها حتى أن بعض المتحدثين عن حقوق العُمال يتناولون هذا الحق ولكن من منظور أن العامل سلعة وليس إنسانًا له كرامته البشرية". كما انتقد الأكاديمي الإسباني بشدة ما وصفها ب "توجهات عالمية لتمييع العنف ما يؤدي إلى شلل في منظومة حقوق الإنسان وعالميتها ويهدد جهود الكرامة الإنسانية وأهدافها السامية"، مستندًا في ذلك إلى الإعجاب الشديد الذي قوبل به فيلم "قناص أمريكي" السينمائي للممثل برادلي كوبر، والمخرج كلينت استوود الذي يصور قصة أحد الجنود الأمريكيين في الحرب العراقية وكيف يصور الفيلم قناصًا قتل 160 شخصًا إلى بطل يستحق الإشادة. ولفت إلى أن "القوى المهيمنة على صناعة القرار السياسي والاقتصادي العالمي تعاني من محدودية في مفاهيم حقوق الإنسان ومن ثم يصعب تطبيقها بشكل عالمي، بل أصبحت حقوق الإنسان شعارًا يضعه المنتصرون لفرض ما يرونه هم كحقوق إنسان، ولذا اتسعت مشكلة اللامساواة وفُرِض صمت على أصوات من حقها أن تعبّر رأيها". من جهته، طالب مارتين خو، المدير التنفيذي لمنظمة مركز الجنوب (تحالف من منظمات غير حكومية مقره ماليزيا) بضرورة "إعادة النظر في النظم الدولية للتجارة والتكنولوجيا والملكية الفكرية والاستثمارات المالية لتحديد أولويات حقوق الإنسان المشروعة مثل الحق في المياه الصالحة للشرب والتعليم والصحة والسكن اللائق والغذاء كأساسيات في منظومة حقوق الإنسان والتي يجب دمجها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية". وأوضح خو، وهو خبير دولي متخصص في قضايا التنمية وتحديات العولمة، أن النظام العالمي يؤثر على قدرات بعض الدول في إعمال حقوق الإنسان وفقا لالتزاماتها ومن ثم فإن التعاون الدولي مطلوب ولكن بعدالة ومساواة ومصداقية. وضرب خو ثلاثة أمثلة على ما أسماها "مجالات هامة تتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا وسريعًا" وهي "ديون الدول النامية، وحق الإنسان في الغذاء، وحق الإنسان في العلاج الفعال والتمتع بصحة جيدة". ففي مجال ديون الدول النامية، أوضح خو أنها "تشكل عبئًا يعوق دخولها في عمليات تحسين بنيتها التحية للارتقاء بحقوق الإنسان في حياته المعيشية (الماء، والغذاء، والتعليم، والسكن، والصحة) ومن ثم فيجب هنا التعاون في النظر في كيفية إعادة هيكلة تلك الديون بما يسمح لتلك الدول بأن تُفَعِلَ التزاماتها في مجالات حقوق الإنسان الأساسية". أما في مجال الغذاء والزراعة، فقد أوضح أن "اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد وضعت حواجز وعوائق تمنع الكثير من الدول من حصول رعاياها على الحق في الغذاء بفضل هيمنة دول غنية كبرى على هذا المجال ما ترك تأثيرا كارثيا على العديد من دول أفريقية (لم يسمها) فأصبحت بدلا من أن تحصل على الاكتفاء الذاتي وفرص التصدير طبقا لما وعدت به منظمة التجارة العالمية، أصبحت مستهلكة لغذاء تستورده، من ثم فإن التعاون الدولي في حقوق الإنسان يتطلب هنا قيام الدول الغنية بإلغاء الدعم لمزارعيها والذي يسمح لهم بالتصدير بأسعار منافسة، وذلك حرصًا على حصول سكان الدول النامية على حقهم في الغذاء". وفي مجال الصحة، أشار الخبير الحقوقي إلى "الضرر الواقع على المصابين بأمراض مستعصية مثل التهابات الكبد أو السل أو الملاريا والتضارب بين وعود تمكينهم من سبل العلاج والوقاية وبين المتاح من الأدوية الباهظة الثمن التي تفوق إمكانيات المرضى بل وأيضا الدول، ومن ثم فإن تمكين هؤلاء المرضى من حقهم هذا يتطلب إصلاحا لمفهوم الملكية الفكرية للأدوية الخاصة بمثل تلك الأمراض ليتم إنتاج هذه الأدوية بسعر تكلفة زهيد يناسب محدودي الدخل في تلك الدول". بدوره، قال خوان سومافيا، المدير العام السابق لمنظمة العمل الدولية والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للتعاون في مجال السياسات المحلية، إن "المشكلة تكمن في أن الحلول المقترحة للتعاون الدولي لتفعيل حقوق الإنسان الأساسية تتضارب مع الأسباب الجذرية للمشكلات ومن ثم فإن تطبيق الحلول الموجودة والمعروفة بالفعل يتطلب أولا التعامل مع الأسباب وحلها". وأوضح سومافيا، الذي كان أول من حذّر من وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2007، أن أحد أسباب الإخفاق في تعزيز التعاون الدولي لإعمال حقوق الإنسان الاساسية هو أن وضع سياق التعامل مع التحديات ذات الصلة بتلك الحدود لم يكن مرتبطا بنهج اقتصادي محدد يصب في مصلحة تنفيذ تلك الأهداف، ومن ثم سارت الأهداف في طريق والاقتصاد في طريق منفصل تماما بتوجيه من فلسفة العولمة بالطبع، ثم جاءت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لتباعد بين المسارين، فضلا عن أن العولمة ليس لديها المكونات الأخلاقية التي تساهم فعلا في مجال إعمال حقوق الإنسان الأساسية". ولفت الخبير الأممي إلى أن "من شروط نجاح التعاون الدولي في إعمال حقوق الإنسان الأساسي تقليص الهوة بين تطلعات الشعوب وما تقوم به الحكومات، والشراكة في صياغة المسار وليس فرض مسار من طرف على آخر". من جانبها، طالبت دول مجموعة عدم الانحياز، في بيان مشترك، تلته إيران نيابة عنها أمام المجلس، بضرورة "الأخذ بعين الاعتبار أن الالتزام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان ينبغي أن يستند إلى حقيقية التعاون والحوار البناء واحترام التنوع الثقافي كمحرك للابتكار والتنمية والترويج للعدالة الاجتماعية والتسامح والتفاهم، وليس الانقسام ويجب ألا يُستخدم التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان كمبرر لمواجهة أيديولوجية بعينها أو وضع سياسة جديدة على حساب أخرى". وأشار البيان إلى أن "التعاون الدولي في مجال إعمال حقوق الإنسان أمر جوهري وأساسي ويمكن أن يؤدي إلى تطوير المعايير اللازمة لمواجهة التحديات الناشئة في مختلف مجالات الحياة اليومية ما يستجوب استحداث آليات مبتكرة لتسريع تنفيذ الحق في التنمية كأحد العناصر الأساسية في حقوق الإنسان". ورأت مجموعة عدم الانحياز (تأسست عام 1955 من 29 دولة إبان فترة الحرب الباردة للحفاظ على الحياد بين الاتحاد السوفيتي آنذاك والولايات المتحدةالأمريكية) أن التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان يمكن أن يحسّن من قدرات الدول في مجال تطبيق معايير حقوق الإنسان والتعامل مع المشكلات التي تواجهها بفضل تبادل الخبرات بين الدول وعبر آليات مجلس حقوق الإنسان. فيما أكد الاتحاد الأوروبي، في بيان له، التزامه “القوي لتعزيز التنمية والقضاء على الفقر وتسوية النزاعات بيد أن