"المحكمة الدستورية العليا تحدد مصير الاستحقاقات الانتخابية بمصر"، ذلك هو ملخص موقف تلك المحكمة التي تعد السلطة القضائية الأعلى، من استحقاقات انتخابية شهدتها البلاد، على مدار 4 سنوات، منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث أصدرت خمسة أحكام، أنهت بها شرعية ثلاث هيئات دستورية، فيما قضت بعدم دستورية مواد من مشروعين لقانوني انتخابات، أحدثها اليوم. وقضت المحكمة، اليوم الأحد، بعدم دستورية مادة متعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية، وهو الحكم الذي أدى بالتبعية إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررا أن تجرى بين شهري مارس/آذار الجاري ومايو/آيار المقبل على مرحلتين. وسبق حكم المحكمة الدستورية العليا اليوم، 4 أحكام أخرى، أثارت جدلاً منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لكن كان أشدها وطأة، ووصفه الساسة والمراقبون حينها بأنه" تاريخي" هو قرار المحكمة في 14 يونيو/حزيران 2012 ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى بالبرلمان في ذلك الوقت)، مما يعني ضمنيا حله. وتزامن الجدل مع اختلاف قانوني فيما إذا كان الحكم يعني حل مجلس الشعب بكامله أم يقتصر على عدم دستورية انتخاب ثلث الأعضاء، ليحسم الأمر بأن الحكم يعني حل المجلس بأكمله، إذ قالت المحكمة في حيثيات الحكم إن عدم دستورية ثلث الأعضاء سينطبق بالضرورة على باقي الثلثين وهو ما يؤدي إلى حل المجلس بأكمله. واستمر مسلسل الجدل عندما أصدر الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، قرارا جمهوريا يقضي بإلغاء قرار حل البرلمان الصادر من المحكمة وعودة مجلس الشعب المنحل للعمل مرة أخرى، وهو القرار الذي نددت به القوى السياسية المعارضة لمرسي واعتبرته تدخلا في شؤون القضاء، غير أن جماعة الإخوان المسلمين (التي ينتمي لها مرسي)، وحزب النور السلفي (كان مؤيدا لمرسي قبل أن يتحول لتأييد السلطات الحالية) أيدا الرئيس الأسبق فيما ذهب إليه. ولم يستمر المشهد ضبابيا كثيراً، إذ سرعان ما أصدرت المحكمة الدستورية قرارها بوقف تنفيذ قرار مرسي باستمرار مجلس الشعب في العمل، بعد ساعات من انعقاد مجلس الشعب لمدة 12 دقيقة في جلسة إجرائية أحال المجلس بمقتضاها ملف شرعية استمرار انعقاده من عدمها إلى محكمة النقض والتي بدورها قضت بعدم اختصاصها في الأمر وأعادته للمحكمة الدستورية. وانتهى الأمر حينها بإصدار مرسي بيانا رئاسيا أكد فيه "احترام الدستور والقانون وتقدير السلطة القضائية وقضاة مصر الشرفاء، وكذلك التزامها بالأحكام التي تصدر عنه". وفي فبراير 2013، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية 10 مواد من قوانين قانوني انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان في ذلك الوقت) ومباشرة الحقوق السياسية، وأعادت المشروع لمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان آنذاك الذي كان يتولى التشريع مؤقتًا) مرة ثانية قبل أن يحيله إلى الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي لم يحله بدوره مرة ثانية إلى المحكمة الدستورية للتأكد من مدى الاستجابة لملاحظاتها، وهو ما استندت عليه محكمة القضاء الإداري في إصدار حكم نهائي بوقف الانتخابات البرلمانية. وفي 2 يونيو 2013، قضت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان آنذاك)، من خلال إبطال عضوية النواب المنتخبين وفق "النظام الفردي" في مجلس الشورى، لكنها أرجأت تنفيذ الحكم لحين انتخاب مجلس النواب. وأرجعت المحكمة قرارها إلى عدم دستورية المواد المطعون عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية التي أجريت بموجبة انتخابات مجلس الشورى والمتعلقة بالترشح وفقا للنظام الفردي. وفي نفس اليوم، قضت المحكمة نفسها، ببطلان "قانون انتخاب" الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، موضحة أن حكمها لا يؤثر على سلامة الدستور الجديد الذي وضعته الجمعية التأسيسية نفسها، وأقره الشعب في استفتاء عام في ديسمبر/كانون الأول 2012. ونص الدستور المصري الذي أُقر في استفتاء شعبي في شهر يناير/كانون الثاني 2014 على أن يتكون البرلمان من غرفة واحدة هي "مجلس النواب". وبحكم اليوم، سجلت المحكمة خامس حكم الانتخابات البرلمانية بمصر منذ عام 2011، والتي كان من المقرر عقدها في الفترة بين مارس/ آذار الجاري، ومايو/ آيار المقبل، لتكون بذلك الخطوة الثالثة والأخيرة في خارطة الطريق، التي تم إعلانها في 8 يوليو/ تموز 2013 عقب الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي من منصبه بخمسة أيام، وتضمنت أيضاً إعداد دستور جديد للبلاد (أقر في يناير/ كانون الثاني 2014)، وانتخابات رئاسية (جرت في مايو/أيار الماضي). وتعني المحكمة الدستورية العليا، بمراقبة تتطابق القوانين مع مواد الدستور، لتقوم بعدها بإلغاء القوانين التي تخالف نصوص ومواد الدستور. وتعد أحكامها نهائية غير قابلة للطعن أمام أي درجة أو جهة قضائية أخرى، إذ أنها هيئة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية.