ما كنت أتوقع حين تساءلت في مقالي السابق "إعلان الطوارئ هل هو مخالفة دستورية؟" أن تأتي الإجابة بمثل هذا الوضوح على لسان المستشار طارق البشري، إذ أنه أفتى بانتهاء حالة الطوارئ يوم الثلاثاء الماضي لمرور الستة أشهر التي نصت عليها كلاً من التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري اللاحق عليها. وفتحت تلك الفتوى باب الجدل الدستوري بين المؤيدين لها والمعترضين عليها، لتأتي تفسيرات القضاء العسكري بعدم صحة هذه الفتوى لأن الأحكام الدستورية لا تلغي القوانين السابقة عليها وهو ما رد عليه المستشار البشري كما جاء في العنوان الرئيسي للمصريون بأن "نص الإعلان الدستوري على قصر الطوارئ في ستة أشهر ينسخ أي قرار أو حكم سابق له بداهة". وهذا الجدل لن يتم حسمه إلا بحكم من المحكمة الدستورية العليا أغلب الظن فيه أن يأتي موافقاً لما ذهب إليه المستشار البشري. إلى هنا ومن البديهي أن تجتمع الكلمة على تأييد الرؤية التي ذهب إليها المستشار البشري إلا أن الغريب أن نبرة اللوم عليه قد عادت من جديد بعد أن خفتت لفترة غير طويلة، فتصريحاته الأخيرة فتحت شهية فصيل من الذين قالوا لا للنيل منه ولاتهامه بتفكيك الثورة والعمالة للمجلس الأعلى. وعاد حديث هؤلاء ثانية عن أن التعديلات الدستورية التي صاغها البشري ولجنته هي التي مهدت الطريق لحكم عسكري جديد. ولست هنا في سبيلي للدفاع عن الرجل الذي أراه رجل هذا العام بلا منازع ورجل هذه الثورة ولا ريب، إلا أنني أود الرد على حجج هؤلاء كشفاً للبس أو التلبيس الذي آن له أن ينتهي لكي نمضي قدماً متفقين على كلمة سواء في طريق إتمام الثورة والحفاظ على منجزاتها. وأول هذا التلبيس هو القول بأن التعديلات الدستورية مكنت المجلس الأعلى من السلطة وكان الأولى البدء بدستور جديد، وهذا القول في رأيي عار على قائليه إذ أن هذه التعديلات قلمت أظافر الاستبداد وأعادت للشعب قدرته على تغيير رأس النظام عن طريق الانتخابات والقول بأنها مكنت المجلس الأعلى لا يستقيم مع ما وضعته هذه التعديلات من قيود على هذا المجلس ليس أقلها ما نحن بصدده حالياً من ضرورة إنهاء حالة الطوارئ لمخالفتها لنصوص التعديلات الدستورية. فهذه التعديلات وضعت قيوداً على المجلس تلزمه بأمور لا يستطيع دستورياً أن يخالفها مثل انهاء حالة الطوارئ وانتخاب البرلمان والأهم عدم تدخله في صياغة الدستور الجديد، صحيح أن المجلس يتجه إلى إطالة الفترة الانتقالية إلا أن الالتفاف الشعبي حول استحقاقات استفتاء مارس هو الضمانة الوحيدة لإلزام المجلس بترك السلطة. لذلك فإن رفض هذه التعديلات كان سيحرر المجلس من تلك القيود مما يطلق يديه ليفعل ما يشاء دون احترام لإرادة شعبية ولكلمتها. والقول بأن طارق البشري هو المسئول عن الإعلان الدستوري اللاحق قول يخالف الحقيقة وليس عليه دليل واحد. وسبب صدور هذا الإعلان كانت الضغوط التي افتعلها فريق لا لرفض التعديلات بحجة أنها ستعيد دستور 71 للعمل، الأمر الذي أدى بالمجلس الأعلى إلى إعلان نيته في تعطيل هذا الدستور وإصدار إعلان دستوري جديد استجابة لتلك الضغوط. والحقيقة أنني لا أتخيل كيف سيكون الوضع لو لم تتم الموافقة على تلك التعديلات الدستورية التي اضطر المجلس الأعلى إلى تضمينها في إعلانه الدستوري اللاحق، فبالرجوع إلى تصريح اللواء ممدوح شاهين والذي نشر في العشرين من مارس الماضي قبل إعلان نتيجة الاستفتاء نجد أن المجلس الأعلى كان قد أعلن أنه في حالة رفض التعديلات فإنه سيقوم بإصدار إعلان دستوري لإدارة المرحلة الانتقالية دون التقيد بمواد الاستفتاء. لذلك فإني أفتح باب التخيل أمام كل من لا تعجبه إدارة المجلس الأعلى للمرحلة الانتقالية حالياً ليتخيل تلك الإدارة وهي حرة في فعل ما تشاء دون التقيد باستفتاء 19 مارس. لذلك فإن اتهام البشري ولجنته بتفكيك الثورة هو اتهام مخالف للحقيقة، فالرجل ولجنته إجتهدا في وضع الأساس لتحقيق متطلبات الثورة وتأمين طريقها الذي لن يكون سهلاً ولن يتم الوصول إلى نهايته إلا بالالتفاف حول القرار الشعبي في 19 مارس. وبرغم أن فتوى البشري الآن بانتهاء حالة الطوارئ ووقوفه في غير صف المجلس الأعلى في هذه النقطة أمر يشهد له بالاستقلالية وبالإخلاص وينفي عنه شبهة العمالة، إلا أن البعض ورغماً عن تلك الحقيقة الناصعة يأبى أن يلتزم بالقرار الديمقراطي ويأبى إلا أن يشق الصف، وصدق طارق البشري إذ وصفهم بالخائفين من الديمقراطية، وأزيده من الشعر بيتاً فإنهم لا ينتقدونك ولكنهم بالديمقراطية يكفرون. facebook.com/muhammad.masry