تواصلت ردود الفعل المؤيدة للمستشار طارق البشري النائب الأسبق لرئيس مجلس الدولة، رئيس اللجنة التي صاغت التعديلات الدستورية في إعلانه انتهاء سريان حالة الطوارئ في البلاد، مع انقضاء المدة التي حددها الإعلان الدستوري – الذي يحكم مصر حاليًا- والبالغة ستة أشهر من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 20 مارس الماضي، وكان أبرزها "فتوى" الدكتور محمد سليم العوا، الفقيه القانوني، والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، بعدم دستورية استمرارها إلى ما بعد المدة المحددة، وهو ما يزيد من المأزق الذي يواجهه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المتمسك بدوره باستمرارها حتى يونيو من العام القادم. يأتي ذلك في الوقت الذي هدد قانونيون باللجوء إلى القضاء، للطعن في دستورية استمرار العمل ب "قانون الطوارئ" إلى يونيو من العام المقبل، وفق تأكيدات المجلس العسكري، مع وجود إجماع بين الفقهاء القانونيين، على عدم دستورية تمديده دون إجراء استفتاء شعبي، بعد انتهاء الفترة المحددة بستة أشهر كما نص الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس، وأن أي إجراء خلاف ذلك يتنافى مع الإعلان الذي تحكم به مصر حاليًا، مؤكدين أنه لا حجية لاستمرار العمل به استنادًا إلى القرار الجهوري رقم 126 لسنة 2010 الذي نص في المادة الأولي منه على مد حالة الطوارئ المعلنة بالقرار الجمهوري رقم 560 لسنة 1981 لمدة عامين اعتبارا من أول يونيو 2010 وحتى 30 يونيو 2012، لأن هذا القرار قد عدل بعد إقرار الإعلان الدستوري بموجب المادة رقم 59 منه. وقال الدكتور محمد سليم العوا، إن ما أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على لسان اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس، فيما يتعلق باستمرار حالة الطوارئ المعلنة في البلاد إلى نهاية مايو 2012 "أمر غير صحيح دستوريًا، ومخالف لصريح نص المادة (59) من الإعلان الدستوري التي تشترط ألا يزيد زمن العمل بحالة الطوارئ في جميع الأحوال على ستة أشهر". وأكد أن حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك سنة 2010 لمدة سنتين تنتهي دستوريا بمضي ستة أشهر على صدور الإعلان الدستوري في 30 مارس 2011، أي أنها تنتهي دستوريا وقانونيا في 30 سبتمبر 2011 على أقصى تقدير، ولا يجوز وفقا للمادة المذكورة الإبقاء على حالة الطوارئ لأي سبب من الأسباب دون اتباع الإجراءات التي نصت عليها تلك المادة. يأتي ذلك في الوقت الذي يستند فيه المجلس العسكري إلى المادة 62 من الإعلان الدستورى الذي تنص على أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان يبقى صحيحا ونافذا في استمرار حالة الطوارئ بالبلاد حتى يونيو القادم، بموجب القرار الجمهوري رقم 126 لسنة 2010 الذي نص في المادة الأولي منه على مد حالة الطوارئ المعلنة بالقرار الجمهوري رقم 560 لسنة 1981 لمدة عامين اعتبارا من أول يونيو 2010 وحتى 30 يونيو 2012، قال . وأكد العوا في تعليقه على مبررات المجلس العسكري في استمرار "الطوارئ" دون استفتاء شعبي، مستندًا إلى نص المادة 62 من الإعلان الدستورى، أنه لا حجة لمن يدعي ذلك، لأن "هذا النص التقليدي في كل دستور ينصرف إلى القوانين واللوائح التي لم يشر الدستور نفسه (أي الإعلان الدستوري هنا) إلى بقائها أو انتهائها، أما ما نص الدستور فيه على حكم معين فإن النص الدستوري الخاص بهذا الحكم يقدم على أي نص عام ولو ورد في الدستور نفسه". وأضاف قائلاً: إن نص المادة (59) من الإعلان الدستوري ينشئ، تنظيمًا جديدًا مخالفا كل المخالفة لما كانت تنظمه المادة (148) من دستور سنة 1971 في شأن حالة الطوارئ، مشيرًا إلى أن نص المادة (59) من الإعلان الدستوري كان أحد النصوص التي وافق الشعب عليها في الاستفتاء في مارس 2011 بأغلبية تزيد على 77%، وهو "بذلك ناسخ قطعا لأي نص مخالف له، وفي ضوئه ينبغي أن يفسر نص المادة (62) وليس العكس". واعتبر العوا أن الزعم باستمرار حالة الطوارئ المعلنة وفقًا لدستور 1971 الملغى، وبالتجاوز عن نص المادة (59) من الإعلان الدستوري، التي كانت محل استفتاء شعبي، "يمثل افتئاتًا غير مقبول على المبادئ الدستورية والقانونية واجبة الاتباع". ودعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار بيان صريح وواضح ينفي ما أعلنه اللواء ممدوح شاهين ويؤكد الالتزام بالإعلان الدستوري نصا وروحًا، وحثه على مراعاة المشاعر الشعبية التي تسودها الآن البلبلة والقلق وعدم الاطمئنان فيما يتعلق بمواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وأعرب العوا في هذا الإطار عن الجدول المقترح لإجراء الانتخابات البرلمانية في مدة 6 أشهر، قائلاً إن هذا "أمر غير مقبول، وغير معهود في أي دولة في العالم"، بالإضافة إلى أن عدم إصدار قانون انتخابات الرئاسة، وعدم تحديد موعدها "يزيد من مشاعر القلق وعدم الطمأنينة واسعة الانتشار الآن في الشارع المصري". وقال إن أقصى مدة مقبولة لإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشئون البلاد، وللفترة الانتقالية نحو الديمقراطية لا يمكن أن تجاوز سنة من تاريخ تولي المجلس المسئولية، أي فبراير 2012، مع مضي عام على إعلان الرئيس السابق تنحيه وتسليم المجلس العسكري مسئولية إدارة شئون البلاد. وأكد المستشار زكريا عبد العزيز الرئيس السابق لنادي قضاة مصر ل "المصريون"، أن المادة 59 من الإعلان الدستوري تلزم بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد بعد ستة أشهر في جميع الأحوال، وبالتالي فقد انتهى العمل بالقانون، ولكي يتم تمديده فلا بد أن يكون ذلك من خلال إجراء استفتاء شعبي. وقال إن عدم دستورية الطوارئ "أمر محسوم"، معربا عن ثقته بأنه في حال اللجوء إلى القضاء للطعن عليه، فإن الحكم سيكون بعدم دستوريته، مع ذلك قال إنه لا يشغله قانون الطوارئ لأنه سيعرض علي قضاء عادل سيقول كلمته بقدر أهمية المطالبة بتعديل قانون الانتخابات لمنع خوض "فلول" الحزب "الوطني" الانتخابات، محذرا من أنه إذا ما أصر المجلس العسكري على أن تجرى عبر الجمع بين النظام الفردي والقائمة "فالثورة قادمة لا محالة". بدوره، أكد المحامي محمد طوسون عضو مجلس نقابة المحامين السابق، أن هناك عددا كبيرا من المحامين بصدد الطعن أمام القضاء الإداري على قرار المجلس العسكري بشأن حالة الطوارئ، لافتا إلى أنه حضر اجتماعا موسعا ضم لفيفا من خبراء القانون الذين أجمعوا بدورهم على عدم دستورية القرار مؤكدين أهمية الطعن عليه أمام القضاء من أجل الحصول على حكم بعدم دستوريته. وأضاف ل "المصريون": لابد وأن يشعر المواطنون في مصر بأنه هناك فرقا واضحا بين مصر في مرحلة ما بعد الثورة والنظام السابق، وأن يشعروا بأن الجسد تتطهر وفي طريقة للتعافي، لذا فقد شدد على ضرورة إنهاء الجدل بتحقيق ما يريده الشارع وهناك من القوانين الأخرى ما يغني عن الطوارئ ويفرض الأمن. وأعتبر أن المشكلة ليست في القوانين لكن تكمن المشكلة في استخدام وتفعيل تلك القوانين، وهناك مشكلة أيضا في بعض النخبة والإعلاميين الذين ما زالوا يرهبون رجال الشرطة حينما يقوموا بأداء واجبهم تجاه المخالفين للقانون والبلطجية ومعتادي الإجرام، وهذا ما يزيد من حالة الانفلات ويوطد أقدام هؤلاء في عالم الجريمة. وأكد طوسون أنه ضد معاملة أي شخص مدني بشكل استثنائي وجائر كتحويله لمحاكمة استثنائية أو عسكرية، وقال إنه في ظل عدم دستورية استمرار العمل بقانون الطوارئ، فإن تحويل أي شخص إلى محاكم استثنائية هو غير قانوني بالمرة. وشاطره الرأي المحامي مختار نوح، قائلا إن الحل القانوني لحالة اللغط والخلاف القانوني بشأن تمديد "الطوارئ" هو اللجوء للقضاء للفصل في هذا الشأن، من خلال رفع دعوى أمام القضاء الإداري للطعن بعدم الدستورية، حيث سيقوم القضاء الإداري بوقف الدعوي لحين الفصل بدستورية استحداث المجلس العسكري "قانون الطوارئ" وليس المد، لأن المد لا يجوز استلهامه من قوانين حسني مبارك. وأضاف إن التفويض الممنوح للمجلس العسكري من الثورة تفويض مشروط بأن يتعامل مع مطالب الثورة المجمع عليها وليست الخلافية عبر "الالتزام الحرفي، وبالتالي يكون المجلس العسكري تجاوز حدود التفويض حين يمدد قانون الطوارئ، أو يحاكم المدنيين أمام المحاكم العسكرية أو يقر تفعيل الضريبة العقارية. واعتبر أنه من الناحية القانونية، فإن الطوارئ لا يجوز تمديدها أو تطبيقها إلا بقانون يتم عرضه على البرلمان وبما أن البرلمان قد صدر قرار بحله، فإن المجلس العسكري مفوض بإصدار التشريعات التي لا تحتاج إلى نيابة شعبية، أي التشريعات التنظيمية، أما التشريعات التي تحتاج إلى استفتاء فلا يجوز له أن يحل محل الشعب فيه. واستطرد: "وبما أن الاستفتاء لم يتم على قانون الطوارئ فالقرار باطل وغير دستوري"، محذرا من أن إصرار المجلس العسكري علي استمرار الطوارئ رغم عدم دستورية يضع البلد في مأزق، وانه يذهب بالبلاد إلى طريق الثورة مرة أخرى. وأوضح، أنه في ظل الوضع "غير الدستوري" للعمل بالطوارئ فلا يجوز قانونيا تحويل أي شخص إلي المحاكمة أمام المحاكمات الاستثنائية كمحكمة أمن الدولة طوارئ أو المحاكم العسكرية. وقال إن المجلس العسكري دخل الآن في نطاق عدم المشروعية في القرارات ما يدفع به أمام المحاكم الجنائية لعدم المشروعية أو الدستورية. من ناحيته أوضح المحامي نزار غراب أن الجدل بشأن دستورية تمديد الطوارئ سيطرح على القضاء قريبا والذي سوف يكون له كلمته لحسم أي من الرأيين: الفقهاء الدستوريين أو المجلس العسكري، وستكون أقرب جلسه لذلك قضية محمد الظواهري في 23 أكتوبر المقبل والتي تنظر مدى قانونية إحالة المدنيين إلى محكمة عسكرية من عدمه، استناد إلى قانونية الطوارئ من عدمها، وسوف تقدم مذكرة بشأن التطور الأخير، وفي حال الحكم بعدم الدستورية سيصبح القرار بإحالة المتهم إلى محاكمة عسكرية هو والعدم سواء، ويحسم الخلاف في ذلك بحكم القضاء. وأكد أنه ووفق الإعلان الدستوري فإن قانون الطوارئ سيستمر العمل به بالبلاد لمدة ستة أشهر فقط وفي حالة تمديده يتم ذلك باستفتاء شعبي. وقال إن هذا القانون كان أحد العوامل الرئيسية للدعوة لسقوط النظام، بخاصة أنه كان يستعمل في غير موضعه ولم يحقق النتائج المرجوة منه، وهي حماية كيان الدولة من البلطجة والإرهاب حيث كان موجودا فقط لحماية النظام ورموزه.