العلمانية "المحايدة" كما طرحها أردوغان.. لا توجد في مصر.. فهي على هذا النحو ليست قوة سياسية مؤهلة للحكم الذي يشترط أن تكون عند مسافة واحدة من جميع الأديان. ومع ذلك تظل النسخة المصرية من العلمانية على غرابتها قوة موجودة على سبيل الحقيقة، وإن كانت على هامش "متن" القوى الوطنية الأساسية.. حيث تملك أدوات ضغط وتأثير تؤهلها ليس للحكم المباشر وإنما ك"لوبيات" وقوى ضغط مؤثرة في صانع القرار الرسمي، سواء أكان في السلطة أو في مؤسسات سن التشريعات والقوانين. من الخطأ تجاهل التيار "العلماني" المصري أو النظر إليه باعتباره تيارا مهمشا، والتقليل من وزنه السياسي، إذ تغير في الوقت الراهن مفهوم "الأقليات السياسية"، والمسألة لم تعد تحسب وفق حسابات رقمية تتعلق بقوة الحضور المجتمعي، وإنما تحسب ب"أدوات التأثير" في الداخل، وحصانة المجتمع الدولي لها في الخارج. ولا يمكن بحال إنكار دور هذا التيار كمعول هدم حقيقي شارك في تفكيك بنية نظام مبارك السياسي، وكان جزءا من الكتلة التاريخية التي أنجزت ثورة 25 يناير.. فضلا عن أن حضوره خفف كثيرا من مخاوف القوى الدولية، التي حاول مبارك استفزازها ب"فزاعة" التيار الإسلامي، حيث تلون ميدان التحرير والميادين الأخرى في محافظات مصر المختلفة، بالطيف الوطني المصري على تعدده وتنوعه وتمايزه.. بل إن هذه التمايزات اختفت تماما في ال 18 يوم التي سبقت سقوط مبارك.. وظهرت مصر ولأول مرة موحدة بدون أية شعارات أو أجندات خلافية.. وهي التجربة التي انقطعت الآن ، حيث اختفى التوحد وحل محله الشقاق والخلافات والتجاذبات التي تهدد الثورة في أعز ما تملك. وإذا كان التيار العلماني لا يملك أية قوة اجتماعية على الأرض، إلا انه يملك كما قلت قوة التأثير في صانع القرار، ويظل حضوره في الحسابات الداخلية، مصدرا لرضا واطمئنان المجتمع الدولي، حيال أية تحولات سياسية كبيرة داخل الدولة.. فضلا عن أنه شريك حقيقي في صناعة الثورة.. وهي عناصر في مجملها لها من الاستحقاقات التي من المفترض أن توضع في اعتبار التيار الإسلامي.. باعتباره التيار الأساسي ومن واجبه احتواء الأقليات السياسية، وأن يقدر قدرها وفائدتها في تأمين عمليات التحول السلمي للسلطة، ونقلها من يد العسكريين إلى حكومة مدنية منتخبة. مصر خلال الأسابيع القليلة القادمة لا تحتاج إلى انقسامات وتجاذبات.. فتلك المرحلة إلى الأخطر والأثقل في عمر مصر السياسي، وتدفع في اتجاه ضرورة تجاوز الأزمة الراهنة، واستعادة روح الثورة وخبرتها الأولى في توحيد الصفوف وتعليق الخلافات وإحالتها إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، فلعل "متعة" الديمقراطية تغري الجميع بأن يلجأ إليها وحدها في تسوية الخلافات والوصول إلى تقاليد وأعراف جديدة تنتزع الشهادات الدولية بأن مصر تستحق فعلا أن تكون بلدا ديمقراطيا. [email protected]