أطلقت الثورة المصرية فى 25 يناير رسالة واضحة وهى أن الشعب يريد كل ما أنكره عليه نظام مبارك. فهو يريد المصارحة والمكاشفة وتجنب الفساد والكذب والزيف, وتوزيع موارد الوطن على أبنائه بالحق والقسطاس, والإخلاص فى خدمة الشعب ودفع الحياة فى مصر نحو رفعتها وتقدمها وصيانة استقلالها واحترام دستورها وقوانينها وصيانة مؤسساتها الدستورية وسلطاتها الثلاث وأن يكون الأمن لصالح المواطن والشرطة فى خدمة الشعب وأمنه وأن يتحقق الوئام بين أبناء الوطن, وأن تمتد يد الرعاية إلى كل مصرى خارج وطنه وأن تحتضن مصر كل أبنائها فى معزوفة متناغمة, فى وطن يعتز بأبنائه وينعم باستقلاله وشموخه وتوليد الطاقات لخدمة الوطن ورفع كفاءتها والعناية بكل مرافق الحياة فيها وتأكيد مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص, والمساواة واحترام الحريات العامة, وأن تكون مصر رائد المنطقة ومقصد أملها رافعة رأسها بالحرية والرخاء والعزة والأستقرار. فماذا تحقق من هذا كله بعد أعنف مواجهة لنظام الطاغوت والأصنام والكهنة ؟ أريد من المجلس الأعلى والحكومة أن يجيبا عن هذا السؤال لأننا مللنا من الإجابة, فلا نقابل إلا بالصمت مثل نظام مبارك, هم يسمعون ما نقول كما يحلو لنا وهم يعملون ما يحلولهم, وكانت النتيجة ما نرى. إرهاق للشعب من كثرة الاعتراض والتظاهروالإعتصام وارتفاع معدلات الجريمة وانعدام الأمن والاجتراء على دولة كان يجب أن تنشأ بعد الثورة بعد سقوط الدولة الأمنية البوليسية, وارتفاع الأسعار والفقر والحاجة والبطالة, حتى أن المقارنة بين مصر مبارك ومصر المجلس العسكري قد تدعو للرثاء, وكأن المطلوب أن يكفر الشعب بثورته, وأن يترحم على أيام مبارك: أمن بقهر مظلم وفساد ونهب للمال العام, فكان أمن المقابر هو السائد, وكأن الحكم فى مصر يريد أن نختار بين الأمن والحرية, وما قيمة الحرية دون تمكين . فلاحرية لمعدم ولا حرية لعاطل ولا حرية لمن قهرته الأيام وأثقله المرض والحاجة باختصار : ما الذى تغير فى مصر إيجابياً بعد الثورة ؟ ثم كانت الطامة الكبرى, عندما تجرأت إسرائيل على سيناء واغتالت يد الغدر أبناءنا العسكريين, فاستكان النظام بشكل مخز لهذا العدوان ثم استدار متوحشا على شعبه ومتباكيا على هيبة الدولة التى أهدرت فأعادوا العمل بقانون الطوارئ الذى أزاحته الثورة مع مخلفات مبارك بحجة أنه ضد البلطجة رغم أن هناك قانوناً لإعدام البلطجية, وهم فئة ارتبطت بالداخلية والنظام السابق ومن توابع أدوات القهر والإذلال لهذا الشعب . ولقد أعلن المجلس العسكري أنه أمين على أهداف الثورة وبعد ثمانية أشهر تقريبا , ماذا تحقق من هذه الأهداف ولماذا تسير مصر إلى الخلف ولماذا التراخى فى عمل ما يجب إنجازه بهمة ونشاط. هل يحتاج الحكم إلى ثورة جديدة أم أنه يراهن على تفتيت القوى التى استجابت بشكل مبهر للإغواء, وعلى ضياع زخم الثورة . الثابت أن الثورة لم تحقق أهدافها, وأن الشعب يحتشد من جديد لممارسة ما أحسن ممارسته. وهو الاحتجاج السلمى, فلماذا لا يتحرك النظام لإنجاز المطالب التى بحت بها أصواتنا وجفت من كثرة تكرارها أحبارنا ,أليست مطالب واجبة الأداء بدون هذا الشقاء؟ أم أنه يراهن على ما كان يتوقع أن يحدث بدل هذه الثورة وهى ثورة الفقراء التى تطيح بمصر كلها فيجلس الحكم على تلالها يبكى أطلالها, وقد يكون الحكم نفسه من مخلفات هذه الثورة السوداء ؟ إن الله الذى أنقذ مصر من كيدهم بالثورة سيظل حارسا لمصرضد كل من يتلاعب بأقدارها فاتعظوا يا أولوا الألباب، وأذكركم بأنكم تعيشون فرصة ذهبية تدخلون منها إلى تاريخ ناصع أو تاريخ داكن , وأنتم الذين تكتبون الصفحة التى منحت لكم : فهل تسقطون فى الاختبار مودعون بما يلزم من تبعات التاريخ، أم تفلتوا من هذا الاختبار بنجاح؟ اللهم هل بلغت اللهم فاشهد، ولكننا فى كل الأحوال على العهد سائرون وفى سبيل مصر متفانون إن شاء الله. لا أريد أن أضيف إلى مقالتى القديمة "هؤلاء هم أعداؤك يا مصر" أسماء جديدة، وأن يكفينى إدراكهم لهذه الحقيقة مؤونة النضال من أجل مصر.