يبدو أن منع بث القنوات الفضائية في العديد من الدول العربية من قبل السلطات الحاكمة، قد صار سياسة ممنهجة ضد كل من يعارض سياسات السلطة وأفكارها وآراءها، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أفرزت حالة صراع سياسي كبير بين الشعوب وحكامها. إغلاق القنوات ومصادرة معداتها، فضلا عن مطاردة الطواقم العاملة بها، زادت حدتها إبان اندلاع ما سمي ب”ثورات الربيع العربي”، في ديسمبر 2010، بحجة أنها تثير الفتن، وتزعزع الأمن والاستقرار. آخر القنوات التي تم إغلاقها خلال الأسبوعين الماضيين، هي قناة “العرب” الإخبارية في البحرين والمملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، وكالعادة تدور المبررات حول خلافات بين إدارتها والسلطات في البحرين، رغم مرور أكثر من عام على الترتيبات والاستعدادات لانطلاقها عبر الهواء. ومما لا شك فيه أن دولا مثل العراقوسوريا ومصر وبعضًا من دول الخليج العربي التي تأثرت تأثيرا مباشرا بالصراعات السياسية والعسكرية الجارية في تلك البلدان، خرجت بقرارات لإغلاق قنوات تبث من أراضيها، خشية مما وصفته ب”زرع بذور الفتن وبلبلة الرأي العام والتحريض على العنف”. وثمة من يرى أن إغلاق الحكومات العربية لقنوات عاملة في بلادها يأتي في إطار الضغوط التي تمارسها في التضييق على المحتوى الذي تقدمه وسائل إعلام محلية ودولية، وتعارض سياستها. مصر، العراق، سوريا، الخليج العربي؛ هي أبرز الدول التي تتعرض وسائلها الإعلامية لمضايقات، وإغلاقات متكررة، بحسب ما رصد ها موقع ساسة بوست وفقا لفعل الظروف السياسية المعقدة التي تعيشها من لحظة لأخرى كالتالى :- أولا: مصر ربما أكثر الدول التي يمارس على إعلامها تضييق في الحريات خلال العامين الأخيرين، وتحديدا عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي في عام 2013، حينما تم إغلاق العديد من القنوات الدينية، والقنوات التي تؤيد الإخوان المسلمين، وتم فرض حصار شديد على باقي القنوات حتى تضمن خروج المحتوى وفق الإطار الذي رسمته السلطة. سياسة الحصار الإعلامي التي تفرضها القاهرة لم تقتصر على القنوات التي تبث من أراضيها فقط، بل امتدت لفرض حصار إعلامي على القنوات التي تصنفها القاهرة كمعارضة لسياستها خارج مصر، بداية من قناة الجزيرة مباشر مصر التي أغلقت باتفاق بوساطة سعودية من الملك الراحل، إلى الخطوات المتسارعة التي تبذلها القاهرة لإغلاق عدة قنوات مناهضة للسلطة تبث من تركياوبريطانيا، حيث بدأت بتقديم الخارجية المصرية احتجاجا رسميا للخارجية التركية، معترضة على ذلك، ومعتبرة ما يجري عملا عدائيا يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي. وتعد أبرز القنوات التي تدعو مصر في الوقت الحالي إلى إغلاقها هي “مصر الآن، الشرق، رابعة، مكملين، الحوار، اليرموك” والتي تبث على القمر الصناعي الفرنسي “أتلانتيك بيرد”، على نفس مدار القمر الصناعي المصري “نايل سات”. لذلك، حسب مراقبين فإن النظام الجديد في مصر يخشى من وجود نوافذ إعلامية تسلط الضوء على الانتهاكات التي يمارسها بحق معارضيه، وتعتزم السلطات المصرية إغلاق 56 قناة فضائية تبث دون ترخيص قانوني، وتشمل قنوات أغان ومنوعات وبعض القنوات الدينية، وأخرى مناهضة لسياساتها الداخلية والخارجية. وسبق لمصر أن أغلقت 17 قناة فضائية عقب عزل الرئيس محمد مرسي مثل قناة “25” التابعة للإخوان المسلمين، وقناة “الناس، و”الحافظ”، و”الرحمة” الإسلامية، والشباب، وهي قنوات محسوبة على التيار الإسلامي، إضافة إلى إغلاق مكتب قناتي الجزيرة والجزيرة مباشر مصر بالقاهرة ومكاتبها في الخارج أيضًا. ثانيا: العراق مما لا شك فيه أن القنوات الإعلامية العراقية باتت اليوم تتحدث بلغة طائفية وفقا للصراع الدائر بين الأحزاب السياسية في الحكومة العراقية، والتي منها مؤيد ومعارض للحكومة الحالية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق العديد منها بسبب رفضها للسياسة العامة في البلاد. وفي أوائل الشهر الماضي أثار قرارُ هيئة الإعلام والاتصالات العراقية إدراج 12 قناة عراقية وعربية على لائحة القنوات المحرضة على الإرهاب، استغرابا واسعا في العراق، كونه بعد أيام قلائل من تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي بعدم تقييد الحريات الإعلامية، وإعلانه معارضته غلق بعض القنوات التلفزيونية. وهذه القنوات هي بغداد والبابلية والفيحاء والعز والتغيير والغربية وسامراء والفلوجة، إضافة إلى قنوات عربية هي: الجزيرة والعربية والعربية الحدث والحدث المصرية والتي لها مكاتب في العراق. ويشار إلى أنه في عام 2006 تم إغلاق قناتي “الزوراء” و”صلاح الدين” السنيتين العراقيتين بقرار من السلطات العراقية على خلفية الاتهامات الموجهة للقناتين ب”عدم الحيادية”، حتى أنها أرجعت سبب الإغلاق إلى السياسة الإعلامية التي تنتهجها القناتان في تغطيتهما للأحداث الجارية على الساحة العراقية. وفي عام 2004 أيضا أغلقت السلطات العراقية مكتب الجزيرة في بغداد وأمرت العاملين بمغادرته تنفيذا لقرار حكومة رئيس الوزراء العراقي المؤقت “آنذاك”، إياد علاوي، بإغلاق المكتب لمدة شهر، واعتبر أن الجزيرة تعمل من خلال تغطيتها على “تشويه” الحقائق. ثالثا: سوريا أفرز الصراع في سوريا منذ منتصف مارس 2011 وحتى الآن الإعلان عن عدد لا بأس به من القنوات الإعلامية الموالية للنظام السوري حينا، والمعارضة له حينا آخر، حتى باتت الأراضي السورية خالية تماما من صوت المعارضة، وانتقل عبر دول عدة في الخارج. وكانت قناة “سوريا الشعب” من أوائل القنوات التي خرجت إبان الصراع السوري والمناهضة لسياسة نظام بشار الأسد، والرافضة في الوقت نفسه إلى تسييس القناة عبر تمويلها من جهات سياسية في الخارج، فكان جل اهتمامها تغطية الأحداث الميدانية في محافظاتسوريا. وأرجعتْ إدارة القناة سبب التوقف عن العمل في آذار مارس من العام الماضي إلى الضائقة المادية التي تمر بها الإدارة، وذلك بعد استنفاد كافة طاقاتها المادية في سبيل استمرار عمل كادر القناة. العديد من القنوات الإعلامية السورية المعارضة تلقت دعما خارجيا من جهات مناهضة للنظام السوري، فكانت لسان حال السوريين أينما كانوا، خاصة في مخيمات اللجوء بلبنان، والأردن، وحتى تركيا وغيرها. وسبق قناة “سوريا الشعب” قناتا “بردي” و”شامنا” واللتان أغلقتا بسبب فقدان الدعم المادي لهما، على الرغم من تواصلها مع عدد من رجال الأعمال السوريين، لكن دون جدوى، وبالتالي لا تزال العديد من القنوات السورية المعارضة متوقفة عن البث للأسباب نفسها. وكانت إدارتا عرب سات ونايل سات، قد أوقفتا عام 2012 بث قناة “الدنيا” الفضائية السورية الخاصة، على القمرين التابعين لهما، والتي يملكها رجال أعمال موالون للنظام، وهي من أكثر وسائل الإعلام السورية تبنيًا لخطاب الأجهزة الأمنية. لكن سرعان ما أطلقت سوريا قناة “سما” الوطنية التي حلت مكان “الدنيا”، بعد أيام قليلة من إيقاف بث الأولى على قمر النايل سات. ولم يقتصر الأمر على القنوات المعارضة للنظام، فبعد عام من بدء الصراع السوري أوقفَ القمر الصناعي المصري “نايل سات”، بثَّ القنوات الرسمية السورية، تنفيذا لتوصية من اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا. حينها اعتبرت سوريا أن ذلك يأتي في إطار الحملة التي تستهدف سوريا، متهمة حينها الشركة المشغلة باتخاذ “إجراء أحادي يخالف شروط العقد المبرم، وينتهك مواثيق الشرف الإعلامي ويتعرض بشكل فظ وغير مبرر لأصول ومبادئ العمل الإعلامي”. رابعا: الخليج العربي البحرين قناة العرب الإخبارية، سعودية التمويل؛ هي آخر القنوات التي تغلق من قبل السلطة الحاكمة في البحرين، حيث يرى البعض أن السبب وراء إغلاقها هو إرضاء نظام الحكم الجديد في الرياض، حيث يشاع أن رئيس الديوان الملكي المعزول “خالد التويجري”، يعد من المقربين من الوليد بن طلال مالك القناة. ويرى البعض أن أجنحة داخل الحكم في البحرين تحدثت منذ وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز عن مأزق قد تسببه قناة “العرب” للمنامة مع تولي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” الحكم والتي كانت حينها في طور التحضيرات النهائية للبث. ووفقا لموقع “القدس العربي”، فإنه ومنذ أيام بدأت القناة بدراسة الخيارات البديلة للبحرين، وهي إمكانية الانتقال إلى العاصمة البريطانية لندن أو العاصمة اللبنانية بيروت ومغادرة المنامة بشكل كامل. قطر في ديسمبر الماضي، أعلنت قناة “الجزيرة مباشر مصر” إيقاف بثها “مؤقتا”، إلى أن تتوافر الظروف المناسبة لعودة البث من القاهرة، خاصة وأن هذا الإغلاق يأتي بعد أن تمت المصالحة الخليجية مع مصر مؤخرًا. الإمارات سعت الإمارات لإغلاق قناة الحوار التي تتخذ من لندن مقرا لها، بسبب تغطيتها لأحداث الوضع المصرى إبان عزل الرئيس السابق محمد مرسى عام 2013، عبر الضغط على بريطانيا بالتعاون مع السعودية، وتهديد الأولى بسحب صفقة بيع أسلحة للدول الخليجية إن لم تستجب للقرار. وبالتالي لم تغلق قناة الحوار من قبل لندن، الأمر الذي أفقد الشركة البريطانية للصناعات الجوية والفضائية صفقة لتزويد الإمارات بمقاتلات من طراز “تايفون” قدرت قيمتها ما بين 6 إلى 10 مليار دولار. الكويت في تموز من العام الماضي أصدرت وزارة الإعلام الكويتية قرارًا بإغلاق قناة اليوم الفضائية المعارضة للسلطة الحاكمة، عبر خطاب يوحي بإلغاء ترخيصها. ليس قرار وقف البث ما تم إدراجه فحسب، بل إن مجلس الوزراء الكويتي وافق على مشروع مرسوم بسحب الجنسية الكويتية من شخصيتين من المعارضة هما أحمد الجبر رئيس مجلس إدارة القناة، وعبد الله البرغش وهو عضو برلماني سابق.