اليوم، إضراب المحامين أمام محاكم استئناف الجمهورية    اقتصادي: 2.3 تريليون جنيه فوائد الدين العام الجديد    انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4810 جنيهاً    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 8 مايو 2025    الأخضر بكام.. تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    استعدادا لعيد الأضحى.. سلسلة ندوات بسيناء حول مبادرة «صحتك تهمنا»    رويترز: كوريا الشمالية أطلقت عدة صواريخ قصيرة المدى    أعلام فلسطيني: 4 إصابات جراء قصف الاحتلال لخيمة تؤوي نازحين بخان يونس    أيمن موسى يكتب: سباق المصالح بين بوتين وترامب    دوري نايل.. موعد مباراة الأهلي أمام المصري البورسعيدي والقنوات الناقلة وطاقم التحكيم    كمال الدين رضا يكتب: إصابات نفسية للأهلي    طقس اليوم: حار نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء.. والصغرى بالقاهرة 22    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالقاهرة الجديدة    حبس سائق توك توك تحرش بسيدة أجنبية بالسيدة زينب    سهير رمزي تكشف علاقة الشيخ الشعراوي بارتدائها الحجاب وسر رفضها ميراث والدها (فيديو)    تفاصيل تعاقد الزمالك مع أيمن الرمادي    قاض أمريكى يحذر من ترحيل المهاجرين إلى ليبيا.. وترمب ينفى علمه بالخطة    أنطونيو جوتيريش: الهجمات الأخيرة على بورتسودان تُمثل تصعيدًا كبيرًا    البابا تواضروس الثاني يصل التشيك والسفارة المصرية تقيم حفل استقبال رسمي لقداسته    الطب الشرعي يفحص طفلة تعدى عليها مزارع بالوراق    وول ستريت جورنال: أحمد الشرع طلب لقاء ترامب خلال زيارته لدول الخليج    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. نقيب المحامين: أي زيادة على الرسوم القضائية يجب أن تتم بصدور قانون.. شرطان لتطبيق الدعم النقدي.. وزير التموين يكشف التفاصيل    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    جامعة حلوان الأهلية تفتح باب القبول للعام الجامعي 2025/2026.. المصروفات والتخصصات المتاحة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    «التعليم» تحسم مصير الطلاب المتغيبين عن امتحانات أولى وثانية ثانوي.. امتحان تكميلي رسمي خلال الثانوية العامة    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    وزير الاستثمار يلتقي مع السفير السويدى لتعزيز العلاقات الاقتصادية    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    كم نقطة يحتاجها الاتحاد للتتويج بلقب الدوري السعودي على حساب الهلال؟    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصريون» تخترق العالم السري للحمامات الشعبية
فى رحلة لمدة 9 ساعات

مسئولو الأوقاف: مانعرفش حاجة عنها.. والآثار تؤكد المسئولية مشتركة

إيجار الحمامات 4 جنيهات.. والدولة تخسر الملايين سنويًا

عوكل والملاطيلى وبرقوش أشهرها.. وحمام رمسيس الأقل خدمة وجودة وسعراً

حمام العروسة يبدأ من 180 جنيهًا.. وتكيس الرجال يبدأ من 25 جنيهًا

10 أسرار لا تعرفها عن الحمامات فى مصر ..

المدلكاتى والمكبساتى والمليفاتى.. مهن على وشك الاختفاء.. والمدلكاتية الدليفرى أحدث ما تطلبه النساء

لم تعد الخارجة من باب الحمام تضع خوخة على خديها لتزيدهما توهجًا وجمالاً وإنما خجلاً وخوفاً، لتخرج السيدات مترددة سريعة الخطى مبتعدة عن حمام الهنا، خشية أن يقوم أحد بتصويرهن أو الزج بهن فى قضية تخل بالشرف أو الرذيلة، ليتحول حال "الحمامات الشعبية" التى كانت يوماً الملاذ الآمن للعرائس والرجال والنساء، إلى هاجس يخشاه الجميع وكأنه الغول أو العنقاء، ليصبح الشعار "إذا قابلتوا حمامًا شعبيًا فاحذروه" هكذا دون مبررات، ورغم أن المحكمة قالت كلمتها وقضت بتبرئة المتهمين جميعًا من تهمة الشذوذ الجنسى وممارسة أعمال منافية للآداب داخل حمام عام، إلا أن ظلال الواقعة لا تزال تسيطر بقوة على أهالى ورواد شارع باب البحر، حيث يقطن الحمام محل الجدل، حتى الآن لم تهدأ العاصفة فعلى بعد خطوات من شارع رمسيس حيث لا مكان لموضع قدم، يقبع حمام رمسيس توقعنا أن نعثر على الحمام بسهولة للضجة الكبيرة التى صاحبته مؤخرًا إلا أن الأمر كان مختلفًا تمامًا، فلن تستطيع التعرف على مكان الحمام من تلقاء نفسك وكأن أهالى الحى أرادوا إخفاء أى معالم له معتبرينه وصمة على جبين الحى الشعبى، فلم يكن أمامنا وسيلة سوى السؤال بكل وضوح "فين حمام رمسيس؟" لتنهال علينا النظرات الفاحصة والغاضبة والهمهمات غير المفهومة "وانتو عايزين الحمام فى أيه بقى مش خلصنا من الموضوع ده تلاقيهم صحافة ياعم "، أسالى قدام، هتلاقيه فى آخر الشارع، لا ما عرفش حاجة، ده اتنقل من هنا" ، حتى أن البعض وصف لنا عنوانًا خاطئًا للحمام فى محاولة منهم لإبعاد شبهة وجوده من الأساس، وبعد دقائق طويلة من البحث عثرنا على الحمام الشهير الذى لا تتعدى مساحة مدخله من الخارج مترًا واحدًا والمكون من طابق واحد، لا يعكس بابه أى ملامح تذكر سوى باب خشبى أخضر اللون مغلق بأقفال وشمع أحمر، واللافت هو قيام هيئة الأوقاف بكتابة عبارات واضحة باللون الأبيض على باب الحمام تؤكد ملكيتها له "ملك هيئة الأوقاف المصرية مخازن"، الحمام محاط بعدد كبير من محلات تجارة الأغذية الجملة وسط زحام وصخب كبير لا يهدأ ليلا ونهاراً، فى البداية رفض بعض المحيطون بالحمام الحديث، مؤكدين أنهم يشعرون بالخجل إلا أن البعض قال "إحنا زهقنا من قصة الحمام دى مش عارفين فين الحقيقة"، فيما قال ناصر فهمى "إنه لم ير أبدًا بعينه أى أعمال منافية للآداب تمارس داخل الحمام"، فيما قال ا. س بائع أسطوانات غاز، والذى كان يوصل الأسطوانات للحمام، إن سمعة الحمامات الشعبية فى العموم لم تكن على ما إلا أن الأهالى المتجمعين قاطعوا حديثه وقاموا بتوجيه اللوم والانتقاد له وسألوه "هل شاهدت بعينك فأجابهم لم أر شيئًا ولكنى كنت أسمع" فيما وقال محمود على، أحد البائعين "العيب مش على الحمامات دى أحنا من زمان بنستعملها العيب على الجهات إللى ما كنتش بتيجى وتشرف كانت الأوقاف والآثار بتيجى زمان تشرف دلوقتى ماحدش بيسأل ".

ماذا بعد حمام رمسيس.. وعشرات الأسئلة تطل برؤسنا
بعد قرابة الساعة أنهينا جولتنا بمحيط حمام رمسيس وعلامات استفهام عديدة تطل برؤسنا ترى ماذا يدور وراء الأبواب المغلقة للحمامات الشعبية؟ وهل حقًا هى بهذا السوء والوصف الذى توصف به فى الأفلام السينمائية عملا بمبدأ مافيش دخان من غير نار؟، أم أن الأبواب المغلقة تحرك الخيال وتجعله ينسج قصصًا وحكايات ليس لها أساس من الصحة ؟ وما قصة إنشاء تلك الحمامات وتاريخها؟ وما عددها؟ وأى جهة بالدولة تتبع ؟ ومن المسئول عن الإشراف والمراقبة والمتابعة، ومن هم ملاكها الحاليون؟ ومن هم روادها؟ وهل ما زال يذهب الناس إلى الحمامات العامة فى زمن يذهب البعض فيه للفضاء ويعود!!؟؟
أسئلة ملحة جعلت من جولة حمام رمسيس منطلق رحلتنا للبحث عما وراء الحمامات ومحاولة اختراق العالم السرى للحمامات الشعبية فى مصر عن طريق طرق الأبواب..

من أين نبدأ كان التساؤل الأصعب؟!!
لم يكن سهلاً أبدًا أن تبدأ رحلة طرق الأبواب المغلقة للحمامات دون معرفة خريطة الحمامات الشعبية وأماكن وجودها والوصول إليها، خاصة أنها بأماكن متفرقة من القاهرة، استعنا بسيدات كانت قد استخدمن تلك الحمامات فيما مضى، وكانت البداية من حمامات "وكالة البلح ببولاق أبو العلا"، انتقلنا على الفور من رمسيس إلى بولاق حيث الحمامات الأكثر شهرة لكن الوصول لم يكن سهلاً كما تخيلنا حيث يتطلب الوصول إليها السير داخل الوكالة المكتظة بالباعة والملابس المتراصة فى كل مكان، إلا أن مجرد السؤال عن الحمامات الشعبية "كان يثير ريبة البعض وحفيظة البعض الآخر بعيدًا عن سيل المعاكسات والإيماءات الغريبة من قبل البائعين فمنهم من قال "وانتو عايزين أنهى حمام فيهم أصله بيفرق "، فيما قال آخر يادى الحمامات اللى مش جايبالنا إلا الهم أوعوا تكونوا صحافة وتليفزيون ورايحين تصورا الناس العرايا" فيما وصف لنا أحدهم الطريق التفصيلى وعند الدخول إلى الشارع نفى الأهالى وجود أى حمامات بالمنطقة مؤكدين أنها أغلقت منذ زمن بعيد منعًا لمشكلاتها "روحوا يابنتى انتى وهى انتوا بنات مش خايفين لا الحكومة تطب على الحمام وتبقى فضائح "، فيما دلتنا إحدى البائعات بمتجر لبيع فساتين الأفراح والعرائس على الخلاصة كما قالت لنا "أنا هقولك أنتوا تطلعوا برا أول الوكالة ما فيش وسيلة تروحوا بيها الحمام غير التكاتك " وتقولوه عايزين نروح الحمامات علشان لو فضلتوا تلفوا كتير ما حدش هيوديكوا"، وبالفعل لم نهدر الوقت وما هى سوى دقائق قليلة وكنا بداخل أحد التكاتك فى طريقنا إلى الحمامات ..

داخل التوك توك تبدأ الحكاية
"لما تبقى عايزين تيجو تانى الحمام ماتبقوش تسألوا كتير خدو توك توك على طول هيوصلكم لحد هناك أنا شايفكم بتسألوا من بدرى وكنت عارف انكوا هتيجوا تركبوا التوك توك برضه فى الآخر وانتوا افتكرتونى بعاكس " بتلك الكلمات استقبلنا " أ 17 سنة سائق توك توك فى الظاهر ومتعهد توصيل زبائن الحمامات فى الباطن "، أكد أحمد، أن الزبائن تأتى من أماكن مختلفة من القاهرة بحثًا عن الحمامات لكن الآن بعد حادثة حمام باب البحر "الرجل ما بقتش كثير زى الأول الناس قلقانه برضه" قاطعناه بسؤال "والناس قلقانه ليه هى الحمامات سمعتها مش كويسة " مش كويسة أيه بس يا ابلة أنا قرايبى كلهم بيشتغلوا فى الحمام ستات ورجالة لا عمرنا سمعنا حاجة ولا شفنا حاجة وحشة، فى حمامات أكيد مش كويسة بس اللى بشتغل عليهم هنا زى الفل إحنا بنافس مراكز التجميل والكوافيرات المشهورة فى الأسعار" ولم يتركنا السائق سوى بإقناعنا بالذهاب لحمام بعينه وقام بإبلاغ شخصا كان جالسًا على ناصية الحارة، إن الزبائن من طرفه " .

داخل أحد الأزقة ويدعى "حارة حمامات الثلاثاء" لا صوت يعلو على الهدوء المطبق وسط المنازل القديمة التى تعود لآلاف السنين، والتى يكسوها الغبار وتحمل فى طياتها "حمامات شغلتها الوحيدة نظافة من نوع آخر" مشهرة لافتات ضخمة كل منها صمم بطريقة مبهرة تشهر عن نفسها" "هنا حمام عوكل الشعبى .. هنا حمام مشمش للبخار والساونا والعرائس.. ساونا بخار تجهيز عرائس تخسيس" .

فى حارة الحمامات ممنوع الاقتراب أو التصوير
لم تستغرق الجولة دقائق فى ظل الهدوء، لتجد نفسك محاطًا بمجموعة من الكلاب التى يربيها الأهالى والمنتشرة بكل مكان فى مشهد يجعلك تتقدم دون أن تفكر فى النظر خلفك، ووجدنا أنفسنا داخل ممر طويل لمبنى قديم مبنى بالحجارة مجرد دخولك تستحضر رغما عنك مشاهد السينما عن الحمامات الشعبية وتسمع بأذنك لا شعوريًا صوت بداخلك يدندن "يا خارجة من باب الحمام "، داخل بهو الحمام استقبلتنا سيدة فى العقد الخامس من العمر "أؤمروا " !؟ عايزين نعرف الأسعار، "على حسب هتعملوا أيه حمام العروسة يكلف 180 جنيهًا شامل الساونا والحمام المغربى، طيب لو عايزين نصور معاكم علشان حمام.. ولم نستطع إكمال الجملة حتى قامت السيدة بطردنا خارج المكان قائلة "ممنوع آسفين" وقامت بإرسال سيدة تتبعنا للتأكد من مغادرتنا، حاولنا بشتى الطرق الوصول لأصحاب الحمامات للحديث معهم إلا أن المحاولات جميعها باءت بالفشل، إلا أن إحدى العاملات أبلغتننا أنا لا أفضل أن تأتوا ليلاً للتعامل مع صاحب المكان إلا أنها رفضت إعطاءنا رقم الهاتف الخاص به، إلا أننا استطعنا الحصول على رقم صاحب أحد الحمامات الشهيرة بالحارة ونجحنا فى الحصول على موعد معه فى السابعة مساء على أمل أن يسمح لنا بدخول الكاميرات لتصوير الحمام من الداخل.

تركت العمل بعد أن قالوا لابنى "أنت ابن اللى شغالة فى الحمامات"
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة إلا قليلا وبكل الأحوال كان لابد وأن نغادر محيط الحمامات على أن نعود مساء لصاحب الحمام للتصوير معه فى مغامرة ربما تكون غير محسوبة لكوننا فتيات لا يصطحبهما للحماية سوى كاميرا وأوراق، إلا أن الرغبة فى الكشف عن طبيعة العمل داخل الحمام كان أكثر إلحاحًا من أى سلامة مهنية نبحث عنها.

حمام الملاطيلى سبب النكبة.. و" رمسيس" زاد الطينة بلة
أربع ساعات تفصلنا عن موعد صاحب حمام "بولاق" كان لابد وأن نعدل خريطة التحرك ونبحث عن أماكن تجمع حمامات أخرى، فانطلقنا للسيدة زينب بحثًا عن حمامات أخرى إلا أن تعتيمًا غير عادى واجهناه هناك والبعض أكد أن أغلب الحمامات أغلقت منذ فترة تأثرًا بالانطباع السيئ الذى تركته أفلام السينما بفيلم حمام الملاطيلى، وأرشدونا على سيدات تعمل بالمهنة ولكن بنظام الأوردر المنزلى .."اعتزلت العمل بالحمامات منذ سنوات علشان لاقيت الناس بتقول لابنى "أنت ابن اللى شغالة فى الحمام" ، وحاليًا "بشتغل بالطلب للزبائن اللى أعرفهم " هكذا بدأت س. ع 31 سنة حديثها معنا، مؤكدة أن مهنة المدلكتية انتعشت مؤخرًا وأصبح الإقبال عليها كبيرًا خصوصًا من قبل الفتيات المقبلات على الزواج وصديقاتهن، موضحة أنها تتلقى الأوردر عبر الهاتف من الزبائن المعروفين أو أقاربهم وأصدقائهم فقط.

قصة حمامات شارع المعز وسر تسميتها بأيام الأسبوع
غادرت "س " ولا تزال تساؤلاتنا الملحة بلا أجوبة ولازال موعدنا مع التصوير داخل حمامات بولاق أبو العلا يتبقى عليه ساعتان، فحملنا معداتنا وانتقلنا بخطوات مسرعة نحو الماضى، حيث القاهرة الفاطمية صاحبة فكرة الحمامات وتحديدًا داخل شارع المعز بحثنا عن الحمامات الأثرية وتاريخها فحكى لنا الحاج محمود أحد أشهر المعمرين بالمنطقة، الحكاية قائلاً:" كان السلطان يأمر ببنائها بالشوارع بعدد أيام السنة حتى يتمكن من الاستحمام كل يوم فى إحداها كنوع من الترفيه وفيما بعد سميت بأسماء أيام الأسبوع وكان أفخمها قلاوون و"الثلاثاء " ولا يعمل منها الآن إلا "برقوش".

حمام باب الشعرية "بخار وساونا".. و"ألف من يدلك عليه"
وكالعادة كان لابد من طرح السؤال الصعب أين الحمام؟، إلا أن الوضع هنا اختلف كثيًرا فسؤالك عن الحمام كان يستقبل بوجوه بشوشة وبترحيب مع وصف تفصيلى للمكان، "حمام الخبار" هكذا وصفته اللافتة الصغيرة التى حفرت بالخشب على مدخله الأثرى، ويقع على بعد 7 دقائق من شارع المعز وتحديدًا فى شارع أمير الجيوش، المشهد من الخارج لمبنى عتيق وسط محلات لتصنيع الأدوات النحاسية وأدوات الطهى تعلوه مشربية تعكس الطابع الخاص للمنطقة، ولافتة صغيرة مكتوب عليها "حمام بخار بلدى سيدات من 9 ل 5، ومن 7 ل 4 صباحًا رجال" على باب الحمام استقبلتنا سيدة فى العقد السادس من العمر تدعى الحاجة أم رأفت مديرة الحمام فى الفترة الصباحية ومدلكتية النساء قادتنا إلى الداخل، الحمام ظهرت عليه ملامح الزمان حيث جدران مشققة مطلية باللون الأزرق وسلالم غير مستوية تقودك إلى بهو الحمام، فى الداخل جلسنا مع الحاج زينهم والذى بدا عليه الضيق من العاصفة التى وصفها بالمختلقة ضد مهنة رائجة منذ آلاف السنين قائلاً: لم نعهد يومًا حوادث أخلاقية بالحمامات على عكس ما تروجه السينما كما ظهر فى حمام الملاطيلى ، وبسؤاله عن الفكرة السيئة التى أخذها البعض عن الحمامات الشعبية لم نجد ردًا سوى الموافقة على جولة تصوير لأول مرة داخل أرقة الحمام..

كاميرا ومحررتان داخل غرف الحمام "المغطس .. وغرف خلع الملابس والتدليك أماكن لم ترها إلا فى الأفلام"
بصحبة الحج أحمد سعيد اخترقنا باب الحمام الداخلى والمكون من حوالى 7 غرف داخل بعضها البعض يفصلها ممرات ضيقه معبئة بالبخار الكثيف جدًا، بأول غرفة مقاعد مبنية من الرخام وهى غرفة الاستقبال وخلع الملابس وكانت تسمى قديمًا غرفة "المسلخ أو الشلح" تليها غرف مقسمة لزيادة الخصوصية، وتأتى مرحلة المغطس، والغرف جميعًا من الداخل ذات قباب عالية بها فتحات تهوية للتخلص من البخار الزائد وبنهاية الغرفة الواسعة نافورة مياه ساخنة، ودش مياه باردة وعلى الرغم من البخار الكثيف الذى أعاق التنفس وعدسة الكاميرا أيضًا إلا أن الوجود بداخل الحمام نفسه من الداخل كان له طابع آخر تشعر وكأنك انتقلت عبر الزمن ويفصلك عن الواقع آلاف السنين، طلب منا الحاج أحمد عدم الخروج مباشرة حتى لا نصاب بالبرد نظرًا لارتفاع درجة حرارة الغرف الداخلية والأبخرة المتصاعدة من البخار الكثيف خاصة وأنهم يطلبون من الزبائن أخذ حمام بارد جدًا لاستعادة درجة حرارة الجسم قبل المغادرة "، والحاج أحمد "مكيساتى" الحمام قضى 45 عامًا من حياته داخل الحمامات الشعبية والذى ورث المهنة أبًا عن جد أكد أن الحمامات الشعبية ليست رفاهية وإنما ضرورة حتى أن أغلب مشاهير الكرة يأتون إلينا.

إلى بولاق مرة أخرى.. حمام عوكل أبخرة وعطور وأجواء زمان
لم تتوقف رحلة طرق أبواب الحمامات الشعبية عند حمام باب الشعرية، فقررنا استكمال ما بدأناه منذ الصباح الباكر، وتوجهنا إلى بولاق مرة أخرى للقاء عوكل صاحب أقدم حمامات الوكالة، وفى تلك المرة كنا أكثر معرفة بالمكان، خاصة أن الجولة الآن مساء استقلينا توك توك وكان الوضع يختلف كثيًرا عن الصباح فرواد الحارة رجالاً فقط واختفت النساء حتى أن اللافتات التى كانت تتزين بصور العرائس تبدلت إلى صور رجال، التقنيا "عوكل" صاحب الحمام الذى فجر مفاجأة عن الحمام قائلاً "استلمت الحمام من الأوقاف منذ عشرين عامًا كان خلالها مأو للخارجين عن القانون ولبائعى المخدرات وكانت تمارس فيه الرذائل وعانيت كثيرًا لإعادة إصلاحه حتى أننى كنت استخدم "بستلة مياه" فى تسخين المياه وبدأت بإقناع كافة أصحاب الحمامات الأخرى للعمل مجددًا، اصطحبنا عوكل فى جولة داخل الحمام الذى بدا وكأنه تحفة معمارية من الداخل وكأنك انتقلت إلى زمن الأتراك حيث تقابلك بالمدخل نافورة ضخمة مياهها ملونة بإضاءة وسماعات تبث الموسيقى والأغانى وسط البخور وكأنك داخل أحد الأفلام، "حمام عوكل " يعود ل 300 عام مضت إلا أن التراث العصرى بدا عليه فى أبوابه الأولوميتال والنافورات المجهزة وغرف الساونا والتدليك، واللافت وجود مصلى للسيدات والرجال، كما أنه مزود بركن للمشروبات، ويضع الحمام لافتات تطلب من الزبائن إحضار مستلزماتهم الشخصية معهم ومن بينها ملابس داخلية وفوطة وليفة مغربى ويشترط عدم التدخين.

ما بين الأوقاف والآثار المسئولية ضائعة
أصحاب الحمامات ذكروا أن الأوقاف والآثار هما الجهتان المعنيتان بالإشراف عليهم إلا أن جيران حمام رمسيس أكدوا أن أحدًا من المسئولين لم يزر الحمام منذ سنوات عدة، توجهنا إلى وزارة الأوقاف وفشلنا فى مقابلة المسئولين لانشغالهم بأعمال خارج الوزارة، فتوجهنا للوزير الذى لم يرد على هاتفه لأكثر من يومين متتاليين، فيما قال الشيخ على المهدى وكيل وزارة الأوقاف إنه لا يعلم إذا ما كانت الأوقاف هى المسئولة عن الإشراف على تلك الحمامات من عدمه، فيما رفض الشيخ شوقى عبد اللطيف وكيل أول وزارة الأوقاف الإدلاء بأى تصريحات قائلاً: إنه لا يعرف "دوروا على مسئول الآثار واسألوه" .
"لافتة حمام رمسيس" التى تؤكد أن الحمام ملكية الأوقاف جعلتنا نتوجه بالسؤال لأكثر من 12 مسئولاً بالوزارة جميعهم لا يعلمون عن الأمر شيئًا، إلا أن الشيخ جابر طايع، أكد تبعيتها لهم دون إعطاء أى تفاصيل.
حملنا تساؤلاتنا متوجهين إلى الآثار، حيث قال محمد عبد العزيز مدير مشروع تطوير القاهرة التاريخية، إن الحمامات حاليًا تابعة لخطة الوزارة لتطوير منطقة القاهرة التاريخية وأن أعمال الترميم تشملها جميعها وتنقسم ملكيتها إلى جزء تابع للأوقاف والآخر تابع للملكية الخاصة وبقانون "30" لحماية الآثار تقوم الأوقاف بتحمل نفقات الترميم لما تمتلكه من حمامات تحت إشراف وزارة الآثار، أما الملكية الخاصة تتحمل وزارة الآثار تكاليف الترميم ما لم يكون صاحب المكان هو المتسبب فى الضرر.
وأضاف عبد العزيز فى تصريح خاص ل"المصريون"، أنه سيتم توقيع بروتوكول بين وزارتى الآثار والأوقاف لتأجير تلك الحمامات لمدة 50 عامًا وسيتم ترميمها والاستفادة منها على أن يتم تشغيلها باشتراكات للحفاظ عليها، أو تأجيرها لمستثمرين مصريين أو أجانب بدلاً من تأجير الأوقاف لها ب 4 جنيهات.
شاهد الفيديو:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.