بطقوس خاصة تستعد "زينب" لاستقبال يوم زفافها، وكلها حرص ألا تفوتها وصية من نصائح صديقاتها المقربات بشأن الاستعداد لهذا اليوم "التاريخى" فى حياة كل عروس. ورغم أن ما تبقى على حفل زواجها أكثر من أسبوع، إلا أن الفتاة العشرينية لم تُفوت يوماً دون التردد على "حمام الأربع"، وهو أحد الحمامات الشعبية فى منطقة بولاق أبو العلا بوسط القاهرة، للتعرض لمراحل مختلفة من التنظيف والتزيين والاسترخاء. ويعانى عدد من الحمامات الشعبية بالقاهرة، والتى بنيت خلال القرن الرابع عشر الميلادى، من الإهمال، رغم أن الإشراف عليها يعود إلى وزارة الآثار المصرية، نظرا لمعمارها التراثى المعبر عن حقبة مهمة فى تاريخ مصر. وتتردد مصريات من طبقتى محدودى ومتوسطى الدخل على هذه الحمامات الشعبية، لرخص أسعارها، مقارنة بمراكز التجميل أو ما يطلق عليه Spa، والتى تتميز بارتفاع تكلفتها. تقول "زينب" لمراسلة الأناضول عن سبب لجوئها لهذا الحمام الشعبى، رغم بعده عن محل إقامتها فى ضاحية 6 أكتوبر، جنوب غرب القاهرة: "هذا المكان مريح وهادئ، فهو ليس مكانا للتزيين فقط، ولكنه مكان مناسب للعلاج الطبيعى والاسترخاء، وعلاج لكثير من أمراض العظام، لهذا كانوا قديما يطلقون عليه (الطبيب الأبكم)، وفوق هذا سعره رخيص مقارنة بارتفاع تكلفة مراكز التجميل المنتشرة فى القاهرة". وتلفت زينب إلى أن سعر جلسات تجهيز العروس لا تتعدى ال 200 جنيه (ما يعادل 33 دولار أمريكى)، بينما تكلفة هذه الجلسات فى مراكز التجميل الراقية تتعدى ال 2000 جنيه (ما يعادل 333 دولار أمريكى)، وهو ما اعتبرته تكلفة باهظة للمنتمين للطبقة الوسطى، ويقدم "حمام الأربع"، خدمات لتجهيز العروس تتنوع بين نظافة للجسم، وحمام، وتدليك، وأقنعة للبشرة والجلد. ويخصص القائمون على الحمام أوقات استخدامه إلى فترتين، صباحية وهى مخصصة للنساء، وأخرى مسائية تستقبل الرجال الراغبين فى النظافة والاسترخاء. ولحمام "الأربع" بوابة خارجية متصلة بمدخل ينتهى بساحة لاستقبال الزائرين وحفظ متعلقاتهم، يلحق بها مجموعة من الغرف الداخلية التى تحوى أحواض يجلس فيها الزائر ليتم تكييسه، وهى عملية عبارة عن تدليك الجسم بطمى بنى مخلوطة بمواد أخرى لتفتيح الجسم والبشرة وإزالة الجلد الزائد. وتوجد غرفة أخرى تسمى بيت الحرارة، تحوى مغطسا ممتلئا بالمياه الساخنة التى تصل إليه عبر بئر للمياه فى أسفل الحمام، ويتم تسخين المياه بالمستوقد الذى يوجد بجوار الحمام، ومن خلال بخار الماء المنبعث من المغطس يستمتع الزائر بحمام البخار الذى يساعد على تفتح مسام الجسم، لمدة 15 دقيقة. تأتى بعد ذلك مرحلة الاسترخاء على مصطبة من الرخام، وهى سطح مرتفع قليلا عن الأرض، وتجرى عليها عملية التدليك الذى يعقبها دش ساخن بالماء وخليط من الأعشاب الذى يترك على الجسم لمدة 30 دقيقة قبل شطفه بماء الورد، ثم التعرض للبخور، لإكساب الجلد رائحة طيبة. وعن نوعية الزبائن المترددين على الحمام تقول "أم عزة"، المشرفة على "حمام الأربع" فى الفترة المخصصة للنساء: "يأتى لنا زبائن من جميع الطبقات، فلدى سيدات من منطقة الزمالك الراقية القريبة من هنا، وتأتى لى أخريات من المهندسين ومصر الجديدة، بالإضافة إلى ساكنى بولاق أبو العلا اللاتى يعتمدن على الحمام لتجهيزهن فى ليلة زفافهن، وأيضا بعد الزواج". وأضافت لمراسلة الأناضول "كما يزورنا سائحون عرب وأجانب من بلدان مختلفة، يرغبون فى تجربة أماكن يعتبرونها من الآثار،" مشيرة إلى أن هذا الحمام تشرف عليه وزارة الآثار المصرية". وأوضحت "أم عزة" أن "ما يميز الحمام الشعبى عن مراكز التجميل والمراكز الصحية هو اعتماد الحمام على البخار الطبيعى وهو عبارة عن بخار متصاعد من مغطس مملوء بالماء الساخن فيتصاعد البخار لتفتيح مسام الجسم، أما مراكز التجميل فتعتمد على البخار الصناعى الكهربائى، وهو ما قد يعرض الزائر للاختناق فى حال طالت مدة تعرضه للبخار". وأضافت "الخامات المستخدمة فى الحمام الشعبى، معظمها خامات محلية مثل؛ قشر البرتقال والليمون المهروس وخشب الصندل، وبعض الفواكه ومسحوق الترمس والذرة الممزوج بزيت الزيتون أو السمسم، بينما الخامات المستخدمة فى مراكز التجميل تكون مستوردة من الخارج، أو تحمل ماركات عالمية، وهذا ما يؤثر على سعر الخدمة المقدمة"، مؤكدة أنه "مازال للحمام الشعبى زبائنه الذين يحرصون على القدوم إليه دوماً". وذكر كتاب "آخر حمامات القاهرة.. اندثار ثقافة"، والذى قامتا بتأليفه "مى التلمسانى" و"إيف جاندوسى"، الصادر عن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة عام 2009، أن الحمامات الشعبية التى بدأ ظهورها فى عصر المماليك ازدهرت وصارت من أهم معالم العمارة الإسلامية فى العصر العثمانى بمصر (1517 – 1924)، وبلغ عددها 137، انخفضت إلى 57 حماما فى عام 1888 وتقلص العدد بعد ذلك إلى 16 حماما أثريا فى القاهرة وكان أشهر الحمامات الشعبية فى ذلك الوقت حمام "بشتك" الذى تم بناؤه فى عام 1431 بأمر من الأمير بشتك. كما اشتهرت القاهرة بحمام "مارجوش" بمنطقة باب الشعرية، الذى يعود إنشاؤه إلى عام 1780، وحمام السلطان دانيال بشارع المعز لدين الله الفاطمى بمنطقة الجمالية، الذى أنشئ عام 1456، أما أشهر الحمامات التى ما تزال باقية حتى الآن فهى حمام الملاطيلى بمنطقة باب الشعرية، وحمام قلاوون بشارع النحاسين وحمام باب البحر بالقرب من ميدان رمسيس، وحمام التلات بمنطقة الموسكى، وحمام الأربع بمنطقة بولاق أبو العلا، حيث خضع بعضها للترميم بينما بقيت حمامات أخرى على هيئتها التى أنشئت عليها قبل 5 قرون فيما تلاشى القسم الأكبر منها. ويرصد الكتاب كيف كانت حمامات القاهرة من أجمل "حمامات البخار" التى عرفها الشرق فى القرن 12 الميلادى، واندثرت تلك الثقافة، ولم تمتد إلى مبانيها يد الإصلاح الذى حل بالبلاد فى القرن 19. ويصف الكتاب جدران تلك الحمامات الشعبية، بمعمارها الفريد، وحوائطها المزخرفة، والتى امتدت إليها يد الإهمال، ورغم ذلك تمسك أصحابها بمهنتهم، التى تمثل مصدر الرزق الوحيد لهم.