تابعت كما يتابع كل المهتمين بالشأن المصري ما تم إعلانه بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية 2011م ، ولأن المسألة معقدة بالنسبة للمواطن البسيط ، بل هي أكثر تعقيدا بالنسبة للنخب السياسية التي اعتادت على أن تمسك بزمام الأمور ، أو تكون على علم مسبق بكل ما يتم إقراره في المطبخ السياسي في ظل النظام السابق . أشارت صحيفة المصري في عددها الصادر بتاريخ الأحد 4 سبتمبر 2011م بالقول على لسان اللواء "ممدوح شاهين" عضو المجلس العسكري عن جدوى وأهمية التوزيع الجديد للدوائر الانتخابية بقوله « توزيع الدوائر الانتخابية اختلف عما سبق، حيث لن تكون الدائرة الانتخابية حكر علي مرشح بعينه، مضيفاً أنه تم تلافي جميع العيوب السابقة فيما يخص توزيع الدوائر، معرباً عن أمله في أن يحقق قانون الدوائر الهدف المأمول منه" . قي الوقت نفسه ذكرت صحيفة الشروق في عددها الصادر بتاريخ الأحد 4 سبتمبر 2011م عن تخوف حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان من طبيعة التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية بالقول " أن تقسيم الدوائر الانتخابية الجديد سيؤدى لتداخل الأصوات الفردية والجماعية وقد يؤدى إلى أن يكون عدد الأصوات الباطلة أكثر من الأصوات الصحيحة خاصة أن الوقت غير كافي لتدريب المواطنين على ذلك " وبين مؤيد ومعارض لطبيعة تقسيم الدوائر الانتخابية ، يأتي موقف المواطن المصري البسيط عبر سؤاله عن مدى وعيه وفهمه لطبيعة التقسيم وآلية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة ، نجد أن الإجابة غالبا ما تكون بالنفي ، والسبب في ذلك من وجهة نظري ، إنما يرجع إلى غياب الوعي السياسي لعقود عدة ،إضافة إلى غياب التواجد الحزبي على أرض الواقع ، والذي تعبر عنه أحزاب ورقية ممثله في مؤسسيها ، كما ينطبق ذلك على كثير من الأحزاب التي تم الإعلان عنها عقب الثورة ، ولا يعرف المواطن البسيط عنها وعن برامجها أي شيء ، سوى ما تم تعلقيه من لافتات في بعض الأماكن دون غيرها، نظرا لضيق ذات اليد ، وعدم وجود موارد للحزب الوليد ، أو على صعيد آخر ، من كانت له الحظوة في أن تتوفر له الموارد المالية، فقام بتعليق إعلاناته في كافة أنحاء مصر ، بالقرى والمدن على حد سواء ، مما أعطى إشارة ضمنية لدى الجميع بأنه صاحب الحظ الأوفر في حصد المقاعد حتى لو تباينت وتباعدت الدوائر الانتخابية، والسؤال الآن هل المشكلة هنا في ضبابية التوزيع للدوائر الانتخابية ، واتساع الرقعة الجغرافية للدائرة الواحدة ؟ أم أن المشكلة في غياب الوعي الانتخابي من ناحية، وكذلك ضعف التمثيل على المستوى الفردي للشخصيات العامة الغير محسوبة على أحزاب أو تكتلات بعينها ؟ أم أن المشكلة تكمن في غياب البرامج المعلنة للأحزاب التي ستخوض المعركة الانتخابية ؟ إن كل التساؤلات السابقة من الأهمية بمكان ، ولكن السبب الرئيس من وجهة نظري يرجع إلى غياب الوعي السياسي من ناحية ، نظرا للممارسات التي أصلها النظام السابق والتي استأصلت كل ما يدفع إلى الممارسات السياسية على ارض الواقع ،إضافة إلى ضعف الممارسات الإعلامية الرامية إلى توجيه الشعب نحو الممارسة السياسية الفعالة ، وفتح باب الإعلان عن البرامج الانتخابية على المستوى الفردي وكذلك الحزبي . وهناك أسباب أخرى ترجع إلى تأخر الإعلان عن توزيع الدوائر الانتخابية ، وطبيعة الترشح ، ولعل هذا التأخر يرجع إلى انشغال الحكومة الحالية ومعها المجلس العسكري بمناقشة قضايا مثل التعديلات فوق الدستورية ، على حساب القضايا الرئيسة ومنها قضية الانتخابات البرلمانية وضوابط تنفيذها بشكل موضوعي يضمن للجميع المشاركة بفعالية في المسألة الانتخابية . ولعل من أبرز السلبيات الناجمة عن تقسيم الدوائر الانتخابية ، يتمثل في ضعف الدعاية الانتخابية على المستوى الفردي ، نتيجة لاتساع الرقعة الجغرافية للدائرة ، إضافة إلى عدم قدرة المرشح على التواصل مع الناخبين ، وبعد أن تم الإعلان عن أنه سوف يتم دعوة الناخبين للانتخاب، وفتح باب الترشح، أواخر شهر سبتمبر الجاري، يعقبها إجراء الانتخابات خلال فترة لا تقل عن 30 يوما من بدء إعلان الإجراءات . ماذا بعد ؟ سؤال يطرح نفسه ويستوجب وضع مجموعة من الإجراءات التي تضمن تحقيق مشاركة سياسية فاعلة في ظل التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية ، والإجابة عنه تتمثل في مجموعة من الإجراءات منها: • التوقف عن كيل الاتهامات من قبل طرف تجاه بقية الأطراف ، والالتزام بالموضوعية في التنافس الانتخابي بعيداً عن لغة التجريح أو التخوين ، أو الإقصاء . • ممارسة الإعلام لدور التوعية السياسية للناخبين عبر برامج إعلامية هادفة ، من خلال توضيح طبيعة التصويت على القوائم ، وكذلك التصويت الفردي . • ممارسة الأحزاب دور التوعية السياسية من خلال الإعلان عن برامجها بشكل اجرائى ومقنع للناخبين ، وعبر لقاءات تجمع بين المرشحين والناخبين ، على أن يعلن عنها عبر وسائل الإعلام المرئية ، والمسموعة ، والمكتوبة . • ممارسة مؤسسات المجتمع المدني دور التوعية السياسية عبر اللقاءات والندوات مع الأحزاب والأفراد بهدف توضيح البرامج الانتخابية على المستوى الفردي وكذلك على مستوى الأحزاب المتنافسة . • عقد المناظرات والندوات بين المرشحين ، على أن يقوم الإعلام بتسجيل ونقل نماذج منها للمشاهد ، حتى تتضح معالم اللعبة السياسية ، ولا يتهكم طرف على آخر . • أن يدير المناظرات والندوات شخصيات عامة مشهود لها بالكفاءة والسمعة الحسنة . ودائماً نحو تأصيل وعى انتخابي هادف من أجل مصر . [email protected]